باب غزوة بئر معونة


تفسير

رقم الحديث : 1320

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا جَدِّي ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ , قَالَ : خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ وَقُرَيْشٌ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ ، مَعَهُمْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَاسْتَمَدُّوا عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ، فَأَقْبَلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ غَطَفَانَ ، وَبَنُو أَبِي الْحُقَيْقِ كِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ , سَعَى فِي غَطَفَانَ وَحَضَّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ عَلَى أَنَّ لَهُمْ نِصْفَ ثَمَرِ خَيْبَرَ ، فَزَعَمُوا أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَوْفٍ أَخَا بَنِي مُرَّةَ , قَالَ لِعُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ وَغَطَفَانَ : يَا قَوْمِ أَطِيعُونِي وَدَعُوا قِتَالَ هَذَا الرَّجُلِ ، وَخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ مِنَ الْعَرَبِ ، فَغَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ وَقَطَعَ أَعْنَاقَهُمُ الطَّمَعُ ، فَانْقَادُوا لأَمْرِ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَتَبُوا إِلَى حُلَفَائِهِمْ مِنْ أَسَدٍ ، فَأَقْبَلَ طُلَيْحَةُ فِيمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَهُمَا حَلِيفَانِ : أَسَدٌ وَغَطَفَانُ ، وَكَتَبَتْ قُرَيْشٌ إِلَى رِجَالٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَشْرَافٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ ، فَأَقْبَلَ أَبُو الأَعْوَرِ فِيمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ مَدَدًا لِقُرَيْشٍ ، فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي آخِرِ السَّنَتَيْنِ فِيمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، وَأَبُو الأَعْوَرِ فِيمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ فِي جَمَعٍ عَظِيمٍ ، فَهُمُ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ الأَحْزَابَ , فَلَمَّا بَلَغَ خُرُوجُهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ ، وَخَرَجَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي الْعَمَلِ مَعَهُمْ ، فَعَمِلُوا مُسْتَعْجِلِينَ يُبَادِرُونَ قُدُومَ الْعَدُوِّ ، وَرَأَى الْمُسْلِمُونَ إِنَّمَا بَطَشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ فِي الْعَمَلِ لِيَكُونَ أَجَدَّ لَهُمْ وَأَقْوَى لَهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَضْحَكُ مِنْ صَاحِبِهِ إِذَا رَأَى مِنْهُ فَتْرَةً ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا يَغْضَبِ الْيَوْمَ أَحَدٌ مِنْ شَيْءٍ ارْتُجِزَ بِهِ مَا لَمْ يَقُلْ قَوْلَ كَعْبٍ أَوْ حَسَّانَ ، فَإِنَّهُمَا يَجِدَانِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلا كَثِيرًا " ، وَنَهَاهُمَا أَنْ يَقُولا شَيْئًا يُحْفِظَانِ بِهِ أَحَدًا ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ عَرَضَ لَهُمْ حَجَرٌ فِي مَحْفَرِهِمْ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِعْوَلا مِنْ أَحَدِهِمْ فَضَرَبَهُ بِهِ ثَلاثًا ، فَكُسِرَ الْحَجَرُ فِي الثَّالِثَةِ ، فَزَعَمُوا أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ أَبْصَرَ عِنْدَ كُلِّ ضَرْبَةٍ بُرْقَةً ذَهَبَتْ فِي ثَلاثِ وُجُوهٍ ، كُلَّ مَرَّةٍ يُتْبِعُهَا سَلْمَانُ بَصَرَهُ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ سَلْمَانُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : رَأَيْتُ كَهَيْئَةِ الْبَرْقِ ، أَوْ مَوْجِ الْمَاءِ ، عَنْ ضَرْبَةٍ ضَرَبْتَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ , ذَهَبَتْ إِحْدَاهُنَّ نَحْو الْمَشْرِقِ ، وَالأُخْرَى نَحْوَ الشَّامِ ، وَالأُخْرَى نَحْوَ الْيَمَنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَقَدْ رَأَيْتَ ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ ؟ " قَالَ : نَعَمْ ، قَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِنَّهُ أُبِيضَ لِي فِي إِحْدَاهِنَّ مَدَائِنُ كِسْرَى وَمَدَائِنُ مِنْ تِلْكَ الْبِلادِ ، وَفِي الأُخْرَى مَدِينَةُ الرُّومِ وَالشَّامِ ، وَفِي الأُخْرَى مَدِينَةُ الْيَمَنِ وَقُصُورُهَا ، وَالَّذِي رَأَيْتَ النَّصْرُ يَبْلُغُهُنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " ، وَكَانَ سَلْمَانُ يَذْكُرُ ذَلِكَ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : وَكَانَ سَلْمَانُ رَجُلا قَوِيًّا ، فَلَمَّا وَكَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُلِّ جَانِبٍ مِنَ الْخَنْدَقِ ، قَالَ الْمُهَاجِرُونَ : يَا سَلْمَانُ ، احْفُرْ مَعَنَا ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ : لا أَحَدَ أَحَقُّ بِهِ مِنَّا ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّمَا سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ " , وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ : لَمَّا قَتَلَ الأَسْوَدَ الْعَنْسِيَّ كَذَّابَ صَنْعَاءَ فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ ، وَقَدِمَ قَادِمُهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَسْلَمُوا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ نَحْنُ ؟ قَالَ : " أَنْتُمْ إِلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَمِنَّا " , فَلَمَّا قَضَوْا حَفْرَ خَنْدَقِهِمْ ، وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ ، وَهُوَ عَامُ الأَحْزَابِ وَعَامُ الْخَنْدَقِ ، أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أَهْلِ الضَّلالَةِ ، فَنَزَلُوا بِأَعْلَى وَادِي قَنَاةَ مِنْ تِلْقَاءِ الْغَابَةِ ، وَغَلَّقَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ حِصْنَهُمْ ، وَتَأَشَّمُوا بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ , وَقَالُوا : لا تَكُونُوا مِنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ فِي شَيْءٍ ، فَإِنَّكُمْ لا تَدْرُونَ لِمَنْ تَكُونُ الدَّبْرَةُ ، وَقَدْ أَهْلَكَ حُيَيُّ قَوْمَهُ فَاحْذَرُوهُ ، وَأَقْبَلَ حُيَيُّ حَتَّى أَتَى بَابَ حِصْنِهِمْ ، وَهُوَ مُغْلَقٌ عَلَيْهِمْ ، وَسَيِّدُ الْيَهُودِ يَوْمَئِذٍ كَعْبُ بْنُ أُسَيْدٍ ، فَقَالَ حُيَيُّ : أَثَمَّ كَعْبٌ ؟ قَالَتِ امْرَأَتُهُ : لَيْسَ هَا هُنَا ، خَرَجَ لِبَعْضِ حَاجَاتِهِ ، فَقَالَ حُيَيُّ : بَلْ هُوَ عِنْدَكِ ، مَكَثَ عَلَى جَشِيشَتِهِ يَأْكُلُ مِنْهَا ، فَكَرِهَ أَنْ أُصِيبَ مَعَهُ مِنَ الْعَشَاءِ ، فَقَالَ كَعْبٌ : ائْذَنُوا لَهُ فَإِنَّهُ مَسْئُومٌ ، وَاللَّهِ مَا طُرِفْنَا بِخَيْرٍ ، فَدَخَلَ حُيَيٌّ , فَقَالَ : إِنِّي جِئْتُكَ وَاللَّهِ بِعِزِّ الدَّهْرِ إِنْ لَمْ تَتْرُكْهُ عَلَيَّ ، أَتَيْتُكَ بِقُرَيْشٍ وَسَادَتِهَا وَقَادَتِهَا ، وَسُقْتُ إِلَيْكَ الْحَلِيفَيْنِ : أَسَدٌ وَغَطَفَانُ ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ : إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا جِئْتَ بِهِ كَمَثَلِ سَحَابَةٍ أَفْرَغَتْ مَا فِيهَا ثُمَّ انْطَلَقَتْ ، وَيْحَكَ يَا حُيَيُّ ، دَعْنَا عَلَى عَهْدِنَا لِهَذَا الرَّجُلِ ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَجُلا أَصْدَقَ وَلا أَوْفَى مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ، وَاللَّهِ مَا أَكْرَهَنَا عَلَى دِينٍ ، وَلا غَصَبَنَا مَالا ، وَلا نَنْقِمُ مِنْ مُحَمَّدٍ وَعَمَلِكَ شَيْئًا ، وَأَنْتَ تَدْعُو إِلَى الْهَلَكَةِ ، فَنُذَكِّرُكَ اللَّهَ إِلا مَا أَعْفَيْتَنَا مِنْ نَفْسِكَ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ وَلا يَخْتَبِزُهَا مُحَمَّدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلا نَفْتَرِقُ نَحْنُ وَهَذِهِ الْجُمُوعُ حَتَّى نَهْلَكَ ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ الْقُرَظِيُّ : يَا مَعْشَرَ يَهُودَ ، إِنَّكُمْ قَدْ حَالَفْتُمْ مُحَمَّدًا عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتُمْ : أَنْ لا تَخُونُوهُ ، وَلا تَنْصُرُوا عَلَيْهِ عَدُوًّا ، وَأَنْ تَنْصُرُوهُ عَلَى مَنْ دَهَمَ يَثْرِبَ ، فَأَوْفُوا عَلَى مَا عَاهَدْتُمُوهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ وَاعْتَزِلُوهُمْ ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حُيَيُّ حَتَّى شَامَهُمْ فَاجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ فِي الْغَدِ عَلَى أَمْرِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، غَيْرَ أَنَّ بَنِيَ شَعْيَةَ أَسَدًا وَأُسَيْدًا وَثَعْلَبَةَ خَرَجُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، زَعَمُوا : وَقَالَتِ الْيَهُودُ : يَا حُيَيُّ ، انْطَلِقْ إِلَى أَصْحَابِكَ ، فَإِنَّا لا نَأْمَنُهُمْ ، فَإِنْ أَعْطَوْنَا مِنْ أَشْرَافِهِمْ مِنْ كُلِّ مَنْ جَاءَ مَعَهُمْ رَهْنًا ، فَكَانُوا عِنْدَنَا ، فَإِذَا نَهَضُوا لِقِتَالِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ خَرَجْنَا نَحْنُ فَرَكِبْنَا أَكْتَافَهُمْ ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَاشْدُدِ الْعَقْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ، فَذَهَبَ حُيَيٌّ إِلَى قُرَيْشٍ فَعَاقَدُوهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِ السَّبْعِينَ وَمَزَّقُوا صَحِيفَةَ الْقَضِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ ، وَنَبَذُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَرْبِ وَتَحَصَّنُوا ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ ، وَقَدْ جَعَلَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فِي مِثْلِ الْحِصْنِ بَيْنَ كَتَائِبِهِمْ ، فَحَاصَرُوُهُمْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً ، وَأَخَذُوا بِكُلِّ نَاحِيَةٍ حَتَّى مَا يَدْرِي الرَّجُلُ أَتَمَّ صَلاتَهُ أَمْ لا ، وَوَجَّهُوا نَحْوَ مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتِيبَةً غَلِيظَةً يُقَاتِلُونَهُمْ يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلاةُ صَلاةُ الْعَصْرِ دَنَتِ الْكَتِيبَةُ ، فَلَمْ يَقْدِرِ النَّبِيُّ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَنْ يُصَلُّوا الصَّلاةَ عَلَى نَحْوِ مَا أَرَادُوا فَانْكَفَأَتِ الْكَتِيبَةُ مَعَ اللَّيْلِ ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " شَغَلُونَا عَنْ صَلاةِ الْعَصْرِ ، مَلأَ اللَّهُ بُطُونَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا " , وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ : " بُطُونَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا " ، فَلَمَّا اشْتَدَّ الْبَلاءُ عَلَى النَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ نَافَقَ نَاسٌ كَثِيرٌ وَتَكَلَّمُوا بِكَلامٍ قَبِيحٍ ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِيهِ النَّاسُ مِنَ الْبَلاءِ وَالْكَرْبِ ، جَعَلَ يُبَشِّرُهُمْ وَيَقُولُ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَيُفْرَجَنَّ عَنْكُمْ مَا تَرَوْنَ مِنَ الشِّدَّةِ ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ آمِنًا ، وَأَنْ يَدْفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيَّ مَفَاتِيحَ الْكَعْبَةِ ، وَلَيُهْلِكَنَّ اللَّهُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ، وِلَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " , وَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ مَعَهُ لأَصْحَابِهِ : أَلا تَعْجَبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ ؟ يَعِدُنَا أَنْ نطُوفَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ، وَأَنْ نَقْسِمَ كُنُوزَ فَارِسَ وَالرُّومِ ، وَنَحْنُ هَا هُنَا لا يَأْمَنُ أَحَدُنَا أَنْ يَذْهَبَ الْغَائِطَ ، وَاللَّهِ لَمَا يَعِدُنَا إِلا غُرُورًا , وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ مَعَهُ : ائْذَنْ لَنَا فَإِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ , وَقَالَ آخَرُونَ : يَا أَهْلَ يَثْرِبَ ، لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا , وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ أَخَا بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ ، وَخَوَّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لِيُكَلِّمُوهُمْ وَيُنَاشِدُوهُمْ فِي حِلْفِهِمْ ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا بَابَ حِصْنِ بَنِي قُرَيْظَةَ اسْتَفْتَحُوا ، فَفُتِحَ لَهُمْ ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى الْمُوَادَعَةِ وَتَجْدِيدِ الْحِلْفِ , فَقَالُوا : الآنَ وَقَدْ كَسَرُوا جَنَاحَنَا ، يُرِيدُونَ بِجَنَاحِهِمُ الْمَكْسُورَةِ بَنِي النَّضِيرِ ، ثُمَّ أَخْرَجُوهُمْ وَشَتَمُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَتْمًا ، فَجَعَلَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يُشَاتِمُهُمْ ، فَأَغْضَبَهُمْ ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ , لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : إِنَّا وَاللَّهِ مَا جِئْنَا لِهَذَا ، وَلَمَا بَيْنَنَا أَكْثَرُ مِنَ الْمُشَاتَمَةِ ، ثُمَّ نَادَاهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ , فَقَالَ : إِنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ يَا بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَأَنَا خَائِفٌ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ بَنِي النَّضِيرِ ، أَوْ أَمَرَّ مِنْهُ ، فَقَالُوا : أَكَلْتَ أَيْرَ أَبِيكَ ، فَقَالَ : غَيْرُ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ كَانَ أَجْمَلَ وَأَحْسَنَ مِنْهُ ، فَرَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَئِسُوا مِمَّا عِنْدَهُمْ ، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وجُوهِهِمُ الْكَرَاهِيَةَ لِمَا جَاءُوا بِهِ ، فَقَالَ : " مَا وَرَاءَكُمْ ؟ " فَقَالُوا : أَتَيْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخَابِثِ خَلْقِ اللَّهِ وَأَعْدَاهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي قَالُوا ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتْمَانِ خَبَرِهِمْ , وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ ، وَهُمْ فِي بَلاءٍ شَدِيدٍ يَخَافُونَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ، فَقَالُوا حِينَ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلا : مَا وَرَاءَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " خَيْرٌ فَأَبْشِرُوا " ، ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ فَاضْطَجَعَ وَمَكَثَ طَوِيلا ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلاءُ وَالْخَوْفُ حِينَ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اضْطَجَعَ ، وَعَرَفُوا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ خَيْرٌ ، ثُمَّ إِنَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ , فَقَالَ : " أَبْشِرُوا بِفَتْحِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ " ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا دَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَكَانَ بَيْنَهُمْ رَمْيُ النَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ , قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ ، اللَّهُمَّ إِنْ تَشَأْ لا تُعْبَدُ " , وَأَقْبَلَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ ، وَهُوَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ لِيُقْحِمَهُ الْخَنْدَقَ ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ وَكَبَتَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ ، وَعَظُمَ فِي صُدُورِهِمْ ، وَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا نُعْطِيكُمُ الدِّيَةَ عَلَى أَنْ تَدْفَعُوهُ إِلَيْنَا فَنَدْفِنَهُ ، فَرَدَّ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ خَبِيثٌ خَبِيثُ الدِّيَةِ ، فَلَعَنَهُ اللَّهُ وَلَعَنَ دِيَتَهُ ، فَلا أَرَبَ لَنَا بِدِيَتِهِ ، وَلَسْنَا مَانِعِيكُمْ أَنْ تَدْفِنُوهُ " ، وَرُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَمْيَةً فَقَطَعَتْ مِنْهُ الأَكْحَلِ مِنْ عَضُدِهِ ، وَرَمَاهُ , زَعَمُوا حَيَّانُ بْنُ قَيْسٍ أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي الْعَرِقَةِ ، وَيَقُولُ آخَرُونَ : أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيُّ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ , وَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : رَبِّ اشْفِنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَبْلَ الْمَمَاتِ ، فَرَقَأَ الْكَلْمُ بَعْدَ مَا كَانَ قَدِ انْفَجَرَ ، وَصَبَرَ أَهْلُ الإِيمَانِ عَلَى مَا رَأَوْا مِنْ كَثْرَةِ الأَحْزَابِ وَشِدَّةِ أَمْرِهِمْ ، وَزَادَهُمْ يَقِينًا لِمَوْعِدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الَّذِي وَعَدَهُمْ ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ أَنْ قَدْ طَالَ ثَوَاؤُنَا هَا هُنَا ، وَأَجْدَبَ مَنْ حَوْلَنَا ، فَمَا نَجِدُ رَعْيًا لِلظَّهْرِ ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَيَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ ، فَمَاذَا تَرَوْنَ ؟ وَبَعَثَتْ بِذَلِكَ غَطَفَانُ ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ أَنْ نَعَمْ مَا رَأَيْتُمْ ، فَإِذَا شِئْتُمْ فَانْهَضُوا ، فَإِنَّا لا نَحْبِسُكُمْ إِذَا بَعَثْتُمْ بِالرَّهْنِ إِلَيْنَا , وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ : نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ ، يُذِيعُ الأَحَادِيثَ ، وَقَدْ سَمِعَ الَّذِي أَرْسَلَتْ بِهِ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَالَّذِي رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إِلَيْهِ وَذَلِكَ عِشَاءً ، فَأَقْبَلَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَّةً لَهُ تُرْكِيَّةً ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا وَرَاءَكَ ؟ " قَالَ : إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا لَكَ طَاقَةٌ بِالْقَوْمِ وَقَدْ تَحَزَّبُوا عَلَيْكَ وَهُمْ مُعَالِجُوكَ قَدْ بَعَثُوا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ أَنَّهُ قَدْ طَالَ ثَوَاؤُنَا ، وَأَجْدَبَ مَا حَوْلَنَا ، وَقَدْ أَحْبَبْنَا أَنْ نُعَاجِلَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فَنَسْتَرِيحَ مِنْهُمْ ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ بَنُو قُرَيْظَةَ أَنْ نِعْمَ مَا رَأَيْتُمْ ، فَإِذَا شِئْتُمْ فَابْعَثُوا بِالرَّهْنِ ثُمَّ لا يَحْبِسُكُمْ إِلا أَنْفُسُكُمْ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي مُسِرٌّ إِلَيْكَ شَيْئًا فَلا تَذْكُرْهُ " ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : إِنَّهُمْ قَدْ أَرْسَلُوا إِلَيَّ يَدْعُونَنِي إِلَى الصُّلْحِ وَأَرُدُّ بَنِي النَّضِيرِ إِلَى دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ " , فَخَرَجَ نُعَيْمٌ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَطَفَانَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَصْنَعَ لَنَا " ، فَأَتَى نُعَيْمٌ غَطَفَانَ , فَقَالَ : إِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ ، وَإِنِّي قَدِ اطَّلَعْتُ عَلَى غَدْرِ يَهُودَ ، تَعْلَمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ ، وَإِنِّي سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ , أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ صَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ إِخْوَانَهُمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ إِلَى دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَيَدْفَعُونَ إِلَيْهِ الرَّهْنَ ، ثُمَّ خَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيُّ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَقُرَيْشًا , فَقَالَ : اعْلَمُوا أَنِّي قَدِ اطَّلَعْتُ عَلَى غَدْرِ يَهُودَ ، إِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يُحَدِّثُ , أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ صَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ إِخْوَانَهُمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ إِلَى دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِ الرَّهْنَ ، وَيُقَاتِلُونَ مَعَهُ ، وَيُعِيدُونَ الْكِتَابَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ , فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى أَشْرَافِ قُرَيْشٍ , فَقَالَ : أَشِيرُوا عَلَيَّ ، وَقَدْ مَلُّوا مُقَامَهُمْ ، وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِمُ الْبِلادُ ، فَقَالُوا : نَرَى أَنْ نَرْجِعَ وَلا نُقِيمَ ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ عَلَى مَا حَدَّثَكَ نُعَيْمٌ ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ ، وَإِنَّ الْقَوْمَ لَغُدُرٌ , وَقَالَتِ الرَّهْنُ حِينَ سَمِعُوا الْحَدِيثَ : وَاللَّهِ لا نَأْمَنُهُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا ، وَلا نَدْخُلُ حِصْنَهُمْ أَبَدًا , وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : لَنْ نَعْجَلَ حَتَّى نُرْسِلَ إِلَيْهِمْ فَنَتَبَيَّنَ مَا عِنْدَهُمْ , فَبَعَثَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَيْهِمْ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ ، وَفَوَارِسَ ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ السَّبْتِ ، فَأَتَوْهُمْ فَكَلَّمُوهُمْ , فَقَالُوا : إِنَّا مُقَاتِلُونَ غَدًا فَاخْرُجُوا إِلَيْنَا ، قَالُوا : إِنَّ غَدًا السَّبْتُ ، وَإِنَّا لا نُقَاتِلُ فِيهِ أَبَدًا ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ : إِنَّا لا نَسْتَطِيعُ الإِقَامَةَ ، هَلَكَ الظَّهْرُ وَالْكُرَاعُ ، وَلا نَجِدُ رَعْيًا ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ : إِنَّا لا نَعْمَلُ يَوْمَ السَّبْتِ عَمَلا بِالْقِتَالِ ، وَلَكِنِ امْكُثُوا إِلَى يَوْمِ الأَحَدِ ، وَابْعَثُوا إِلَيْنَا بِالرَّهْنِ ، فَرَجَعَ عِكْرِمَةُ وَقَدْ يَئِسَ مِنْ نَصْرِهِمْ , وَاشْتَدَّ الْبَلاءُ وَالْحَصْرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَشَغَلَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ فَلا يَسْتَرِيحُونَ لَيْلا وَلا نَهَارًا ، وَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْعَثَ رَجُلا فَيَخْرُجَ مِنَ الْخَنْدَقِ فَيَعْلَمَ مَا خَبَرُ الْقَوْمِ ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِهِ , فَقَالَ : " هَلْ أَنْتَ مُطَّلِعٌ الْقَوْمَ ؟ " , فَاعْتَلَّ فَتَرَكَهُ ، وَأَتَى آخَرَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ يَسْمَعُ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ صَامِتٌ لا يَتَكَلَّمُ مِمَّا بِهِ مِنَ الضُّرِّ وَالْبَلاءِ ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لا يَدْرِي مَنْ هُوَ فَقَالَ : " مَنْ هَذَا ؟ " , قَالَ : أَنَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ، قَالَ : " إِيَّاكَ أُرِيدُ أَسَمِعْتَ حَدِيثِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ وَمَسْأَلَتِي الرِّجَالَ لأَبْعَثَهُمْ فَيَتَخَبَّرُونَ لَنَا خَبَرَ الْقَوْمِ ؟ " , قَالَ حُذَيْفَةُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَبِأُذُنَيَّ ، قَالَ : " فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُومَ حِينَ سَمِعْتَ كَلامِي ؟ " , قَالَ : الضُّرُّ وَالْجُوعُ ، فَلَمَّا ذَكَرَ الْجُوعَ ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " قُمْ حَفِظَكَ اللَّهُ مِنْ أَمَامِكَ ، وَمِنْ خَلْفِكَ ، وَمِنْ فَوْقِكَ ، وَمِنْ تَحْتِكَ ، وَعَنْ يَمِينِكَ ، وَعَنْ شِمَالِكَ ، حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيْنَا " ، فَقَامَ حُذَيْفَةُ مُسْتَبْشِرًا بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَأَنَّهُ احْتُمِلَ احْتِمَالا ، فَمَا شَقَّ مِنْ جُوعٍ ، وَلا خَوْفٍ ، وَلا دَرَى شَيْئًا مِمَّا أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْبَلاءِ ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَجَازَ الْخَنْدَقَ مِنْ أَعْلاهُ ، فَجَلَسَ بَيْنَ ظَهْرَيِ الْمُشْرِكِينَ ، فَوَجَدَ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ أَمَرَهُمْ أَنْ يُوقِدُوا النِّيرَانَ , قَالَ : لِيَعْلَمَ كُلُّ امْرِئٍ مَنْ جَلِيسُهُ ، فَقَبَضَ حُذَيْفَةُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ عَنْ يَمِينِهِ , فَقَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا فُلانٌ ، وَقَبَضَ يَدَ رَجُلٍ عَنْ يَسَارِهِ , قَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا فُلانٌ ، وَبَدَرَهُمْ بِالْمَسْأَلَةِ خَشْيَةَ أَنْ يَفْطِنُوا لَهُ , ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَذِنَ بِالرَّحِيلِ ، فَارْتَحَلُوا وَحَمَلُوا الأَثْقَالَ فَانْطَلَقَتْ ، وَوَقَفَتِ الْخَيْلُ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ ، وَسَمِعَتْ غَطَفَانُ الصِّيَاحَ وَالإِرْصَاءَ مِنْ قِبَلِ قُرَيْشٍ ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِمْ ، فَأَتَاهُمُ الْخَبَرُ بِرَحِيلِهِمْ ، فَانْقَشَعُوا لا يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ ، وَقَدْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ رَحِيلِهِمْ قَدْ بَعَثَ عَلَيْهِمْ بِالرِّيحِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ، حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ لَهُمْ بَيْتًا يَقُومُ ، وَلا رُمْحًا ، حَتَّى مَا كَانَ فِي الأَرْضِ مَنْزِلٌ أَشَدَّ عَلَيْهِمْ وَلا أَكْرَهَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ ذَلِكَ ، فَأَقْشَعُوا وَالرِّيحُ أَشَدُّ مَا كَانَتْ ، مَعَهَا جُنُودُ اللَّهِ لا تُرَى كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَرَجَعَ حُذَيْفَةُ بِبَيَانِ خَبَرِ الْقَوْمِ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَصْحَابُهُ فَقَتَلُوا كَعْبَ بْنَ الأَشْرَفِ ، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا يُصَلِّي حَتَّى فَرَغُوا مِنْهُ وَسَمِعَ التَّكْبِيرَ ، وَلَمَّا دَنَا حُذَيْفَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَدْنُوَ حَتَّى أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِرِجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَثَنَا ثَوْبَهُ حَتَّى دَفِئَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْقَوْمِ ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ ، وَأَقَرَّ أعَيْنَهُمْ ، فَرَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ شَدِيدًا بَلاؤُهُمْ مِمَّا لَقُوا مِنْ مُحَاصَرَةِ الْعَدُوِّ ، وَكَانُوا حَاصَرُوهُمْ فِي شِتَاءٍ شَدِيدٍ ، فَرَجَعُوا مَجْهُودِينَ فَوَضَعُوا السِّلاحَ " , وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُلاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِمَعْنَى مَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ , وَلِمَا ذَكَرَا فِي مَغَازِيهِمَا مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ شَوَاهِدُ فِي الأَحَادِيثِ الْمَوْصُولَةِ ، وَفِي مَغَازِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ ، وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى مُفَرَّقَهً فِي أَبْوَابٍ .

الرواه :

الأسم الرتبة
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ

ثقة فقيه إمام في المغازي

إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ

ثقة

ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ

صدوق يخطئ

الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ

ثقة مأمون

أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ

ثقة

أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ

ثقة

عُرْوَةَ

ثقة فقيه مشهور

ابْنِ شِهَابٍ

الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه

أَبُو الأَسْوَدِ

ثقة

مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ

ثقة فقيه إمام في المغازي

ابْنُ لَهِيعَةَ

ضعيف الحديث

مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ

صدوق يهم

إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ

صدوق حسن الحديث

أَبِي

ثقة

جَدِّي

صدوق شيعي

أَبُو عُلاثَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ

مجهول الحال

إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ

صدوق حسن الحديث

أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ

ثقة ثبت

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ

ثقة حافظ

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ

ثقة حافظ

Whoops, looks like something went wrong.