أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : " ثُمَّ إِنَّ تُبَّعًا أَقْبَلَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ، فَنَزَلَ بِوَادِي قُبَاءَ ، فَحَفَرَ فِيهَا بِئْرًا ، فَهِيَ الْيَوْمَ تُدْعَى بِئْرَ الْمَلِكِ ، قَالَ : وَبِالْمَدِينَةِ إِذْ ذَاكَ يَهُودُ ، وَالأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ ، فَنَصَبُوا لَهُ ، فَقَاتَلُوهُ ، فَجَعَلُوا يقَاتِلُونَهُ بِالنَّهَارِ ، فَإِذَا أَمْسَى أَرْسَلُوا إِلَيْهِ بِالضِّيَافَةِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ ، فَلَمَّا فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ لَيَالِيَ اسْتَحْيَا ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يُرِيدُ صُلْحَهُمْ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَوْسِ ، يُقَالُ لَهُ : أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلاحِ ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ يَهُودَ بِنْيَامِينُ الْقُرَظِيُّ ، فَقَالَ لَهُ أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلاحِ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، نَحْنُ قَوْمُكَ ، وَقَالَ بِنْيَامِينُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، هَذِهِ بَلْدَةٌ لا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَدْخُلَهَا لَوْ جَهِدْتَ بِجَمِيعِ جَهْدِكَ ، فَقَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَ : لأَنَّهَا مَنْزِلُ نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ ، يَبْعَثُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قُرَيْشٍ ، وَجَاءَ تُبَّعًا مُخْبِرٌ أَخْبَرَهُ عَنِ الْيَمَنِ أَنَّهُ بُعِثَ عَلَيْهَا نَارٌ تَحْرِقُ كُلَّ مَا مَرَّتْ بِهِ ، فَخَرَجَ سَرِيعًا ، وَخَرَجَ مَعَهُ بِنَفَرٍ مِنْ يَهُودَ ، فِيهِمْ بِنْيَامِينُ وَغَيْرُهُ ، فَذَكَرَ شِعْرًا ، وَقَالَ فِيهِ : أَلْقَى إِلَيَّ نَصِيحَةً كَيْ أَزْدَجِرْ عَنْ قَرْيَةٍ مَحْجُوزَةٍ بِمُحَمَّدِ قَالَ : ثُمَّ خَرَجَ يَسِيرُ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالدُّفِّ مِنْ جُمْدَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى لَيْلَتَيْنِ ، أَتَاهُ أُنَاسٌ مِنْ هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكَةَ وَتِلْكَ مَنَازِلُهُمْ ، فَقَالُوا : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، أَلا نَدُلُّكَ عَلَى بَيْتٍ مَمْلُوءٍ ذَهَبًا وَيَاقُوتًا وَزَبَرْجَدًا ، تُصِيبُهُ وَتُعْطِينَا مِنْهُ ؟ قَالَ : بَلَى ، فَقَالُوا : هُوَ بَيْتٌ بِمَكَّةَ ، فَرَاحَ تُبَّعٌ وَهُوَ مُجْمِعٌ لِهَدْمِ الْبَيْتِ ، فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ رِيحًا ، فَقَفَّعَتْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، وَشَنَّجَتْ جَسَدَهُ ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ يَهُودَ ، فَقَالَ : وَيْحَكُمْ ، مَا هَذَا الَّذِي أَصَابَنِي ؟ فَقَالُوا : أَحْدَثْتَ شَيْئًا ، قَالَ : وَمَا الَّذِي أَحْدَثْتُ ؟ فَقَالُوا : أَحَدَّثْتَ نَفْسَكَ بِشَيْءٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَذَكَرَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ هَدْمِ الْبَيْتِ وَإِصَابَةِ مَا فِيهِ ، قَالُوا : ذَلِكَ بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامِ وَمَنْ أَرَادَهُ هَلَكَ ، قَالَ : وَيْحَكُمْ ، وَمَا الْمَخْرَجُ مِمَّا دَخَلْتُ فِيهِ ؟ قَالُوا : تُحَدِّثُ نَفْسَكَ أَنْ تَطُوفَ بِهِ وَتَكْسُوَهُ ، وَتُهْدِيَ لَهُ ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ ، فَأَطْلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ أَنْ يَكْسُوَ الْبَيْتَ ، فَكَسَاهُ ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي نَحْرِهِ بِمَكَّةَ ، وَإِطْعَامِهِ النَّاسَ ، ثُمَّ رُجُوعِهِ إِلَى الْيَمَنِ ، وَقَتْلِهِ ، وَخُرُوجِ ابْنِهِ دَوْسٍ إِلَى قَيْصَرَ ، وَاسْتِغَاثَتِهِ بِهِ فِيمَا فَعَلَ قَوْمُهُ بِأَبِيهِ ، وَأَنَّ قَيْصَرَ كَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ ، وَأَنَّ النَّجَاشِيَّ بَعَثَ مَعَهُ سِتِّينَ أَلْفًا ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَوْزَبَةَ حَتَّى قَاتَلُوا حِمْيَرَ قَتَلَةَ أَبِيهِ ، وَدَخَلُوا صَنْعَاءَ ، فَمَلَكُوهَا ، وَمَلَكُوا الْيَمَنَ ، وَكَانَ فِي أَصْحَابِ رَوْزَبَةَ رَجُلٌ ، يُقَالُ لَهُ : أَبْرَهَةُ بْنُ الأَشْرَمِ ، وَهُوَ أَبُو يَكْسُومَ ، فَقَالَ لِرَوْزَبَةَ : أَنَا أَوْلَى بِهَذَا الأَمْرِ مِنْكَ ، وَقَتَلَهُ مَكْرًا ، وَأَرْضَى النَّجَاشِيَّ ، ثُمَّ إِنَّهُ بَنَى كَعْبَةً بِالْيَمَنِ ، وَجَعَلَ فِيهَا قِبَابًا مِنْ ذَهَبٍ ، وَأَمَرَ أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ بِالْحَجِّ ، يُضَاهِي بِذَلِكَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ، وَأَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي مَلْكَانَ بْنِ كِنَانَةَ ، وَهُوَ مِنَ الْحُمْسِ ، خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ ، فَدَخَلَهَا ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا ، ثُمَّ قَعَدَ فِيهَا يَعْنِي لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ ، فَدَخَلَهَا أَبْرَهَةُ ، فَوَجَدَ تِلْكَ الْعَذِرَةَ فِيهَا ، فَقَالَ : مَنِ اجْتَرَأَ عَلَيَّ بِهَذَا ؟ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ الَّذِي يَحُجُّهُ الْعَرَبُ ، قَالَ : فَعَلَيَّ اجْتَرَأَ بِهَذَا ؟ ! وَنَصْرَانِيَّتِي لأَهْدِمَنَّ ذَلِكَ الْبَيْتَ ، وَلَنُخَرِّبَنَّهُ حَتَّى لا يَحُجَّهُ حَاجٌّ أَبَدًا ، فَدَعَا بِالْفِيلِ ، وَأَذَّنَ فِي قَوْمِهِ بِالْخُرُوجِ ، وَرَحَلَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ، وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ تَبِعَهُ مِنْهُمْ عَكٌّ ، وَالأَشْعَرِيُّونَ ، وَخَثْعَمٌ ، فَخَرَجُوا يَرْتَجِزُونَ : إِنَّ الْبَلَدَ لَبَلَدٌ مَأْكُولُ تَأْكُلُهُ عَكٌّ وَالأَشْعَرِيُّونَ وَالْفِيلُ قَالَ : ثُمَّ خَرَجَ يَسِيرُ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِهِ ، بَعَثَ رَجُلا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ لِيَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى حَجِّ بَيْتِهِ الَّذِي بَنَاهُ ، فَتَلَقَّاهُ أَيْضًا رَجُلٌ مِنَ الْحُمْسِ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ ، فَقَتَلَهُ ، فَازْدَادَ بِذَلِكَ لَمَّا بَلَغَهُ حَنَقًا وَجُرْأَةً ، وَأَحَثَّ السَّيْرَ وَالانْطِلاقَ وَطَلَبَ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ دَلِيلا ، فَبَعَثُوا مَعَهُ رَجُلا مِنْ هُذَيْلٍ ، يُقَالُ لَهُ : نُفَيْلٌ ، فَخَرَجَ بِهِمْ يَهْدِيهِمْ ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْمُغَمَّسِ مِنْ مَكَّةَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ ، فَبَعَثُوا مُقَدِّمَاتِهِمْ إِلَى مَكَّةَ ، فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مُتَفَرِّقِينَ عَبَادِيدَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ ، وَقَالُوا : لا طَاقَةَ لَنَا بِقِتَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ ، فَلَمْ يَبْقَ بِمَكَّةَ أَحَدٌ إِلا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ ، أَقَامَ عَلَى سِقَايَتِهِ ، وَغَيْرُهُ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، أَقَامَ عَلَى حِجَابَةِ الْبَيْتِ ، فَجَعَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، يَأْخُذُ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ ، ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَبْدَ يَمْنَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حَلالَكْ لا يَغْلِبُوا بِصَلِيبِهِمْ وَمِحَالُهُمْ عَدْوًا مِحَالَكْ إِنْ كُنْتَ تَارِكَهُمْ وَكَعْبَتَنَا فَأَمُرْ بِمَا بَدَا لَكْ يَقُولُ : أَيُّ شَيْءٍ مَا بَدَا لَكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ بِنَا ، ثُمَّ إِنَّ مُقَدَّمَاتِ أَبْرَهَةَ أَصَابَتْ نَعَمًا لِقُرَيْشٍ ، فَأَصَابَتْ فِيهَا مِائَتَيْ بَعِيرٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ، فَلَمَّا بَلَغَهُ خَرَجَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَوْمِ ، وَكَانَ حَاجِبُ أَبْرَهَةَ رَجُلا مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ ، وَكَانَتْ لَهُ بِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَعْرِفَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، قَالَ لَهُ الأَشْعَرِيُّ : مَا حَاجَتُكَ ؟ قَالَ : حَاجَتِي أَنْ تَسْتَأْذِنَ لِي عَلَى الْمَلِكِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ حَاجِبُهُ ، فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، جَاءَكَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ الَّذِي يُطْعِمُ إِنْسَهَا فِي السَّهْلِ ، وَوَحْشَهَا فِي الْجَبَلِ ، فَقَالَ : ائْذَنْ لَهُ ، وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَجُلا جَسِيمًا جَمِيلا ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا أَنْ رَآهُ أَبُو يَكْسُومَ أَعْظَمَهُ أَنْ يُجْلِسَهُ تَحْتَهُ ، وَكَرِهَ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ ، فَنَزَلَ مِنْ سَرِيرِهِ ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ ، وَأَجْلَسَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ مَعَهُ ، ثُمَّ قَالَ : مَا حَاجَتُكَ ؟ قَالَ : حَاجَتِي مِائَتَا بَعِيرٍ أَصَابَتْهَا لِي مُقَدَّمَتُكَ ، فَقَالَ أَبُو يَكْسُومَ : وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُكَ فَأَعْجَبْتَنِي ، ثُمَّ تَكَلَّمْتَ فَزَهِدْتُ فِيكَ ، فَقَالَ لَهُ : لِمَ أَيُّهَا الْمَلِكُ ؟ قَالَ : لأَنِّي جِئْتُ إِلَى بَيْتٍ هُوَ مَنَعَتُكُمْ مِنَ الْعَرَبِ ، وَفَضْلُكُمْ فِي النَّاسِ ، وَشَرَفُكُمْ عَلَيْهِمْ ، وَدِينُكُمُ الَّذِي تَعْبُدُونَ ، فَجِئْتُ لأَكْسِرَهُ ، وَأَصَبْتُ لَكَ مِائَتَيْ بَعِيرٍ ، فَسَأَلْتُكَ عَنْ حَاجَتِكَ ، فَكَلَّمْتَنِي فِي إِبِلِكَ ، وَلَمْ تَطْلُبْ إِلَيَّ فِي بَيْتِكُمْ ! فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنَّمَا أُكَلِّمُكَ فِي مَالِي ، وَلِهَذَا الْبَيْتِ رَبٌّ هُوَ يَمْنَعُهُ ، لَسْتُ أَنَا مِنْهُ فِي شَيْءٍ ، فَرَاعَ ذَلِكَ أَبَا يَكْسُومَ ، وَأَمَرَ بِرَدِّ إِبِلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ رَجَعَ وَأَمْسَتْ لَيْلَتُهُمْ ، تِلْكَ لَيْلَةً كَالِحَةً