قَالَ : قَالَ : فَسَأَلْتُهُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ ؟ قَالَ : " كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَلَى أَرْبَعٍ : الْحِلْمِ ، وَالْحَذَرِ ، وَالتَّقْدِيرِ ، وَالتَّفَكُّرِ " وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ : وَالتَّفْكِيرِ ، " فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَتِهِ وَالنَّظَرِ وَالاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ ، وَأَمَّا تَذُكُّرُهُ ، أَوْ قَالَ : تَفَكُّرُهُ " قَالَ سَعِيدٌ : تَفَكُّرُهُ ، وَلَمْ يَشُكَّ . وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ : " تَفْكِيرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنِي ، وَجُمِعَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْحِلْمُ ، وَالصَّبْرُ ، فَكَانَ لا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلا يَسْتَفِزُّهُ . وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعٍ : أَخَذِهِ بِالْحُسْنَى " ، قَالَ سَعِيدٌ وَالْعَلَوِيُّ : " بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ ، وَتَرْكِهِ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ " وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ " لِيُتَنَاهَى عَنْهُ ، وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِيمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ ، وَالْقِيَامِ فِيمَا جَمَعَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ " وَفِي رِوَايَةِ الْعَلَوِيِّ : " وَالْقِيَامِ لَهُمْ فِيمَا جَمَعَ لَهُمْ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ : قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ : قَالَ لَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حِينَ فَرَغْنَا مِنْ سَمَاعِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْهُ : حَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَتَيْنِ ، قِيلَ لَهُ : مِنْ حِفْظِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قِيلَ لَهُ : مَتَى مَاتَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ ؟ قَالَ : سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَتَيْنِ بَعْدَمَا حَدَّثَنَا بِسَنَةٍ ، قُلْتُ : وَبَلَغَنِي عَنِ الْقُتَيْبِيِّ وَغَيْرِهِ ، فِي تَفْسِيرِ مَا عَسَى يُشْكِلُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ : كَانَ فَخْمًا مُفَخَّمًا " أَيْ عَظِيمًا مُعَظَّمًا . وَقَوْلُهُ : " أَقْصَرُ مِنَ الْمُشَذَّبِ " ، وَالْمُشَذَّبُ : الطَّوِيلُ الْبَائِنُ . وَقَوْلُهُ : " إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَقَ " أَصْلُ الْعَقِيقَةِ : شَعْرُ الصَّبِيِّ قَبْلَ أَنْ يُحْلَقَ ، فَإِذَا حُلِقَ وَنَبَتَ ثَانِيَةً فَقَدْ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْعَقِيقَةِ ، وَرُبَّمَا سُمِّيَ الشَّعْرُ عَقِيقَةً بَعْدَ الْحَلْقِ عَلَى الاسْتِعَارَةِ ، وَبِذَلِكَ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ يُرِيدُ : أَنَّهُ كَانَ لا يَفْرِقُ شَعْرَهُ إِلا أَنْ يَفْتَرِقَ هُوَ ، وَكَانَ هَذَا فِي صَدْرِ الإِسْلامِ ، ثُمَّ فَرَقَ ، قُلْتُ : وَقَالَ غَيْرُ الْقُتَيْبِيِّ ، فِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَى : " عَقِيصَتُهُ " قَالَ : الْعَقِيصَةُ : الشَّعْرُ الْمَعْقُوصُ ، وَهُوَ نَحْوٌ مِنَ الْمَضْفُورِ . قَالَ الْقُتَيْبِيُّ : وَقَوْلُهُ : " أَزْهَرُ اللَّوْنِ " يُرِيدُ : أَبْيَضُ اللَّوْنِ مُشْرِقُهُ ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الزَّهْرَةُ لِشِدَّةِ ضَوْئِهَا ، فَأَمَّا الأَبْيَضُ غَيْرُ الْمَشْرِقِ فَهُوَ الأَمْهَقُ . وَقَوْلُهُ : " أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ " الزَّجَجُ : طُولُ الْحَاجِبَيْنِ وَدِقَّتُهُمَا وَسُبُوغُهُمَا إِلَى مُؤَخَّرِ الْعَيْنَيْنِ . ثُمَّ وَصَفَ الْحَوَاجِبَ ، فَقَالَ : " سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ " ، وَالْقَرَنُ : أَنْ يَطُولَ الْحَاجِبَانِ حَتَّى يَلْتَقِي طَرَفَاهُمَا . وَهَذَا خِلافُ مَا وَصَفَتْهُ بِهِ أُمُّ مَعْبَدٍ ، لأَنَّهَا قَالَتْ فِي وَصْفِهِ : " أَزَجُّ أَقْرَنُ " وَلا أُرَاهُ إِلا كَمَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي هَالَةَ . وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ : كَانَتِ الْعَرَبُ تَكْرَهُ الْقَرَنَ ، وَتَسْتَحِبُّ الْبَلَجَ ، وَالْبَلَجُ : أَنْ يَنْقَطِعَ الْحَاجِبَانِ فَيَكُونَ مَا بَيْنَهُمَا نَقِيًّا . وَقَوْلُهُ : " أَقْنَى الْعِرْنِينِ " وَالْعِرْنِينُ : الْمَعْطِسُ وَهُوَ الْمَرْسِنُ . وَالْقَنَى فِيهِ : طُولُهُ وَدِقَّةُ أَرْنَبَتِهِ وَحَدَبٌ فِي وَسَطِهِ . وَقَوْلُهُ : " يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ " فَالشَّمَمُ : ارْتِفَاعُ الْقَصَبَةِ وَحُسْنُهَا ، وَاسْتِوَاءُ أَعْلاهَا ، وَإِشْرَافُ الأَرْنَبَةِ قَلِيلا . يَقُولُ : هُوَ لِحُسْنِ قَنَاءِ أَنْفِهِ وَاعْتِدَالِ ذَلِكَ يُحْسَبُ قَبْلَ التَّأَمُّلِ أَشَمَّ . وَقَوْلُهُ : " ضَلِيعُ الْفَمِ " أَيْ عَظِيمُهُ . وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَحْمَدُ ذَلِكَ وَتَذُمُّ صَغِيرَ الْفَمِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الضَّلِيعُ : الْمَهْزُولُ الذَّابِلُ . وَهُوَ فِي صِفَةِ فَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ذُبُولُ شَفَتَيْهِ وَرِقَّتُهُمَا وَحُسْنُهُمَا . وَقَوْلُهُ : فِي وَصْفِ مَنْطِقِهِ : " إِنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُ الْكَلامَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ " وَذَلِكَ لِرُحْبِ شِدْقَيْهِ ، وَعَنِ الأَصْمَعِيِّ ، قُلْتُ لأَعْرَابِيٍّ : مَا الْجَمَالُ ؟ فَقَالَ : غُثُوْرُ الْعَيْنَيْنِ ، وَإِشْرَافُ الْحَاجِبَيْنِ ، وَرُحْبُ الشِّدْقَيْنِ . فَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُتَشَادِقِينَ ، فَإِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الَّذِينَ يَتَشَادَقُونَ إِذَا تَكَلَّمُوا ، فَيَمِيلُونَ بِأَشْدَاقِهِمْ يَمِينًا وَشِمَالا ، وَيَتَنَطَّعُونَ فِي الْقَوْلِ . وَقَوْلُهُ : " أَشْنَبُ " مِنَ الشَّنَبِ فِي الأَسْنَانِ ، وَهُوَ : تَحَدُّدٌ فِي أَطْرَافِهَا . وَقَوْلُهُ : " دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ " فَالْمَسْرُبَةُ : الشَّعْرُ الْمُسْتَدِقُّ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ إِلَى السُّرَّةِ . وَقَوْلُهُ : " كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ " الْجِيدُ : الْعُنُقُ ، وَالدُّمْيَةُ : الصُّورَةُ شَبَّهَهَا فِي بَيَاضِهَا بِالْفِضَّةِ . وَقَوْلُهُ : " بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ " الْبَادِنُ : الضَّخْمُ ، يُرِيدُ أَنَّهُ مَعَ بَدَانَتِهِ مُتَمَاسِكُ اللَّحْمِ . وَقَوْلُهُ : " سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ " يُرِيدُ أَنَّ بَطْنَهُ غَيْرُ مُسْتَفِيضٍ ، فَهُوَ مُسَاوٍ لِصَدْرِهِ ، وَصَدْرُهُ عَرِيضٌ فَهُوَ مُسَاوٍ لِبَطْنِهِ . ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ : يُرِيدُ الأَعْضَاءَ . وَقَوْلُهُ : " أَنْوَرُ الْمُتَجَرَّدِ " وَالْمُتَجَرَّدُ : مَا جُرِّدَ عَنْهُ الثَّوْبُ مِنْ بَدَنِهِ ، وَهُوَ الْمُجَرَّدُ أَيْضًا ، وَأَنْورُ مِنَ النُّورِ : يُرِيدُ شِدَّةَ بَيَاضِهِ . وَقَوْلُهُ : " طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ " الزَّنْدُ مِنَ الذِّراعِ : مَا انْحَسَرَ عَنْهُ اللَّحْمُ وَلِلزَّنْدِ رَأْسَانِ : الْكُوعُ ، وَالْكُرْسُوعُ . فَالْكُرْسُوعُ : رَأْسُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ ، وَالْكُوعُ : رَأْسُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الإِبْهَامَ . وَقَوْلُهُ : " رَحْبُ الرَّاحَةِ " يُرِيدُ وَاسِعَ الرَّاحَةِ ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَحْمَدُ ذَلِكَ وَتَمْدَحُ بِهِ . وَقَوْلُهُ : " شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ " يُرِيدُ أَنَّهُمَا إِلَى الْغِلَظِ وَالْقِصَرِ . وَقَوْلُهُ : " سَائِلُ الأَطْرَافِ " يُرِيدُ الأَصَابِعَ أَنَّهَا طِوَالٌ لَيْسَتْ بِمُنْعَقِدَةٍ وَلا مُتَغَضِّنَةٍ . وَقَوْلُهُ : " خَمْصَانُ الأَخْمَصَيْنِ " . الأَخْمَصُ فِي الْقَدَمِ مِنْ تَحْتِهَا وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ عَنِ الأَرْضِ فِي وَسَطِهَا . أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ مُرْتَفِعٌ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَزَجَّ ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَوِي بَاطِنُ قَدَمِهِ حَتَّى يَمَسَّ الأَرْضَ جَمِيعُهُ . قُلْتُ : وَهَذَا بِخِلافِ مَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي وَصْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَّهُ كَانَ يَطَأُ بِقَدَمَيْهِ جَمِيعًا لَيْسَ لَهُ أَخْمَصُ " . وَقَوْلُهُ : " مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ " : يَعْنِي أَنَّهُ مَمْسُوحُ ظَاهِرِ الْقَدَمَيْنِ ، فَالْمَاءُ إِذَا صُبَّ عَلَيْهَا مَرَّ عَلَيْهَا مَرًّا سَرِيعًا ، لاسْتِوَائِهِمَا وَانْمِلاسِهِمَا . وَقَوْلُهُ : " يَخْطُو تَكَفِّيًا أَيْ يَمْشِي هَوْنًا " يُرِيدُ أَنَّهُ يَمِيدُ إِذَا خَطَا ، وَيَمْشِي فِي رِفْقٍ غَيْرَ مُخْتَالٍ . وَقَوْلُهُ : " ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ " يُرِيدُ أَنَّهُ مَعَ هَذَا الرِّفْقِ سَرِيعُ الْمِشْيَةِ . وَقَوْلُهُ : " إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ " الصَّبَبُ : الانْحِدَارُ . وَقَوْلُهُ : " يَسُوقُ أَصْحَابَهُ " يُرِيدُ أَنَّهُ إِذَا مَشَى مَعَ أَصْحَابِهِ قَدَّمَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَشَى وَرَاءَهُمْ . وَقَوْلُهُ : " دَمِثًا " يَعْنِي سَهْلا لَيِّنًا . وَقَوْلُهُ : " لَيْسَ بِالْجَافِي وَلا الْمُهِينِ " يُرِيدُ أَنَّهُ لا يَجْفُو النَّاسُ وَلا يُهِينُهُمْ . وَيُرْوَى : " وَلا الْمَهِينِ " فَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ أَرَادَ لَيْسَ بِالْفَظِّ الْغَلِيظِ الْجَافِي ، وَلا الْحَقِيرِ الضَّعِيفِ . وَقَوْلُهُ : " وَيُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ " يَقُولُ : لا يَسْتَصْغِرُ شَيْئًا أُوتِيهِ ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَلا يَسْتَحْقِرُهُ . وَقَوْلُهُ : " لا يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلا يَمْدَحُهُ " يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ لا يَصِفُ الطَّعَامَ بِطِيبٍ وَلا بِفَسَادٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ . وَقَوْلُهُ : " أَعْرَضَ وَأَشَاحَ " يُقَالُ : أَشَاحَ إِذَا جَدَّ ، يُقَالُ : أَشَاحَ إِذَا عَدَلَ بِوَجْهِهِ . وَهَذَا مَعْنَى الْحَرْفِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ . وَقَوْلُهُ : " يَفْتَرُّ " أَيْ يَبْتَسِمُ . وَحَبُّ الْغَمَامِ : الْبَرَدُ ، شَبَّهَ ثَغْرَهُ بِهِ . وَقَوْلُهُ : " فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ " يُرِيدُ : أَنَّ الْعَامَّةَ كَانَتْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ فِي مَنْزِلَهِ ذَلِكَ الْوَقْتَ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُوَصِّلُ إِلَيْهَا حَظَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ بِالْخَاصَّةِ الَّتِي