وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحافظ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ الْعَبَّاسِ الضَّبِّيَّ , يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْلِ الْبَطَايِينِيَّ ، وَنَحْنُ بِالرِّيِّ , يَقُولُ : وَكَانَ أَبُو الْفَضْلِ يَحْجُبُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ إِذَا رَكِبَ , قَالَ : " خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ يَوْمًا قُرْبَ الْعَصْرِ مِنْ مَنْزِلِهِ فَتَبِعْتُهُ وَأَنَا لا أَدْرِي أَيْنَ مَقْصِدُهُ ، إِلَى أَنْ بَلَغَ بَابَ مَعْمَرٍ ، فَدَخَلَ دَارَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ , ثُمَّ خَرَجَ وَهُوَ مُنْقَسِمُ الْقَلْبِ ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَرْبَعَةَ الصَّغِيرَةَ , وَقَرُبَ مِنْ خَانِ مَكِّيٍّ , وَقَفَ وَقَالَ لِمَنْصُورٍ الصَّيْدَلانِيِّ : تَعَالَ . فَعَدَا إِلَيْهِ مَنْصُورٌ ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ , قَالَ لَهُ : مَا صَنْعَتُكَ ؟ قَالَ : أَنَا عَطَّارٌ , قَالَ : تُحْسِنُ صَنْعَةَ الأَسَاكِفَةِ ؟ قَالَ : لا , قَالَ : تُحْسِنُ صَنْعَةَ النَّجَّارِينَ ؟ قَالَ : لا , فَقَالَ لَنَا : إِذَا كَانَ الْعَطَّارُ لا يُحْسِنُ غَيْرَ مَا هُوَ فِيهِ ، فَمَا تُنْكِرُونَ عَلَى فَقِيهٍ رَاوِي حَدِيثٍ أَنَّهُ لا يُحْسِنُ الْكَلامَ ؟ وَقَدْ قَالَ لِي مُؤَدِّبِي , يَعْنِي الْمُزَنِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ , غَيْرَ مَرَّةٍ : كَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهَانَا عَنِ الْكَلامِ قُلْتُ : أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا كَانَ مُعْتَزِلِيًّا أَلْقَى فِي سَمْعِ الشَّيْخِ شَيْئًا مِنْ بِدْعَتِهِ وَصَوَّرَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ ، يُرِيدُ أَبَا عَلِيٍّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيَّ ، وَأَبَا مُحَمَّدِ بْنَ يَحْيَى بْنِ مَنْصُورٍ الْقَاضِي ، وَأَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي عُثْمَانَ الْحِيرِيَّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ ، أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَتَكَلَّمُ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ فِي الأَزَلِ ، حَتَّى خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَطَالَتْ خُصُومَتُهُمْ ، وَتَكَلَّمَ بِمَا يُوهِمُ الْقَوْلَ بِحُدُوثِ الْكَلامِ ، مَعَ اعْتِقَادِهِ قِدَمَهُ ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ الْفَقِيهَ أَمْلَى اعْتِقَادَهُ وَاعْتِقَادَ رُفَقَائِهِ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ ، وَعَرَضَهُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فَاسْتَصْوَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَارْتَضَاهُ , وَاعْتَرَفَ فِيمَا حَكَيْنَا عَنْهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَتَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يُحْسِنِ الْكَلامَ ، وَكَانَ فِيمَا أَمْلَى مِنَ اعْتِقَادِهِمْ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحافظ عَنْ نُسْخَةِ ذَلِكَ الْكِتَابِ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ ذِكْرُهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ إِلا مَرَّةً , وَلا يَتَكَلَّمُ إِلا مَا تَكَلَّمَ بِهِ , ثُمَّ انْقَضَى كَلامُهُ كَفَرَ بِاللَّهِ ، بَلْ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا ، وَلا يَزَالُ مُتَكَلِّمًا ، لا مِثْلَ لَكَلامِهِ لأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ ، نَفَى اللَّهُ تَعَالَى الْمِثْلَ عَنْ كَلامِهِ ، كَمَا نَفَى الْمِثْلَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَنَفَى النَّفَادَ عَنْ كَلامِهِ كَمَا نَفَى الْهَلاكَ عَنْ نَفْسِهِ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ سورة القصص آية 88 , وَقَالَ تَعَالَى : قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي سورة الكهف آية 109 , فَكَلامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ بَائِنٍ عَنِ اللَّهِ لَيْسَ هُوَ دُونَهُ وَلا غَيْرُهُ وَلا هُوَ هُوَ ، بَلْ هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَعِلْمِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ ، لَمْ يَزَلْ رَبُّنَا عَالِمًا ، وَلا يَزَالُ عَالِمًا ، وَلَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ ، فَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِالصِّفَاتِ الْعُلَى ، وَلَمْ يَزَلْ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ ذَاتِهِ وَاحِدًا وَلا يَزَالُ ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ . وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ : الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ كَلامِهِ خَلْقًا وَلا مَخْلُوقًا ، وَلا فِعْلا وَلا مَفْعُولا ، وَلا مُحْدِثًا وَلا حَدَثًا وَلا أَحْدَاثًا " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحافظ | الحاكم النيسابوري / ولد في :321 / توفي في :405 | ثقة حافظ |