أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا ، وَأَبُو بَكْرٍ ، قَالا : ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ ، أبنا الرَّبِيعُ ، أبنا الشَّافِعِيُّ ، أبنا مَالِكٌ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، وَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَجْلانِيُّ وَهُوَ أُحَيْمِرُ سَبْطٌ ، نَضْوَ الْخَلْقِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْتُ شَرِيكَ بْنَ السَّحْمَا يَعْنِي ابْنَ عَمِّهِ ، وَهُوَ رَجُلٌ عَظِيمُ الأَلْيَتَيْنِ ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ ، حَادُّ الْخَلْقِ يُصِيبُ فُلانَةَ يَعْنِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حُبْلَى وَمَا قَرَبْتُهَا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِيكًا ، فَجَحَدَ وَدَعَا الْمَرْأَةَ فَجَحَدَتْ ، فَلاعَنَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَهِيَ حُبْلَى ، ثُمَّ قَالَ : " أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَدْعَجَ عَظِيمَ الأَلْيَتَيْنِ فَلا أُرَاهُ إِلا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلا أُرَاهُ إِلا قَدْ كَذَبَ " ، فَجَاءَتْ بِهِ أَدْعَجَ عَظِيمَ الأَلْيَتَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا : " إِنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ " ، لَوْلا مَا قَضَى مِنْ أَلا يَحْكُمَ عَلَى أَحَدٍ إِلا بِإِقْرَارٍ وَاعْتِرَافٍ عَلَى نَفْسِهِ ، لا يَحِلُّ بِدَلالَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةً ، وَقَالَ : " لَوْلا مَا قَضَى اللَّهُ لَكَانَ لِي فِيهَا قَضَاءٌ غَيْرُهُ " . وَلَمْ يَعْرِضْ لِشَرِيكٍ وَلا لِلْمَرْأَةِ ، وَأَنْفَذَ الْحُكْمَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدُ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الصَّادِقُ . قَالَ الشَّيْخُ : قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ : " إِلا بِإِقْرَارٍ وَاعْتِرَافٍ عَلَى نَفْسِهِ " . كَذَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ ، وَصَوَابُهُ إِلا بِشُهُودٍ أَوِ اعْتِرَافٍ ، وَقَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ يُرِيدُ بِهِ دَلالَةَ بَيِّنَةٍ ظَاهِرَةٍ ، وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، وَرَبْطُ هَذَا الْمَتْنِ عَلَيْهَا ، فَإِنَّهَا زَلَّةٌ وَقَعَتْ مِنْ جِهَةِ نَقْلِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ مِنَ الْمَبْسُوطِ إِلَى الْمُسْنَدِ وَلَمْ يَرْوِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَلا الشَّافِعِيُّ هَذَا الْمَتْنَ بِهَذَا الإِسْنَادِ ، وَهُمَا مَعَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ يَبْرَءُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْخَطَأِ الْفَاحِشِ ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ هَذِهِ الزَّلَّةُ لِهَذَا النَّاقِلِ فِيمَا أَرَى مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ إِبْطَالِ الاسْتِحْسَانِ فَصْلا فِي أَنَّ الأَحْكَامَ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا هِيَ عَلَى مَا أَظْهَرَ الْعِبَادُ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَدِينُ بِالسَّرَائِرِ . وَاحْتَجَّ بِأَمْرِ الْمُنَافِقِينَ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " لا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهَ " ، ثُمَّ قَالَ : أبنا مَالِكُ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ " ، الْحَدِيثَ ، وَانْقَطَعَ بَعْضُ الْمَتْنِ إِمَّا بِتَرْكٍ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، أَوْ تَرَكَ الشَّافِعِيُّ إِتْمَامَهُ لِيَرْجِعَ إِلَى الأَصْلِ فَيُثْبِتَهُ مِنَ الْكِتَابِ عَلَى الْيَقِينِ ، وَتَرَكَ الْبَيَاضَ وَاسْتَدَلَّ بَعْدَهُ بِقِصَّةِ الْعَجْلانِيِّ ، فَقَالَ : وَجَاءَ الْعَجْلانِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلا إِسْنَادٍ . فَتَوَهَّمَ هَذَا النَّاقِلُ قَوْلَهُ : وَجَاءَ الْعَجْلانِيُّ ، مِنْ قَوْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، فَخَرَّجَهُ فِي الْمُسْنَدِ مُرَكَّبًا عَلَى إِسْنَادِ حَدِيثِ مَالِكٍ ، عَنْ هِشَامٍ ، وَهُوَ فَاحِشٌ ، وَقَدْ قَرَأْتُ كِتَابَ إِبْطَالِ الاسْتِحْسَانِ عَلَى أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو ورَأَيْتُهُ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ ، عَنِ الرَّبِيعِ ، عَنِ الشَّافِعِيِّ ، وَوَجَدْتُهُ فِي أَصْلٍ عَتِيقٍ مُعْتَمَدٍ قَدْ فُصِلَ مِنْ قَوْلِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ : وَجَاءَ الْعَجْلانِيُّ عَلَى أَنَّهُ ابْتِدَاءُ احْتِجَاجٍ مَعْطُوفٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحُجَّةِ . وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كُتُبِهِ ، وَاحْتَجَّ فِيهَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ ، مَعَ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَحَدِيثِ الْعَجْلانِيِّ . وَلَوْلا بُعْدُ إِفْهَامِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ هَذَا الشَّأْنِ لَمَا احْتَجْتُ فِيهِ إِلَى هَذَا الْبَيَانِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ صَنَّفَ أَوْ رَأَى أُصُولَ الْمُصَنِّفِينَ الْمُتْقِنِينَ عَلِمَ مِنْ عَادَتِهِمْ مَا حَكَيْتُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ مِنْ إِيرَادِ بَعْضِ الأَسَانِيدِ أَوْ بَعْضِ الْمُتُونِ وَتَرْكِ الْبَاقِي لِلرُّجُوعِ إِلَى الأَصْلِ ، فَمَنْ لَمْ يُنْعِمِ النَّظَرَ فِيهَا وَقَعَ لَهُ مِنَ الْخَطَأِ مَا وَقَعَ لِهَذَا النَّاقِلِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ | هشام بن عروة الأسدي / ولد في :58 / توفي في :145 | ثقة إمام في الحديث |
مَالِكٌ | مالك بن أنس الأصبحي / ولد في :89 / توفي في :179 | رأس المتقنين وكبير المتثبتين |
الشَّافِعِيُّ | محمد بن إدريس الشافعي / ولد في :150 / توفي في :204 | المجدد لأمر الدين على رأس المائتين |
الرَّبِيعُ | الربيع بن سليمان المرادي | ثقة |
أَبُو الْعَبَّاسِ | محمد بن يعقوب الأموي / ولد في :247 / توفي في :346 | ثقة حافظ |
وَأَبُو بَكْرٍ | أحمد بن إسحاق الصبغي | ثقة ثبت |
أَبُو زَكَرِيَّا | يحيى بن أبي إسحاق النيسابوري / توفي في :414 | ثقة متقن |