تَصِلُ إِلَيْهِ ، فَيُوَصِّلُهَا إِلَى الْعَامَّةِ . وَقَوْلُهُ : " يَدْخُلُونَ رُوَّادًا " يُرِيدُ طَالِبِينَ مَا عِنْدَهُ مِنَ النَّفْعِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ . وَقَوْلُهُ : " لا يَتَفَرَّقُونَ إِلا عَنْ ذَوَاقٍ " الذَّوَاقُ : أَصْلُهُ : الطَّعْمُ هَهُنَا ، وَلَكِنَّهُ ضَرَبَهُ مَثْلا لِمَا يَنَالُونَ عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ . وَقَوْلُهُ : " وَيَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِهِ أَدِلَّةً " يُرِيدُ بِمَا قَدْ عَلِمُوهُ فَيَدُلُّونَ النَّاسَ عَلَيْهِ . وَقَوْلُهُ : " لا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرَمُ " أَيْ لا تُقْتَرَفُ فِيهِ . وَقَوْلُهُ : " لا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ " أَيْ لا يُتَحَدَّثُ بِهَفْوَةٍ أَوْ زَلَّةٍ إِنْ كَانَتْ فِي مَجْلِسِهِ مِنْ بَعْضِ الْقَوْمِ . يُقَالُ : نَثَوْتُ الْحَدِيثَ فَأَنَا أَنْثُوهُ إِذَا أَذَعْتُهُ . وَالْفَلَتَاتُ : جَمَعَ فَلْتَةٍ ، وَهُوَ هَهُنَا : الزَّلَّةُ وَالسَّقْطَةُ . وَقَوْلُهُ : " إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ " يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ وَلا يَتَحَرَّكُونَ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ . وَالطَّيْرُ لا تَسْقُطُ إِلا عَلَى سَاكِنٍ . قَوْلُهُ : " لا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلا مِنْ مُكَافِئٍ " يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ابْتُدِئَ بِمَدْحٍ كَرِهَ ذَلِكَ ، وَكَانَ إِذَا اصْطَنَعَ مَعْرُوفًا فَأَثْنَى بِهِ عَلَيْهِ مُثْنٍ وَشَكَرَهُ قَبِلَ ثَنَاءَهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الأَنْبَارِيِّ هَذَا غَلَطٌ ، لأَنَّهُ لا يَنْفَكُّ أَحَدٌ مِنْ إِنْعَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبَسَطَ الْكَلامَ فِيهِ . وَإِنَّمَا الْمَعْنَى : أَنَّهُ لا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ إِلا مِنْ رَجُلٍ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ إِسْلامِهِ ، وَيَكُونُ مُكَافِئًا بِثَنَائِهِ عَلَيْهِ مَا سَلَفَ مِنْ نِعْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ . وَقَالَ الأَزْهَرِيُّ : مَعْنَاهُ : إِلا مِنْ مُقَارِبٍ فِي مَدْحِهِ غَيْرِ مُجَاوِزٍ بِهِ حَدَّ مِثْلِهِ وَلا مُقَصِّرٍ بِهِ عَمَّا رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ . أَلا تَرَاهُ يَقُولُ : " لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ، وَلَكِنْ قُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " . فَإِذَا قِيلَ : نَبِيُّ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، فَقَدِ وُصِفَ بِمَا لا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ ، فَهُوَ مَدْحٌ لَهُ مُكَافِئٌ لَهُ . قُلْتُ : وَقَدْ يُخَرَّجُ قَوْلُ الْقُتَيْبِيِّ صَحِيحًا ، فَإِنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ، فَكَانَ لا يَقْبَلُهُ إِلا مِمَّنْ كَانَ قَدِ اصْطَنَعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفًا عَلَى الْخُصُوصِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قُلْتُ : وَقَدْ رَوَى صُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْفَرْغَانِيُّ وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ ، حَدِيثًا آخَرَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَدْرَجَ فِيهِ تَفْسِيرَ بَعْضِ أَلْفَاظِهِ ، وَلَمْ يبَيِّنْ قَائِلَ تَفْسِيرِهِ فِيمَا سَمِعْنَا ، إِلا أَنَّهُ يُوَافِقُ جُمْلَةَ مَا رُوِّينَا فِي الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَالْمَشْهُورَةِ فرُوِّينَاهُ ، وَالاعْتِمَادُ عَلَى مَا مَضَى .
الأسم | الشهرة | الرتبة |