باب ذكر رضاع النبي صلى الله عليه وسلم ومرضعته وحاضنته


تفسير

رقم الحديث : 64

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الْعُمَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلابِيُّ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " كَانَتْ حَلِيمَةُ بِنْتُ أَبِي ذُؤَيْبٍ الَّتِي أَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، تُحَدِّثُ أَنَّهَا لَمَّا فَطَمَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، تَكَلَّمُ ، قَالَتْ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَلامًا عَجِيبًا ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ : اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا ، فَلَمَّا تَرَعْرَعَ كَانَ يَخْرُجُ فَيَنْظُرُ إِلَى الصِّبْيَانِ يَلْعَبُونَ فَيَجْتَنِبُهُمْ ، فَقَالَ لِي يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ : يَا أُمَّاهُ ، مَالِي لا أَرَى إِخْوَتِي بِالنَّهَارِ ؟ قُلْتُ : فَدَتْكَ نَفْسِي ، يَرْعَوْنَ غَنَمًا لَنَا فَيَرُوحُونَ مِنْ لَيْلٍ إِلَى لَيْلٍ ، فَأَسْبَلَ عَيْنَيْهِ ، فَبَكَى ، وَقَالَ : يَا أُمَّاهُ ، فَمَا أَصْنَعُ هَهُنَا وَحْدِي ؟ ابْعَثِينِيَ مَعَهُمْ ، قُلْتُ : أَوَتُحِبُّ ذَلِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَتْ : فَلَمَّا أَصْبَحَ دَهَنْتُهُ ، وَكَحَّلْتُهُ ، وَقَمَّصْتُهُ ، وَعَمَدْتُ إِلَى خَرَزَةِ جَزْعٍ يَمَانِيَّةٍ فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ مِنَ الْعَيْنِ ، وَأَخَذَ عَصًا ، وَخَرَجَ مَعَ إِخْوَتِهِ ، فَكَانَ يَخْرُجُ مَسْرُورًا وَيَرْجِعُ مَسْرُورًا ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ خَرَجُوا يَرْعَوْنَ بَهْمًا لَنَا حَوْلَ بُيُوتِنَا ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ إِذَا أَنَا بِابْنِي ضمرةَ يَعْدُو فَزِعًا ، وَجَبِينُهُ يَرْشَحُ قَدْ عَلاهُ الْبُهْرُ بَاكِيًا يُنَادِي : يَا أَبَتِ ، يَا أَبَهْ ، وَيَا أُمَّهْ ، الْحَقَا أَخِي مُحَمَّدًا فَمَا تَلْحَقَاهُ إِلا مَيِّتًا ، قُلْتُ : وَمَا قِصَّتُهُ ؟ قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ قِيَامٌ نَتَرَامَى وَنَلْعَبُ ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَاخْتَطَفَهُ مِنْ أَوْسَاطِنَا ، وَعَلا بِهِ ذِرْوَةَ الْجَبَلِ وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى شَقَّ مِنْ صَدْرِهِ إِلَى عَانَتِهِ ، وَلا أَدْرِي مَا فَعَلَ بِهِ ، وَلا أَظُنُّكُمَا تَلْحَقَانِهِ أَبَدًا إِلا مَيِّتًا ، قَالَتْ : فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأَبُوهُ يَعْنِي زَوْجَهَا ، نَسْعَى سَعْيًا ، فَإِذَا نَحْنُ بِهِ قَاعِدًا عَلَى ذِرْوَةِ الْجَبَلِ ، شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَتَبَسَّمُ وَيَضْحَكُ ، فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ ، وَقَبَّلْتُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَقُلْتُ : فَدَتْكَ نَفْسِي ، مَا الَّذِي دَهَاكَ ؟ ، قَالَ : خَيْرًا يَا أُمَّاهُ ، بَيْنَا أَنَا السَّاعَةَ قَائِمٌ عَلَى إِخْوَتِي ، إِذْ أَتَانِيَ رَهْطٌ ثَلاثَةٌ ، بِيَدِ أَحَدِهِمْ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ ، وَفِي يَدِ الثَّانِي طَسْتٌ مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ مِلْؤُهَا ثَلْجٌ ، فَأَخَذُونِي ، فَانْطَلَقُوا بِي إِلَى ذِرْوَةِ الْجَبَلِ ، فَأَضْجَعُونِي عَلَى الْجَبَلِ إِضْجَاعًا لَطِيفًا ، ثُمَّ شَقَّ مِنْ صَدْرِي إِلَى عَانَتِي ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ ، فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ حِسًّا وَلا أَلَمًا ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَوْفِي ، فَأَخْرَجَ أَحْشَاءَ بَطْنِي ، فَغَسَلَهَا بِذَلِكَ الثَّلْجِ فَأَنْعَمَ غَسْلَهَا ، ثُمَّ أَعَادَهَا ، وَقَامَ الثَّانِي ، فَقَالَ لِلأَوَّلِ : تَنَحَّ ، فَقَدْ أَنْجَزْتَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ فَدَنَا مِنِّي ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَوْفِي ، فَانْتَزَعَ قَلْبِي وَشَقَّهُ ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ نُكْتَةً سَوْدَاءَ مَمْلُوءَةً بِالدَّمِ ، فَرَمَى بِهَا ، فَقَالَ : هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ يَا حَبِيبَ اللَّهِ ، ثُمَّ حَشَاهُ بِشَيْءٍ كَانَ مَعَهُ ، وَرَدَّهُ مَكَانَهُ ، ثُمَّ خَتْمَهُ بِخَاتَمٍ مِنْ نُورٍ ، فَأَنَا السَّاعَةَ أَجِدُ بَرْدَ الْخَاتَمِ فِي عُرُوقِي وَمَفَاصِلِي ، وَقَامَ الثَّالِثُ ، فَقَالَ : تَنَحَّيَا ، فَقَدْ أَنْجَزْتُمَا مَا أَمَرَكُمَا اللَّهُ فِيهِ ، ثُمَّ دَنَا الثَّالِثُ مِنِّي ، فَأَمَرَّ يَدَهُ مِنْ مَفْرِقِ صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي ، قَالَ الْمَلَكُ : زِنُوهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ ، فَوَزَنُونِي فَرَجَحْتُهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : دَعُوهُ ، فَلَوْ وَزَنْتُمُوهُ بِأُمَّتِهِ كُلِّهَا لَرَجَحَ بِهِمْ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَنْهَضَنِي إِنْهَاضًا لَطِيفًا ، فَأَكَبُّوا عَلَيَّ ، وَقَبَّلُوا رَأْسِي وَمَا بَيْنَ عَيْنَيَّ ، وَقَالُوا : يَا حَبِيبَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَنْ تُرَاعَ ، وَلَوْ تَدْرِي مَا يُرَادُ بِكَ مِنَ الْخَيْرِ لَقَرَّتْ عَيْنَاكَ ، وَتَرَكُونِي قَاعِدًا فِي مَكَانِي هَذَا ، ثُمَّ جَعَلُوا يَطِيرُونَ حَتَّى دَخَلُوا حِيَالَ السَّمَاءِ ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلَوْ شِئْتُ لأَرَيْتُكِ مَوْضِعَ دُخُولِهِمْ ، قَالَتْ : فَاحْتَمَلْتُهُ ، فَأَتَيْتُ بِهِ مَنْزِلا مِنْ مَنَازِلَ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ، فَقَالَ النَّاسُ : اذْهَبِي بِهِ إِلَى الْكَاهِنِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَيدَاوِيَهُ ، فَقَالَ : مَا بِي شَيْءٌ مِمَّا تَذْكُرُونَ ، وَإِنِّي أَرَى نَفْسِي سَلِيمَةً ، وَفُؤَادِيَ صَحِيحٌ بِحَمْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ النَّاسُ : أَصَابَهُ لَمَمٌ أَوْ طَائِفٌ مِنَ الْجِنِّ ، قَالَتْ : فَغَلَبُونِي عَلَى رَأْيِي ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى الْكَاهِنِ ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ ، قَالَ : دَعِينِي ، أَنَا أَسْمَعُ مِنْهُ ، فَإِنَّ الْغُلامَ أَبْصَرُ بِأَمْرِهِ مِنْكُمْ ، تَكَلَّمْ يَا غُلامُ ، قَالَتْ حَلِيمَةُ : فَقَصَّ ابْنِي مُحَمَّدٌ قِصَّتَهُ مَا بَيْنَ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا ، فَوَثَبَ الْكَاهِنُ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْهِ ، فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ ، وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : يَا آلَ الْعَرَبْ ، يَا آلَ الْعَرَبْ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبْ ، اقْتُلُوا هَذَا الْغُلامَ وَاقْتُلُونِي مَعَهُ ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَرَكْتُمُوهُ وَأَدْرَكَ مَدْرَكَ الرِّجَالِ لَيُسَفِّهَنَّ أَحْلامَكُمْ ، وَلَيُكَذِّبَنَّ أَدْيَانَكُمْ ، وَلَيَدْعُوَنَّكُمْ إِلَى رَبٍّ لا تَعْرِفُونَهُ ، وَدِينٍ تُنْكِرُونَهُ ، قَالَتْ : فَلَمَّا سَمِعْتُ مَقَالَتَهُ انْتَزَعْتُهُ مِنْ يَدِهِ ، وَقُلْتُ : لأَنْتَ أَعْتَهُ مِنْهُ وَأَجَنُّ ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ قَوْلِكَ مَا أَتَيْتُكَ بِهِ ، اطْلُبْ لِنَفْسِكَ مَنْ يَقْتُلُكَ ، فَإِنَّا لا نَقْتُلُ مُحَمَّدًا ، فَاحْتَمَلْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ مَنْزِلِي ، فَمَا أَتَيْتُ يَعْلَمُ اللَّهُ مَنْزِلا مِنْ مَنَازِلِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إِلا وَقَدْ شَمَمْنَا مِنْهُ رِيحَ الْمِسْكِ الأَذْفَرِ ، وَكَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَجُلانِ أَبْيَضَانِ ، فَيَغِيبَانِ فِي ثِيَابِهِ وَلا يَظْهَرَانِ ، فَقَالَ النَّاسُ : رُدِّيهِ يَا حَلِيمَةُ عَلَى جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَأَخْرِجِيهِ مِنْ أَمَانَتِكِ ، قَالَتْ : فَعَزَمْتُ عَلَى ذَلِكَ ، فَسَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي : هَنِيئًا لَكِ يَا بَطْحَاءَ مَكَّةَ ، الْيَوْمَ يُرَدُّ عَلَيْكِ النُّورُ وَالدِّينُ ، وَالْبَهَاءُ ، وَالْكَمَالُ ، فَقَدْ أَمِنْتِ أَنْ تُخْذَلِينَ أَوْ تَحْزَنِينَ أَبَدَ الآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ ، قَالَتْ : فَرَكِبْتُ أَتَانِيَ ، وَحَمَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيَّ ، أَسِيرُ حَتَّى أَتَيْتُ الْبَابَ الأَعْظَمَ مِنْ أَبْوَابِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ ، فَوَضَعْتُهُ لأَقْضِيَ حَاجَةً ، وَأُصْلِحَ شَأْنِي ، فَسَمِعْتُ هَدَّةً شَدِيدَةً ، فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَهُ ، فَقُلْتُ : مَعَاشِرَ النَّاسِ ، أَيْنَ الصَّبِيُّ ؟ قَالُوا : أَيُّ الصِّبْيَانِ ؟ قُلْتُ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، الَّذِي نَضَّرَ اللَّهُ بِهِ وَجْهِي ، وَأَغْنَى عَيْلَتِي ، وَأَشْبَعَ جَوْعَتِي ، رَبَّيْتُهُ حَتَّى إِذَا أَدْرَكْتُ بِهِ سُرُورِي وَأَمَلِي ، أَتَيْتُ بِهِ أَرُدُّهُ وَأَخْرُجُ مِنْ أَمَانَتِي ، فَاخْتُلِسَ مِنْ يَدَيَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّ قَدَمَيْهِ الأَرْضُ ، وَاللاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ لَمْ أَرَهُ لأَرْمِيَنَّ بِنَفْسِي مِنْ شَاهِقِ هَذَا الْجَبَلِ ، وَلأَتَقَطَّعَنَّ إِرْبًا إِرْبًا ، فَقَالَ النَّاسُ : إِنَّا لَنَرَاكِ غَائِبَةً عَنِ الرُّكْبَانِ ، مَا مَعَكِ مُحَمَّدٌ ، قَالَتْ : قُلْتُ : السَّاعَةَ كَانَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ، قَالُوا : مَا رَأَيْنَا شَيْئًا ، فَلَمَّا آيَسُونِي وَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى رَأْسِي ، فَقُلْتُ : وَامُحَمَّدَاهُ وَاوَلَدَاهُ ! ! أَبْكَيْتُ الْجَوَارِيَ الأَبْكَارَ لِبُكَائِي ، وَضَجَّ النَّاسُ مَعِي بِالْبُكَاءِ حُرْقَهً لِي ، فَإِذَا أَنَا بِشَيْخٍ كَالْفَانِي مُتَوَكِّئًا عَلَى عُكَّازَةٍ لَهُ ، قَالَتْ : فَقَالَ لِي : مَا لِي أَرَاكِ أَيَّتُهَا السَّعْدِيَّةُ تَبْكِينَ وَتَضِجِّينَ ؟ ! ! قَالَتْ : فَقُلْتُ : فَقَدْتُ ابْنِي مُحَمَّدًا ، قَالَ : لا تَبْكِي ، أَنَا أَدُلُّكِ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ عِلْمَهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْكِ فَعَلَ ؟ قَالَتْ : قُلْتُ : دُلَّنِي عَلَيْهِ ، قَالَ : الصَّنَمُ الأَعْظَمُ ، قَالَتْ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ؟ ! كَأَنَّكَ لَمْ تَرَ مَا نَزَلَ بِاللاتِ وَالْعُزَّى فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِنَّكِ لَتَهْذِينَ وَلا تَدْرِينَ مَا تَقُولِينَ ، أَنَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْكِ ، قَالَتْ حَلِيمَةُ : فَدَخَلَ وَأَنَا أَنْظُرُ ، فَطَافَ بِهُبَلَ أُسْبُوعًا وَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، وَنَادَى : يَا سَيِّدَاهُ ، لَمْ تَزَلْ مُنْعِمًا عَلَى قُرَيْشٍ ، وَهَذِهِ السَّعْدِيَّةُ تَزْعُمُ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ ضَلَّ ، قَالَ : فَانْكَبَّ هُبَلُ عَلَى وَجْهِهِ ، فَتَسَاقَطَتِ الأَصْنَامُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَنَطَقَتْ أَوْ نَطَقَ مِنْهَا فَقَالَتْ : إِلَيْكَ عَنَّا أَيُّهَا الشَّيْخُ ، إِنَّمَا هَلاكُنَا عَلَى يَدَيْ مُحَمَّدٍ ، قَالَتْ : فَأَقْبَلَ الشَّيْخُ لأَسْنَانِهِ اصْتِكَاكٌ ، وَلِرُكْبَتِهِ ارْتِعَادٌ ، وَقَدْ أَلْقَى عُكَّازَهُ مِنْ يَدِهِ وَهُوَ يَبْكَى ، وَيَقُولُ : يَا حَلِيمَةُ لا تَبْكِيَنَّ ، فَإِنَّ لابْنِكِ رَبًّا لا يُضَيِّعُهُ ، فَاطْلُبِيهِ عَلَى مَهَلٍ ، قَالَتْ : فَخِفْتُ أَنْ يَبْلُغَ الْخَبَرُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَبْلِي ، فَقَصَدْتُ قَصْدَهُ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ ، قَالَ : أَسَعْدٌ نَزَلَ بِكِ أَمْ نُحُوسٌ ؟ قَالَتْ : قُلْتُ : بَلْ نَحْسُ الأَكْبَرِ ، فَفَهِمَهَا مِنِّي ، وَقَالَ : لَعَلَّ ابْنَكِ قَدْ ضَلَّ مِنْكِ ، قَالَتْ : قُلْتُ : نَعَمْ ، بَعْضُ قُرَيْشٍ اغْتَالَهُ فَقَتَلَهُ ، فَسَلَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ سَيْفَهُ وَغَضِبَ ، وَكَانَ إِذَا غَضِبَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَحَدٌ مِنْ شَرِّ غَضَبِهِ ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : يَا يَسِيلُ وَكَانَتْ دَعْوَتَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَجَابَتْهُ قُرَيْشٌ بِأَجْمَعِهَا ، فَقَالَتْ : مَا قِصَّتُكَ يَا أَبَا الْحَارِثِ ؟ فَقَالَ : فُقِدَ ابْنِي مُحَمَّدٌ ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : ارْكَبْ نَرْكَبْ مَعَكَ ، فَإِنْ سَبَّقْتَ خَيْلا سَبَّقْنَا مَعَكَ ، وَإِنْ خُضْتَ بَحْرًا خُضْنَا مَعَكَ ، قَالَ : فَرَكِبَ ، وَرَكِبَتْ مَعَهُ قُرَيْشٌ ، فَأَخَذَ عَلَى أَعْلَى مَكَّةَ ، وَانْحَدَرَ عَلَى أَسْفَلِهَا ، فَلَمَّا أَنْ لَمْ يَرَ شَيْئًا تَرَكَ النَّاسَ وَاتَّشَحَ بِثَوْبٍ ، وَارْتَدَى بِآخَرَ ، وَأَقْبَلَ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَطَافَ أُسْبُوعًا ، ثُمَّ أَنْشَأَ ، يَقُولُ : يَا رَبِّ إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُوجَدْ فَجَمْعُ قَوْمِي كُلِّهِمْ مُتَرَدِّدٌ فَسَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي مِنْ جَوِّ الْهَوَاءِ : مَعَاشِرَ الْقَوْمِ لا تَصِيحُوا ، فَإِنَّ لِمُحَمَّدٍ رَبًّا لا يَخْذُلُهُ وَلا يُضَيِّعُهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : يَا أَيُّهَا الْهَاتِفُ ، مَنْ لَنَا بِهِ ؟ قَالُوا : بِوَادِي تِهَامَةَ عِنْدَ شَجَرَةِ الْيُمْنَى ، فَأَقْبَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، فَلَمَّا صَارَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ تَلَقَّاهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ ، فَصَارَا جَمِيعًا يَسِيرَانِ ، فَبَيْنَما هُمْ كَذَلِكَ ، إِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ يَجْذِبُ أَغْصَانَهَا ، وَيَعْبَثُ بِالْوَرَقِ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : مَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ ؟ فَقَالَ : أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : فَدَتْكَ نَفْسِي ، وَأَنَا جَدُّكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ ، وَعَانَقَهُ ، وَلَثَمَهُ ، وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ ، وَجَعَلَ يَبْكِي ، ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى قَرَبُوسِ سَرْجِهِ ، وَرَدَّهُ إِلَى مَكَّةَ ، فَاطْمَأَنَّتْ قُرَيْشٌ ، فَلَمَّا اطْمَأَنَّ النَّاسُ نَحَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِشْرِينَ جَزُورًا ، وَذَبَحَ الشَّاةَ وَالْبَقَرَ ، وَحَمَلَ طَعَامًا ، وَأَطْعَمَ أَهْلَ مَكَّةَ ، قَالَتْ حَلِيمَةُ : ثُمَّ جَهَّزَنِي عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِأَحْسَنِ الْجِهَازِ وَصَرَفَنِي ، فَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَأَنَا بِكُلِّ خَيْرِ دُنْيَا ، لا أُحْسِنُ وَصْفَ كُنْهِ خَيْرِي ، وَصَارَ مُحَمَّدٌ عِنْدَ جَدِّهِ ، قَالَتْ حَلِيمَةُ : وَحَدَّثْتُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بِحَدِيثِهِ كُلِّهِ ، فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَبَكَى ، وَقَالَ : يَا حَلِيمَةُ ، إِنَّ لابْنِي شَأْنًا ، وَدِدْتُ أَنِّي أُدْرِكُ ذَلِكَ الزَّمَانَ " .

الرواه :

الأسم الرتبة
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ

صحابي

عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ

ثقة

سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ

صدوق حسن الحديث

أَبِي

مقبول

يَعْقُوبُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ

مجهول الحال

مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلابِيُّ

يضع الحديث

أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الْعُمَانِيُّ

مقبول

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ

ثقة حافظ

Whoops, looks like something went wrong.