قَالَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَحَدَّثَنِي مِثْلَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنَا أَوَّلُ مَا رَأَى ، أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرَاهُ رُؤْيَا فِي الْمَنَامِ ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، فَذَكَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لامْرَأَتِهِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ فَعَصَمَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ التَّكْذِيبِ ، وَشَرَحَ صَدْرَهَا بِالتَّصْدِيقِ ، فَقَالَتْ : أَبْشِرْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَنْ يَصْنَعُ بِكَ إِلا خَيْرًا ، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا ، فَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ رَأَى بَطْنَهُ شُقَّ ، ثُمَّ طُهِّرَ وَغُسِّلَ ، ثُمَّ أُعِيدَ كَمَا كَانَ ، قَالَتْ : هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ فَأَبْشِرْ ، ثُمَّ اسْتَعْلَنَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ فَأَجْلَسَهُ عَلَى مَجْلِسٍ كَرِيمٍ مُعْجَبٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أَجْلَسَنِي عَلَى بِسَاطٍ كَهَيْئَةِ الدَّرْنُوكِ فِيهِ الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ ، فَبَشَّرَهُ بِرِسَالَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى اطْمَأَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ : اقْرَأْ ، فَقَالَ : كَيْفَ أَقْرَأُ ؟ قَالَ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ { 1 } خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ { 2 } اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ { 3 } الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ { 4 } عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ { 5 } سورة العلق آية 1-5 ، وَيَزْعُمُ نَاسٌ أَنَّ : يَأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ سورة المدثر آية 1 أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : وَكَانَتْ خَدِيجَةُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاةُ ، قَالَ : فَقَبِلَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِسَالَةَ رَبِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاتَّبَعَ الَّذِي جَاءَهُ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلَمَّا قَبِلَ الَّذِي جَاءَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَانْصَرَفَ مُنْقَلِبًا إِلَى بَيْتِهِ جَعَلَ لا يَمُرُّ عَلَى شَجَرَةٍ وَلا صَخْرٍ إِلا سَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَرَجَعَ مَسْرُورًا إِلَى أَهْلِهِ مُوقِنًا قَدْ رَأَى أَمْرًا عَظِيمًا ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ ، قَالَ : أَرَأَيْتُكِ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكِ أَنِّي رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ ، فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ اسْتَعْلَنَ لِي ، أَرْسَلَهُ إِلَيَّ رَبِّي ، فَأَخْبَرَهَا بِالَّذِي جَاءَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا سَمِعَ مِنْهُ ، فَقَالَتْ : أَبْشِرْ ، فَوَاللَّهِ لا يَفْعَلُ اللَّهُ بِكَ إِلا خَيْرًا ، فَاقْبَلِ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ حَقٌّ ، وَأَبْشِرْ فَإِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ مَكَانَهَا حَتَّى أَتَتْ غُلامًا لِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ نَصْرَانِيًّا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى يُقَالُ لَهُ عَدَّاسٌ ، فَقَالَتْ : لَهُ يَا عَدَّاسٌ أُذَكِّرُكَ بِاللَّهِ إِلا مَا أَخْبَرْتَنِي هَلْ عِنْدَكَ عَلِمٌ مِنْ جِبْرِيلَ ، فَقَالَ عَدَّاسٌ : قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ ، مَا شَأْنُ جِبْرِيلَ يُذْكَرُ بِهَذِهِ الأَرْضِ الَّتِي أَهْلُهَا أَهْلُ الأَوْثَانِ ! ، فَقَالَتْ : أَخْبِرْنِي بِعِلْمِكِ فِيهِ ، قَالَ : فَإِنَّهُ أَمِينُ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّينَ وَهُوَ صَاحِبُ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ ، فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ مِنْ عِنْدِهِ ، فَجَاءَتْ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ ، وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ كَرِهَ عِبَادَةَ الأَوْثَانِ ، هُوَ وَزَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، وَكَانَ زَيْدٌ قَدْ حَرَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنَ الدَّمِ وَالذَّبِيحَةِ عَلَى النُّصُبِ ، وَمِنْ أَبْوَابِ الظُّلْمِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَعَمَدَ هُوَ وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَلْتَمِسَانِ الْعِلْمَ حَتَّى وَقَفَا بِالشَّامِ ، فَعَرَضَتِ الْيَهُودُ عَلَيْهِمَا دِينَهُمْ ، فَكَرِهَاهُ وسَأَلا رُهْبَانَ النَّصْرَانِيَّةِ ، فَأَمَّا وَرَقَةُ فَتَنَصَّرَ وَأَمَّا زَيْدٌ فَكَرِهَ النَّصْرَانِيَّةَ ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنَ الرُّهْبَانِ : إِنَّكَ تَلْتَمِسُ دِينًا لَيْسَ يُوجَدُ الْيَوْمَ فِي الأَرْضِ ! ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ : أَيُّ دِينٍ ذَلِكَ ؟ قَالَ الْقَائِلُ : دِينُ الْقَيِّمِ دِينُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : وَمَا كَانَ مِنْ دِينِهِ ؟ قَالَ : كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا ، فَلَمَّا وَصَفَ لَهُ دِينَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، قَالَ زَيْدٌ : أَنَا عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ ، وَأَنَا سَاجِدٌ نَحْوَ الْكَعْبَةِ الَّتِي بَنَى إِبْرَاهِيمُ ، فَسَجَدَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ زَيْدٌ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى : أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِمَنْ أَسْلَمَتْ لَهُ الْمُزْنُ يَحْمِلْنَ عَذْبًا زُلالا ثُمَّ تُوُفِّيَ زَيْدٌ وَبَقِيَ وَرَقَةُ بَعْدَهُ كَمَا يَزْعُمُونَ سَنَتَيْنِ ، فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَهُوَ يَبْكِي زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ : رَشَدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا تَجَنَّبْتَ تَنُّورًا مِنَ النَّارِ حَامِيًا بِدِينِكَ رَبًّا لَيْسَ رَبٌّ كَمِثْلِهِ وَتَرْكِكَ جِنَّانَ الْجِبَالِ كَمَا هِيَا تَقُولُ إِذَا جَاوَزْتَ أَرْضًا مَخُوفَةً بِاسْمِ الإِلَهِ بِالْغَدَاةِ وَسَارِيًا تَقُولُ إِذَا صَلَّيْتَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ حَنَانَيْكَ لا تُظْهِرْ عَلَيَّ الأَعَادِيَا فَلَمَّا وَصَفَتْ خَدِيجَةُ لِوَرَقَةَ حِينَ جَاءَتْهُ شَأْنَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَكَرَتْ لَهُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَمَا جَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَالَ لَهَا وَرَقَةُ : يَا بُنَيَّةَ أَخِي ، مَا أَدْرِي لَعَلَّ صَاحِبَكِ النَّبِيُّ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ كَانَ إِيَّاهُ ثُمَّ أَظْهَرَ دُعَاءَهُ ، وَأَنَا حَيٌّ لأُبْلِيَنَّ اللَّهَ فِي طَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُسْنِ مُؤَازَرَتِهِ الصَّبْرَ وَالنَّصْرَ ، فَمَاتَ وَرَقَةُ " . وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا وَزَادَ فِيهَا : فَفَتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَيْنًا مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَوَضَّأَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، ثُمَّ نَضَحَ فَرْجَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ مُوَاجَهَةَ الْبَيْتِ ، فَفَعَلَ مُحَمَّدٌ كَمَا رَأَى جِبْرِيلَ يَفْعَلُ " ، أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَبُو الحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ ، وَحَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالا : حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِأَجْمَعِهَا شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ ، عَنْ أَبِي عُلاثَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ ، إِلا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ شِعْرِ وَرَقَةَ إِلا الْبَيْتَيْنِ الأَوَّلَيْنِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي إِسْلامِ خَدِيجَةَ وَالَّذِي ذُكِرَ فِيهِ مِنْ شَقِّ بَطْنِهِ ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً مِنْهُ لِمَا صُنِعَ بِهِ فِي صِبَاهُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شُقَّ مَرَّةً أُخْرَى ، ثُمَّ مَرَّةً ثَالِثَةً حِينَ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
عُرْوَةَ | عروة بن الزبير الأسدي / توفي في :94 | ثقة فقيه مشهور |
أَبِي الأَسْوَدِ | محمد بن عبد الرحمن الأسدي / توفي في :131 | ثقة |
ابْنِ لَهِيعَةَ | عبد الله بن لهيعة الحضرمي / ولد في :97 / توفي في :174 | ضعيف الحديث |
أَبِيهِ | عمرو بن خالد الحراني / توفي في :229 | ثقة |
أَبِي عُلاثَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ | محمد بن عمرو الحراني / توفي في :292 | مجهول الحال |
أَبِي جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ | محمد بن محمد الجمال / توفي في :346 | ثقة ثبت |
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ | الحاكم النيسابوري / ولد في :321 / توفي في :405 | ثقة حافظ |
ابْنُ لَهِيعَةَ | عبد الله بن لهيعة الحضرمي / ولد في :97 / توفي في :174 | ضعيف الحديث |
وَحَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ | حسان بن عبد الله الكندي | ثقة |
عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ | عمرو بن خالد الحراني / توفي في :229 | ثقة |
يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ | يعقوب بن سفيان الفسوي / توفي في :277 | ثقة حافظ |
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ | سعيد بن المسيب القرشي | أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار |
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ | عبد الله بن جعفر النحوي / ولد في :258 / توفي في :334 | ثقة |
ابْنُ شِهَابٍ | محمد بن شهاب الزهري / ولد في :52 / توفي في :124 | الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه |
أَبُو الحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ | محمد بن الحسين المتوثي / ولد في :335 / توفي في :415 | ثقة |