نُجُومُهَا ، كَأَنَّهَا تُكَلِّمُهُمْ كَلامًا لاقْتِرَابِهَا مِنْهُمْ ، فَأَحَسَّتْ أَنْفُسُهُمْ بِالْعَذَابِ ، وَخَرَجَ دَلِيلُهُمْ حَتَّى دَخَلَ الْحَرَمَ وَتَرَكَهُمْ ، وَقَامَ الأَشْعَرِيُّونَ ، وَخَثْعَمٌ ، فَكَسَرُوا رِمَاحَهُمْ وَسُيُوفَهُمْ ، وَبَرِئُوا إِلَى اللَّهِ تعالى أَنْ يُعِينُوا عَلَى هَدْمِ الْبَيْتِ ، فَبَاتُوا كَذَلِكَ بِأَخْبَثِ لَيْلَةٍ ، ثُمَّ أَدْلَجُوا بِسَحَرٍ ، فَبَعَثُوا فِيلَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُصْبِحُوا بِمَكَّةَ ، فَوَجَّهُوهُ إِلَى مَكَّةَ ، فَرَبَضَ ، فَضَرَبُوهُ ، فَتَمَرَّغَ ، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى كَادُوا أَنْ يُصْبِحُوا ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَقْبَلُوا عَلَى الْفِيلِ ، فَقَالُوا : لَكَ اللَّهُ ، أَلا نُوَجِّهُكَ إِلَى مَكَّةَ ، فَجَعَلُوا يُقْسِمُونَ لَهُ ، وَيُحَرِّكُ أُذُنَيْهِ ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ ، حَتَّى إِذَا أَكْثَرُوا مِنَ أَنْفُسِهِمُ انْبَعَثَ ، فَوَجَّهُوهُ إِلَى الْيَمَنِ رَاجِعًا ، فَتَوَجَّهَ يُهَرْوِلُ ، فَعَطَفُوهُ حِينَ رَأَوْهُ مُنْطَلِقًا ، حَتَّى إِذَا رَدُّوهُ إِلَى مَكَانِهِ الأَوَّلِ ، رَبَضَ ، وَتَمَرَّغَ ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ أَقْسَمُوا لَهُ بِاللَّهِ ، وَجَعَلَ يُحَرِّكُ أُذُنَيْهِ ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ ، حَتَّى إِذَا أَكْثَرُوا انْبَعَثَ ، فَوَجَّهُوهُ إِلَى الْيَمَنِ ، فَتَوَجَّهَ يُهَرْوِلُ ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ رَدُّوهُ ، فَرَجَعَ بِهِمْ ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي مَكَانِهِ الأَوَّلِ ، رَبَضَ ، فَضَرَبُوهُ ، فَتَمَرَّغَ ، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ يُعَالِجُوهُ حَتَّى كَانَ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الطَّيْرُ مَعَهَا ، وَطَلَعَتْ عَلَيْهِمْ طَيْرٌ مِنَ الْبَحْرِ أَمْثَالُ الْيَحَامِيمِ سُودٌ ، فَجَعَلَتْ تَرْمِيهِمْ ، وَكُلُّ طَائِرٍ فِي مِنْقَارِهِ حَجَرٌ ، وَفِي رِجْلَيْهِ حَجَرَانِ ، فَإِذَا رَمَتْ بِتِلْكَ مَضَتْ ، وَطَلَعَتْ أُخْرَى ، فَلا يَقَعُ حَجَرٌ مِنْ حِجَارَتِهِمْ تِلْكَ عَلَى بَطْنٍ إِلا خَرَقَهُ ، وَلا عَظْمٍ إِلا أَوْهَاهُ وَثَقَبَهُ ، وَثَابَ أَبُو يَكْسُومَ رَاجِعًا قَدْ أَصَابَتْهُ بَعْضُ الْحِجَارَةِ ، فَجَعَلَ كُلَّمَا قَدِمَ أَرْضًا انْقَطَعَ مِنْهُ فِيهَا إِرْبٌ ، حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى الْيَمَنِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلا بَادُّهُ ، فَلَمَّا قَدِمَهَا انْصَدَعَ صَدْرُهُ ، وَانْشَقَّ بَطْنُهُ ، فَهَلَكَ ، وَلَمْ يُصَبْ مِنْ خَثْعَمٍ وَالأَشْعَرِيِّينَ أَحَدٌ ، وَذَكَرَ مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ مِنَ الشِّعْرِ ، قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ ، وَيَدْعُو عَلَى الْحَبَشَةِ ، وَيَقُولُ : يَا رَبِّ لا أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمْ حِمَاكَا إِنَّ عَدُوَّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا إِنَّهُمُ لَنْ يَقْهَرُوا قُوَاكَا قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : كَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِي شَأْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبْرَهَةَ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |