باب ما جاء في تفسير الروح


تفسير

رقم الحديث : 737

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحافظ ، قَالَ : سَمِعْتُ خَلَفَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيَّ , سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ هَارُونُ الْكَرَابِيسِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حَفْصٍ , قَالَ : قَالَ الشَّيْخُ : يَعْنِي أَبَاهُ , قَالَ أَفْلَحُ بْنُ مُحَمَّدٍ : قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ : " يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، إِنِّي أَكْرَهُ الصِّفَةَ , يَعْنِي صِفَةَ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : أَنَا أَشَدُّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِذَلِكَ ، وَلَكِنْ إِذَا نَطَقَ الْكِتَابُ بِشَيْءٍ جَسَرْنَا عَلَيْهِ ، وَإِذَا جَاءَتِ الأَحَادِيثُ الْمُسْتَفِيضَةُ الظَّاهِرَةُ تَكَلَّمْنَا بِهِ " ، قُلْتُ : وَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الأَوْصَافَ الْخَبَرِيَّةَ ، ثُمَّ تَكَلُّمُهُمْ بِهَا عَلَى نَحْوِ مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ لا يُجَاوِزُونَهُ . وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ الْيَمِينَ يُرَادُ بِهِ الْيَدُ وَالْكَفُّ عِبَارَةً عَنِ الْيَدِ ، وَالْيَدُ لِلَّهِ تَعَالَى صِفَةٌ بِلا جَارِحَةٍ ، فَكُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَتْ فِيهِ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ , فَالْمُرَادُ بِذِكْرِهَا تَعَلُّقُهَا بِالْكَائِنِ الْمَذْكُورِ مَعَهَا ، مِنَ الطَّيِّ وَالأَخْذِ ، وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ ، وَالْمَسْحِ ، وَالْقَبُولِ ، وَالإِنْفَاقِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ تَعَلَّقَ الصِّفَةِ الذَّاتِيَّةِ بِمُقْتَضَاهَا مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلا مُمَاسَّةٍ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَشْبِيهٌ بِحَالٍ . وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْقَبْضَةَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ قَدْ يَكُونُ بِالْجَارِحَةِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمُلْكِ وَالْقُدْرَةِ يُقَالُ : مَا فُلانٌ إِلا فِي قَبْضَتِي . يَعْنِي : مَا فُلانٌ إِلا فِي قُدْرَتِي . وَالنَّاسُ يَقُولُونَ : الأَشْيَاءُ فِي قَبْضَةِ اللَّهِ . يُرِيدُونَ فِي مُلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى إِفْنَاءِ الشَّيْءِ وَإِذْهَابِهِ ، يُقَالُ : فُلانٌ قَبَضَهُ اللَّهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَفْنَاهُ وَأَذْهَبَهُ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا فَقَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سورة الزمر آية 67 , يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ : وَالأَرْضُ جَمِيعًا ذَاهِبَةٌ فَانِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى إِفْنَائِهَا وَقَوْلُهُ : وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سورة الزمر آية 67 ، لَيْسَ يُرِيدُ بِهِ طَيًّا بِعِلاجٍ وَانْتِصَابٍ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْفَنَاءُ وَالذِّهَابُ . يُقَالُ : قَدِ انْطَوَى عَنَّا مَا كُنَّا فِيهِ ، وَجَاءَنَا غَيْرُهُ ، وَانْطَوى عَنَّا دَهْرٌ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ وَالذَّهَابِ ، وَقَوْلُهُ : بِيَمِينِهِ سورة الزمر آية 67 ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا عَنِ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ ، كَقَوْلِهِ : مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ سورة الروم آية 28 , يُرِيدُ بِهِ الْمِلْكَ ، وَقَدْ قِيلَ : قَوْلُهُ : مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سورة الزمر آية 67 , يُرِيدُ بِهِ ذَاهِبَاتٍ بِقَسَمِهِ ، أَيْ أَقْسَمَ لَيُفْنِيَهَا ، وَقَوْلُهُ : لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ سورة الحاقة آية 45 , أيْ بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ ، أَيْ : أَخَذْنَا قُدْرَتَهُ وَقُوَّتَهُ . وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ : أَيْ لأَخَذْنَا بِيَمِينِهِ ، فَمَعْنَاهُ التَّصَرُّفُ ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ سورة الحاقة آية 46 , أَيْ عِرْقًا فِي الْقَلْبِ . وَقِيلَ : هُوَ حَبْلُ الْقَلْبِ إِذَا انْقَطَعَ مَاتَ صَاحِبُهُ . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ , قَالَ : قَالَ الْفَرَّاءُ : بالْيَمِينِ سورة الحاقة آية 45 : الْقُوَّةُ وَالْقُدْرَةُ ، قَالَ الشَّاعِرُ : إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ : لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ سورة الحاقة آية 45 , بِالْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ : كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ سورة الصافات آية 28 , يَقُولُ : كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا مِنْ قِبَلِ الدِّينِ . أَيْ تَأْتُونَنَا تَخْدَعُونَنَا بِأَقْوَى الْوُجُوهِ . قَالُوا : وَالْيَمِينُ الْمَذْكُورُ فِي الأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَحْمُولٌ فِي بَعْضِهَا عَلَى الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ ، وَهُوَ مَا فِي الأَخْبَارِ الَّتِي وَرَدَتْ عَلَى وَفْقِ الآيَةِ ، وَفِي بَعْضِهَا عَلَى حُسْنِ الْقَبُولِ ، لأَنَّ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَنَّ أَيْمَانَهُمْ تَكُونُ مُرْصَدَةً لِمَا عَزَّ مِنَ الأُمُورِ ، وَشَمَائِلَهُمْ لِمَا هَانَ مِنْهَا ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ : فُلانٌ عِنْدَنَا بِالْيَمِينِ ، أَيْ بِالْمَحِلِّ الْجَلِيلِ . وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ : أَقُولُ لِنَاقَتِي إِذْ بَلَّغَتْنِي لَقَدْ أَصْبَحْتِ عِنْدِي بِالْيَمِينِ أَيْ بِالْمَحِلِّ الْجَلِيلِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : " كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ " ، فَإِنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ التَّمَامَ وَالْكَمَالَ ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُحِبُّ التَّيَامُنَ وَتَكْرَهُ التَّيَاسُرَ لِمَا فِي التَّيَاسُرِ مِنَ النُّقْصَانِ وَفِي التَّيَامُنِ مِنَ التَّمَامِ . وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " لَيْسَ فِيمَا يُضَافُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ صِفَةِ الْيَدَيْنِ شِمَالٌ لأَنَّ الشِّمَالَ مَحَلُّ النَّقْصِ وَالضَّعْفِ ، وَقَدْ رُوِيَ كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْيَدِ عِنْدَنَا الْجَارِحَةَ ، إِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ جَاءَ بِهَا التَّوْقِيفُ ، فَنَحْنُ نُطْلِقُهَا عَلَى مَا جَاءَتْ وَلا نُكَيِّفُهَا ، وَنَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ انْتَهَى بِنَا الْكِتَابُ وَالأَخْبَارُ الْمَأْثُورَةُ الصَّحِيحَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ " . قُلْتُ : وَأَمَّا قَوْلُهُ : " فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ " . فَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ : فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ .

الرواه :

الأسم الرتبة
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحافظ

ثقة حافظ

Whoops, looks like something went wrong.