باب ما جاء في قول الله عز وجل الرحمن على العرش استوى سورة طه اية


تفسير

رقم الحديث : 865

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحافظ ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ ، سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى الْبَزَّازُ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ حَمْزَةَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي الْحَوَارِيِّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ ، يَقُولُ : " كُلُّ مَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ فَتَفْسِيرُهُ تِلاوَتُهُ ، وَالسُّكُوتُ عَلَيْهِ " ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحافظ ، قَالَ : هَذِهِ نُسْخَةُ الْكِتَابِ الَّذِي أَمْلاهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ فِي مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ , فِيمَا جَرَى بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ ، فَذَكَرَهَا وَذَكَرَ فِيهَا : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى بِلا كَيْفٍ ، وَالآثَارُ عَنِ السَّلَفِ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ " وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ يَدُلُّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَإِلَيْهَا ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ . وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ . وَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الأَشْعَرِيُّ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَعَلَ فِي الْعَرْشِ فِعْلا سَمَّاهُ اسْتِوَاءً ، كَمَا فَعَلَ فِي غَيْرِهِ فِعْلا سَمَّاهُ رِزْقًا أَوْ نِعْمَةً أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ أَفْعَالِهِ . ثُمَّ لَمْ يُكَيِّفِ الاسْتِوَاءَ إِلا أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لِقَوْلِهِ : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى سورة طه آية 5 , وَثُمَّ لِلتَّرَاخِي ، وَالتَّرَاخِي إِنَّمَا يَكُونُ فِي الأَفْعَالِ ، وَأَفْعَالُ اللَّهِ تَعَالَى تُوجَدُ بِلا مُبَاشَرَةٍ مِنْهُ إِيَّاهَا وَلا حَرَكَةٍ . وَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْدِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي آخَرِينَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ , بِمَعْنَى أَنَّهُ عَالٍ عَلَيْهِ ، وَمَعْنَى الاسْتِوَاءِ : الاعْتِلاءُ ، كَمَا يَقُولُ : اسْتَوَيْتُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ ، وَاسْتَوَيْتُ عَلَى السَّطْحِ . بِمَعْنَى عَلَوْتُهُ ، وَاسْتَوَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَأْسِي ، وَاسْتَوَى الطَّيْرُ عَلَى قِمَّةِ رَأْسِي ، بِمَعْنَى عَلا فِي الْجَوِّ ، فَوُجِدَ فَوْقَ رَأْسِي . وَالْقَدِيمُ سُبْحَانَهُ عَالٍ عَلَى عَرْشِهِ , لا قَاعِدٌ وَلا قَائِمٌ وَلا مُمَاسٌّ وَلا مُبَايَنٌ عَنِ الْعَرْشِ ، يُرِيدُ بِهِ : مُبَايَنَةَ الذَّاتِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الاعْتِزَالِ أَوِ التَّبَاعُدِ ، لأَنَّ الْمُمَاسَّةَ وَالْمُبَايَنَةَ الَّتِي هِيَ ضِدُّهَا ، وَالْقِيَامُ وَالْقُعُودُ مِنْ أَوْصَافِ الأَجْسَامِ ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، فَلا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الأَجْسَامِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . وَحَكَى الأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ , عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا , أَنَّهُ قَالَ : اسْتَوَى سورة طه آية 5 , بِمَعْنَى : عَلا ، ثُمَّ قَالَ : وَلا يُرِيدُ بِذَلِكَ عُلُوًّا بِالْمَسَافَةِ وَالتَّحَيُّزِ وَالْكَوْنِ فِي مَكَانٍ مُتَمَكِّنًا فِيهِ ، وَلَكِنْ يُرِيدُ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ سورة الملك آية 16 , أَيْ : مَنْ فَوْقَهَا عَلَى مَعْنَى نَفْيِ الْحَدِّ عَنْهُ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَحْوِيهِ طَبَقٌ أَوْ يُحِيطُ بِهِ قُطْرٌ ، وَوُصِفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِذَلِكَ بِطَرِيقِ الْخَبَرِ ، فَلا نَتَعَدَّى مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ . قُلْتُ : وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ ، وَكَلِمَةُ ثُمَّ تَعَلَّقَتْ بِالْمُسْتَوى عَلَيْهِ ، لا بِالاسْتِوَاءِ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ : ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ سورة يونس آية 46 , يَعْنِي : ثُمَّ يَكُونُ عَمَلُهُمْ فَيَشْهَدُهُ ، وَقَدْ أَشَارَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ إِلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ حِكَايَةً ، فَقَالَ : وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : إِنَّهُ صِفَةُ ذَاتٍ ، وَلا يُقَالُ : لَمْ يَزَلْ مُسْتَوِيًا عَلَى عَرْشِهِ ، كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّ الأَشْيَاءَ قَدْ حَدَثَتْ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ ، وَلا يُقَالُ : لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِأَنْ قَدْ حَدَثَتْ ، وَلَمَّا حَدَثَتْ بَعْدُ ، قَالَ : وَجَوَابِي هُوَ الأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ , وَأَنَّهُ فَوْقَ الأَشْيَاءَ بَائِنٌ مِنْهَا ، بِمَعْنَى أَنَّهَا لا تَحُلُّهُ وَلا يَحُلُّهَا ، وَلا يَمَسُّهَا وَلا يُشْبِهُهَا ، وَلَيْسَتِ الْبَيْنُونَةُ بِالْعُزْلَةِ تَعَالَى اللَّهُ رَبُّنَا عَنِ الْحُلُولِ وَالْمُمَاسَّةِ عُلُوًّا كَبِيرًا . قَالَ : وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : إِنَّ الاسْتِوَاءَ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى تَنْفِي الاعْوِجَاجَ عَنْهُ ، وَفِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورِ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الاسْتِوَاءَ هُوَ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرَّحْمَنَ غَلَبَ الْعَرْشَ وَقَهَرَهُ ، وَفَائِدَتُهُ الإِخْبَارُ عَنْ قَهْرِهِ مَمْلُوكَاتِهِ ، وَأَنَّهَا لَمْ تَقْهَرْهُ ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْعَرْشَ بِالذِّكْرِ لأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمَمْلُوكَاتِ ، فَنَبَّهَ بِالأَعْلَى عَلَى الأَدْنَى ، قَالَ : وَالاسْتِوَاءُ بِمَعْنَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ ، كَمَا يُقَالُ : اسْتَوَى فُلانٌ عَلَى النَّاحِيَةِ إِذَا غَلَبَ أَهْلَهَا ، وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ : قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقٍ يُرِيدُ : أَنَّهُ غَلَبَ أَهْلَهُ مِنْ غَيْرِ مُحَارَبَةٍ . قَالَ : وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الآيَةِ بِمَعْنَى الاسْتِيلاءِ ، لأَنَّ الاسْتِيلاءَ غَلَبَةٌ مَعَ تَوَقُّعِ ضَعْفٍ ، قَالَ : وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ سورة فصلت آية 11 , وَالاسْتِوَاءُ إِلَى السَّمَاءِ هُوَ الْقَصْدُ إِلَى خَلْقِ السَّمَاءِ ، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ إِلَى السَّمَاءِ اسْتِوَاءً , جَازَ أَنْ تَكُونَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتِوَاءً . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحافظ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى ، قَالا : ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سورة البقرة آية 29 , قَالَ : الاسْتِوَاءُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ عَلَى جِهَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَسْتَوِيَ الرَّجُلُ وَيَنْتَهِيَ شَبَابُهُ وَقُوَّتُهُ ، أَوْ يَسْتَوِيَ مِنَ اعْوِجَاجٍ ، فَهَذَانِ وَجْهَانِ ؛ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنْ تَقُولَ : كَانَ مُقْبِلا عَلَى فُلانٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَيَّ يُشَاتِمُنِي وَإِلَيَّ سَوَاءٌ ، عَلَى مَعْنَى أَقْبَلَ إِلَيَّ وَعَلَيَّ ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ : اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ سورة البقرة آية 29 , وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ : وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " ثُمَّ اسْتَوَى صَعِدَ " وَهَذَا كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ : كَانَ قَاعِدًا فَاسْتَوَى قَائِمًا ، أَوْ كَانَ قَائِمًا فَاسْتَوَى قَاعِدًا ، وَكُلٌّ فِي كَلامِ الْعَرَبِ جَائِزٌ . قُلْتُ : قَوْلُهُ : اسْتَوَى بِمَعْنَى أَقْبَلَ صَحِيحٌ ، لأَنَّ الإِقْبَالَ هُوَ الْقَصْدُ إِلَى خَلْقِ السَّمَاءِ ، وَالْقَصْدُ هُوَ الإِرَادَةُ , وَذَلِكَ هُوَ الْجَائِزُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى . وَلَفْظُ ثُمَّ تَعَلَّقَ بِالْخَلْقِ لا بِالإِرَادَةِ . وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ تَفْسِيرِهِ الْكَلْبِيُّ ، وَالْكَلْبِيُّ ضَعِيفٌ ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ عِنْدَنَا فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ .

الرواه :

الأسم الرتبة
سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ

ثقة حافظ حجة

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحافظ

ثقة حافظ

Whoops, looks like something went wrong.