أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي ، قَالَ : " ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا ائِتَمَرِتْ رَوِيَّتَهُمْ وَاشْتَدَ مَكْرُهُمْ ، وَهَمُّوا بِقَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إِخْرَاجِهِ حِينَ رَأَوْا أَصْحَابَهُ يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ ، فَعَرَضُوا عَلَى قَوْمِهِ أَنْ يُعْطُوهُمْ دِيَتَهُ وَيَقْتُلُوهُ ، فَأَبَى ذَلِكَ قَوْمُهُ وَمَنَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ بِحَمِيَّةِ رَهْطِهِ ، وَاشْتَدُّوا عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ عَلَى دِينِ اللَّهِ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ، فَكَانَتْ فِتْنَةً شَدِيدَةً وَزِلْزَالا شَدِيدًا ، فَمِنْهُمْ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ ، وَمِنْهُمْ مَنِ افْتُتِنَ ، فَلَمَّا فُعِلَ بِالْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ الشِّعْبَ مَعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْخُرُوجِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَكَانَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكٌ يُقَالُ لَهُ : النَّجَاشِيُّ ، لا يُظْلَمُ بِأَرْضِهِ أَحَدٌ ، وَكَانَ يُثْنِي عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ خَيْرًا ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا عَامَّتُهُمْ حِينَ قُهِرُوا وَخَافُوا الْفِتْنَةَ ، وَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَبْرَحْ ، وَذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَأَنَّهُمْ خَرَجُوا مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ رَجَعَ الَّذِينَ خَرَجُوا الْمَرَّةَ الأُولَى قَبْلَ خُرُوجِ جَعْفَرِ وَأَصْحَابِهِ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ سُورَةَ النَّجْمِ ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ : لَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ أَقْرَرْنَاهُ وَأَصْحَابَهُ ، وَلَكِنَّهُ لا يَذْكُرُ مَنْ خَالَفَ دِينَهُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِمِثْلِ مَا يَذْكُرُ بِهِ آلِهَتَنَا مِنَ الشَّتْمِ وَالشَّرِّ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ مَا نَالَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَذَاهُمْ ، وَتَكْذِيبِهِمْ ، وَأَحْزَنَتْهُ ضَلالَتُهُمْ ، وَكَانَ يَتَمَنَّى هُدَاهُمْ ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سُورَةَ النَّجْمِ ، قَالَ : أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى { 19 } وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى { 20 } سورة النجم آية 19-20 أَلْقَى الشَّيْطَانُ عِنْدَهَا كَلِمَاتٍ حِينَ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آخِرَ الطَّوَاغِيتِ ، فَقَالَ : وَإِنَّهُنَّ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى ، وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَهِيَ الَّتِي تُرْتَجَى ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ سَجَعَ الشَّيْطَانِ وَفِتْنَتِهِ ، فَوَقَعَتْ هَاتَانِ الْكَلِمَتَانِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُشْرِكٍ بِمَكَّةَ ، وَزَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ وَتَبَاشَرُوا بِهَا ، وَقَالُوا : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ رَجَعَ إِلَى دِينِهِ الأَوَّلِ وَدِينِ قَوْمِهِ ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ النَّجْمِ سَجَدَ ، وَسَجَدَ كُلُّ مَنْ حَضَرَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُشْرِكٍ ، غَيْرَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا رَفَعَ مِلْءَ كَفَّيْهِ تُرَابًا فَسَجَدَ عَلَيْهِ ، فَعَجِبَ الْفَرِيقَانِ كِلاهُمَا مِنْ جَمَاعَتِهِمْ فِي السُّجُودِ بِسُجُودِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَعَجِبُوا لِسُجُودِ الْمُشْرِكِينَ مَعَهُمْ عَلَى غَيْرِ إِيمَانٍ وَلا يَقِينٍ ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ سَمِعُوا الَّذِي أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُشْرِكِينَ ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَاطْمَأَنَّتْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُلْقيَ فِي أُمْنِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَرَأَهَا فِي السَّجْدَةَ ، فَسَجَدُوا لِتَعْظِيمِ آلِهَتِهِمْ ، وَفَشَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ فِي النَّاسِ وَأَظْهَرَهَا الشَّيْطَانُ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْضَ الْحَبَشَةِ ، وَمَرَّ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابُهُ ، وَحَدَّثُوا أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَدْ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ ، وَصَلَّوْا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَلَغَهُمْ سُجُودَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَلَى التُّرَابِ عَلَى كَفَّيْهِ ، وَحَدَّثُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَمِنُوا بِمَكَّةَ ، فَأَقْبَلُوا سِرَاعًا ، وَقَدْ نَسْخَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ وَأَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتَهُ وَحَفِظَهَا مِنَ الْبَاطِلِ ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { 52 } لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ { 53 } سورة الحج آية 52-53 فَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَضَاءَهُ ، وَبَرَّأَهُ مِنْ سَجْعِ الشَّيْطَانِ ، انْقَلَبَ الْمُشْرِكُونَ بِضَلالَتِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاشْتَدُّوا عَلَيْهِمْ ، قَالَ : وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابُهُ فِيمَنْ رَجَعَ ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ حَتَّى بَلَغَهُمْ شِدَّةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلا بِجِوَارٍ ، فَأَجَارَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ ، فَلَمَّا رَأَى عُثْمَانُ الَّذِي يَلْقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنَ الْبَلاءِ ، وَعُذِّبَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِالنَّارِ وَالسِّيَاطِ ، وَعُثْمَانُ مُعَافًى لا يُعْرَضُ لَهُ ، اسْتَحَبَّ الْبَلاءَ عَلَى الْعَافِيَةِ ، فَقَالَ : أَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذِمَّتِهِ وَذِمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي اخْتَارَ اللَّهُ لأَوْلِيَائِهِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ فَهُوَ مُبْتَلًى ، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَهُوَ خَائِفٌ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ الشَّيْطَانِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ النَّاسِ فَهُوَ مُعَافًى ، فَعَهِدَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ : يَا عَمِّ ، قَدْ أَجَرْتَنِي وَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تُخْرِجَنِيَ إِلَى عَشِيرَتِكَ ، فَتَبْرَأَ مِنِّي بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ، فَقَالَ الْوَلِيدُ : يَا ابْنَ أَخِي ، لَعَلَّ أَحَدًا مِنْ قَوْمِكَ آذَاكَ أَوْ شَتَمَكَ وَأَنْتَ فِي ذِمَّتِي ، فَأَكْفِيكَ ذَاكَ ، قَالَ : لا وَاللَّهِ ، مَا اعْتَرَضَ لِي أَحَدٌ وَلا آذَانِي ، فَلَمَّا أَبَى إِلا أَنْ يَبْرَأَ مِنْهُ الْوَلِيدُ ، أَخْرَجَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ كَأَحْفَلِ مَا كَانُوا ، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ الشَّاعِرُ يُنْشِدُهُمْ فَأَخَذَ الْوَلِيدُ بِيَدِ عُثْمَانَ ، فَأَتَى بِهِ قُرَيْشًا ، فَقَالَ : إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي وَحَمَلَنِي عَلَى أَنْ أَتَبَرَّأَ مِنْ جِوَارِهِ ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُ إِلا أَنْ يَشَاءَ ، فَقَالَ عُثْمَانُ : صَدَقَ ، أَنَا وَاللَّهِ أَكْرَهْتُهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَهُوَ مِنِّي بَرِيءٌ ، ثُمَّ جَلَسْنَا مَعَ الْقَوْمِ وَلَبِيدٌ يُنْشِدُهُمْ ، فَقَالَ لَبِيدٌ : أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلٌ ، فَقَالَ عُثْمَانُ : صَدَقْتَ ، ثُمَّ أَتَمَّ لَبِيدٌ الْبَيْتَ ، فَقَالَ : وَكُلُّ نَعِيمٍ لا مَحَالَةَ زَائِلُ ، فَقَالَ عُثْمَانُ : كَذَبْتَ ، فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ ، وَلَمْ يَدْرُوا مَا أَرَادَ بِكَلِمَتِهِ ، ثُمَّ أَعَادُوهَا الثَّانِيَةَ وَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ فَقَالَ عُثْمَانُ حِينَ أَعَادَهَا مِثْلَ كَلِمَتَيهِ الأُولَيَيْنِ صَدَّقَهُ مَرَّةً ، وَكَذَّبَهُ مَرَّةً ، وَإِذَا ذَكَرَ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلُ صَدَّقَهُ ، وَإِذَا ذَكَرَ : كُلُّ نُعَيْمٍ لا مَحَالَةَ زَائِلُ كَذَّبَهُ ، لأَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ لا يَزُولُ ، فَنَزَلَ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَلَطَمَ عَيْنَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاخْضَرَّتْ ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابُهُ : قَدْ كُنْتَ فِي ذِمَّةٍ مَانِعَةٍ مَمْنُوعَةٍ ، فَخَرَجْتَ مِنْهَا ، وَكُنْتَ عَنِ الَّذِي لَقِيتَ غَنِيًّا ، فَقَالَ عُثْمَانُ : بَلْ كُنْتُ إِلَى الَّذِي لَقِيتُ مِنْكُمْ فَقِيرًا ، وَعَيْنِي الَّتِي لَمْ تُلْطَمْ إِلَى مِثْلِ مَا لَقِيَتْ صَاحِبَتُهَا فَقِيرَةٌ ، وَلِيَ فِيمَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكُمْ أُسْوَةٌ ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ : إِنْ شِئْتَ أَجَرْتُكَ الثَّانِيَةَ ، فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ : لا أَرَبَ لِي فِي جِوَارِكَ ، وَخَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَهْطٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ ذَلِكَ فِرَارًا بِدِينِهِمْ أَنْ يُفْتَنُوا عَنْهُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَأَمَرُوهُمَا أَنْ يُسْرِعَا السَّيْرَ ، فَفَعَلا وَأَهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ فَرَسًا ، وَجُبَّةً دِيبَاجَ ، وَأَهْدَوْا لِعُظَمَاءَ الْحَبَشَةِ هَدَايَا ، فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ قَبِلَ هَدَايَاهُمْ ، وَأَجْلَسَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ ، فَقَالَ عَمْرُو : إِنَّ بِأَرْضِكَ رِجَالا مِنَّا سُفَهَاءَ لَيْسُوا عَلَى دِينِكُمْ وَلا عَلَى دِينِنَا ، فَادْفَعَهُمْ إِلَيْنَا ، فَقَالَتْ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ لِلنَّجَاشِيِّ : أَجَلْ فَادْفَعَهُمْ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ : لا وَاللَّهِ ، لا أَدْفَعُهُمْ إِلَيْهِمْ حَتَّى أُكَلِّمَهُمْ وَأَعْلَمَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُمْ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : هُمْ أَصْحَابُ الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ فِينَا ، وَسَنُخْبِرُكَ بِمَا نَعْرِفُ مِنْ سَفَهِهِمْ ، وَخِلافِهِمُ الْحَقَّ ، أَنَّهُمْ لا يَشْهَدُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ اللَّهِ ، وَلا يَسْجُدُونَ لَكَ إِذَا دَخَلُوا عَلَيْكَ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ أَتَاكَ فِي سُلْطَانِكَ ، فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ إِلَى جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ ، وَأَجْلَسَ النَّجَاشِيُّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى سَرِيرِهِ فَلَمْ يَسْجُدْ لَهُ جَعْفَرٌ وَلا أَصْحَابُهُ ، وَحَيَّوهُ بِالسَّلامِ ، فَقَالَ عَمْرٌو وَعُمَارَةُ : أَلَمْ نُخْبِرْكَ خَبَرَ الْقَوْمِ وَالَّذِي يُرَادُ بِكَ ؟ فَقَالَ النَّجَاشِيُّ : أَلا تُحَدِّثُونِي أَيُّهَا الرَّهْطُ ، مَا لَكُمْ لا تُحَيَّونِي كَمَا يُحَيِّينِي مَنْ أَتَانِي مِنْ قَوْمِكُمْ وَأَهْلِ بِلادِكُمْ وَآخَرُونَ ؟ وَأَخْبِرُونِي مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ؟ وَمَا دِينِكُمْ : أَنَصَارَى أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : لا ، قَالَ : أَفَيَهُودُ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : لا ، قَالَ : فَعَلَى دِينِ قَوْمِكُمْ ؟ قَالُوا : لا ، قَالَ : فَمَا دِينُكُمْ ؟ قَالُوا : الإِسْلامُ ، قَالَ : وَمَا الإِسْلامُ ؟ قَالُوا : نَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، قَالَ : مَنْ جَاءَكُمْ بِهَذَا ؟ قَالُوا : جَاءَنَا بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَنْفُسِنَا قَدْ عَرَفْنَا وَجْهَهُ وَنَسَبَهُ ، بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْنَا كَمَا بَعَثَ الرُّسُلَ إِلَى مَنْ قَبْلَنَا ، فَأَمَرَنَا بِالْبِرِّ وَالصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةَ ، وَنَهَانَا أَنْ نَعْبُدَ الأَوْثَانَ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لا نُشْرِكُ بِهِ ، فَصَدَّقْنَاهُ وَعَرَفْنَا كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَعَلَّمَنَا أَنَّ الَّذِيَ جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فَلَمَّا فَعَلْنَا ذَلِكَ عَادَانَا قَوْمُنَا وَعَادَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّادِقَ ، وَكَذَّبُوهُ ، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ ، وَأَرَادُونَا عَلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ ، فَفَرَرْنَا إِلَيْكَ بِدِينِنَا وَدِمَائِنَا مِنْ قَوْمِنَا ، وَلَوْ أَقَرُّونَا اسْتَقْرَرْنَا ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ : وَاللَّهِ إِنْ خَرَجَ هَذَا الأَمْرُ إِلا مِنَ الْمِشْكَاةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا أَمْرُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ، قَالَ جَعْفَرُ : وَأَمَّا التَّحِيَّةُ فَإِنَّ رَسُولَنَا أَخْبَرَنَا أَنَّ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ السَّلامُ ، وَأَمَرَنَا بِذَلِكَ ، فَحَيَّيْنَاكَ بِالَّذِي يُحَيِي بِهِ بَعْضُنَا بَعْضًا ، وَأَمَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَابْنُ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ ، فَخَفَّضَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الأَرْضِ ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ، وَقَالَ : وَاللَّهِ ، مَا زَادَ ابْنُ مَرْيَمَ عَلَى هَذَا وَزْنُ هَذَا الْعُودِ ، فَقَالَ عُظَمَاءُ الْحَبَشَةِ : وَاللَّهِ لَئِنْ سَمِعَتْ هَذَا الْحَبَشَةُ لَتَخْلَعَنَّكَ ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ : وَاللَّهِ لا أَقُولُ فِي عِيسَى غَيْرَ هَذَا أَبَدًا ، وَمَا أَطَاعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّاسَ فِيَّ حِينَ رَدَّ إِلَيَّ مُلْكِي ، فَأَنَا أُطِيعُ النَّاسَ فِي دِينِ اللَّهِ ؟ ! مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَانَ أَبُو النَّجَاشِيِّ مَلِكَ الْحَبَشَةِ ، فَمَاتَ ، وَالنَّجَاشِيُّ غُلامٌ صَغِيرٌ ، فَأَوْصَى إِلَى أَخِيهِ أَنْ إِلَيْكَ مُلْكُ قَوْمِي حَتَّى يَبْلُغَ ابْنِي ، فَإِذَا بَلَغَ فَلَهُ الْمُلْكُ ، فَرَغِبَ أَخُوهُ فِي الْمُلْكِ فَبَاعَ النَّجَاشِيَّ مِنْ بَعْضِ التُّجَّارِ ، فَقَالَ لِلْتَاجِرِ : دَعْهُ حَتَّى إِذَا أَرَدْتَ الْخُرُوجَ فَآذِنِّي ، فَأَدْفَعَهُ إِلَيْكَ ، فَآذَنَهُ التَّاجِرُ بِخُرُوجِهِ ، فَأَرْسَلَ بِالنَّجَاشِيِّ حَتَّى أَوْقَفَهُ عِنْدَ السَّفِينَةِ وَلا يَدْرِي النَّجَاشِيُّ مَا يُرَادُ بِهِ ، فَأَخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّهُ الَّذِي بَاعَهُ صَعْقًا فَمَاتَ ، فَجَاءَتِ الْحَبَشَةُ بِالتَّاجِ فَجَعَلُوهُ عَلَى رَأْسِ النَّجَاشِيِّ ، وَمَلَّكُوهُ ، فَلِذَلِكَ قَالَ النَّجَاشِيُّ : وَاللَّهِ مَا أَطَاعَ اللَّهُ النَّاسَ فِي حِينَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ مُلْكِي ، وَزَعَمُوا أَنَّ التَّاجِرَ الَّذِي كَانَ ابْتَاعَهُ ، قَالَ : مَا لِي بُدٌّ مِنْ غُلامِي الَّذِي ابْتَعْتُ أَوْ مَالِي ، قَالَ النَّجَاشِيُّ : صَدَقْتَ ، فَادْفَعُوا إِلَيْهِ مَالَهُ ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ حِينَ كَلَّمَهُ جَعْفَرٌ بِمَا كَلَّمَهُ وَحِينَ أَبَى أَنْ يَدْفَعَهُمْ إِلَى عَمْرٍو : أَرْجِعُوا إِلَى هَذَا هَدِيَّتَهُ يُرِيدُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ، وَاللَّهِ لَوْ رَشَوْنِي فِي هَذَا دَبْرَ ذَهَبٍ ، وَالدَّبْرُ فِي لِسَانِ الْحَبَشَةِ الْجَبَلُ ، مَا قَبِلْتُهُ ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ : امْكُثُوا فَإِنَّكُمْ سُيُومٌ ، وَالسُّيُومُ الآمِنُونَ ، قَدْ مَنَعَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَمَرَ لَهُمْ بِمَا يُصْلِحَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ ، وَقَالَ : مَنْ نَظَرَ إِلَى هَؤُلاءِ الرَّهْطِ نَظْرَةً تُؤْذِيهِمْ فَقَدْ رَغِمَ ، أَيْ فَقَدْ عَصَانِي ، وَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَلْقَى الْعَدَاوَةَ بَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُمَارَةَ فِي مَسِيرِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَا إِلَى النَّجَاشِيِّ ، ثُمَّ اصْطَلَحَا حِينَ قَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ لِيُدْرِكَا حَاجَتَهُمَا الَّتِي خَرَجَا إِلَيْهَا مِنْ طَلَبِ الْمُسْلِمِينَ ، فَلَمَّا أَخْطَأَهُمَا ذَلِكَ رَجَعَا إِلَى أَشَدِّ مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَسُوءِ ذَاتِ الْبَيِّنِ ، فَمَكَرَ عَمْرٌو بِعُمَارَةَ ، فَقَالَ : يَا عُمَارَةُ ، إِنَّكَ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَاذْهَبْ إِلَى امْرَأَةِ النَّجَاشِيِّ ، فَتَحَدَّثَ عِنْدَهَا إِذَا خَرَجَ زَوْجُهَا ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ عَوْنٌ لَنَا فِي حَاجَتِنَا ، فَرَاسَلَهَا عُمَارَةُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا انْطَلَقَ عَمْرٌو إِلَى النَّجَاشِيِّ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّ صَاحِبِي هَذَا صَاحِبُ نِسَاءٍ ، وَإِنَّهُ يُرِيدُ أَهْلَكَ فَاعْلَمْ عِلْمَ ذَلِكَ ، فَبَعَثَ النَّجَاشِيُّ ، فَإِذَا عُمَارَةُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ ، فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِخَ فِي إِحْلِيلِهِ ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي جَزِيرَةٍ مِنَ الْبَحْرِ ، فَجُنَّ وَاسْتَوحَشَ مَعَ الْوَحْشِ ، وَرَجَعَ عَمْرٌو إِلَى مَكَّةَ قَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ صَاحِبَهُ وَخَيَّبَ مَسِيرَهُ وَمَنْعَهُ حَاجَتَهُ " . وَقَدْ رُوِّينَا قِصَّةَ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فِي أُمْنِيَّتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ قِصَّةَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَمَاعًا مِنْهُ عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الأَصَمَّ حَدَّثَهُمْ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ الْقِصَّتَيْنِ ، بِمَعْنَى مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، وَأَمَّا قِصَّةُ الْهِجْرَةِ فَهِيَ مَرْوِيَّةٌ فِي أَحَادِيثٍ مَوْصُولَةٌ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
مُوسَى | موسى بن عقبة القرشي / توفي في :141 | ثقة فقيه إمام في المغازي |
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ | إسماعيل بن إبراهيم القرشي | ثقة |
ابْنِ إِسْحَاقَ | ابن إسحاق القرشي / توفي في :150 | صدوق مدلس |
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ | إسماعيل بن أبي أويس الأصبحي | صدوق يخطئ |
يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ | يونس بن بكير الشيباني / توفي في :199 | صدوق حسن الحديث |
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ | أحمد بن عبد الجبار العطاردي | ضعيف الحديث |
الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ | القاسم بن عبد الله الجوهري / توفي في :275 | ثقة مأمون |
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ | محمد بن عبد الله العبدي / ولد في :266 / توفي في :344 | ثقة |
أَبَا الْعَبَّاسِ الأَصَمَّ | محمد بن يعقوب الأموي / ولد في :247 / توفي في :346 | ثقة حافظ |
أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ | محمد بن الحسين المتوثي / ولد في :335 / توفي في :415 | ثقة |
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ | الحاكم النيسابوري / ولد في :321 / توفي في :405 | ثقة حافظ |