أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ , ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي جَدِّي ، قَالَ : أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ، وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ , قَالَ : فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَتْلِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ شَهْرَيْنِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِي عِيرِ قُرَيْشٍ مِنَ الشَّامِ ، وَمَعَهُ سَبْعُونَ رَاكِبًا مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا ، وَفِيهِمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّامِ وَمَعَهُمْ خَزَائِنُ أَهْلِ مَكَّةَ ، وَيُقَالُ : كَانَتْ عِيرُهُمْ أَلْفَ بَعِيرٍ ، وَلَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ مِنْ قُرَيْشٍ أُوقِيَّةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلا بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي سُفْيَانَ ، إِلا حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى فَلِذَلِكَ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهُ ، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ، وَقَدْ كَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ , وَقَتْلُ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ ، وَأَسْرُ الرَّجُلَيْنِ عُثْمَانَ وَالْحَكَمِ , فَلَمَّا ذُكِرَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدِيَّ بْنَ أَبِي الزَّغْبَاءِ الأَنْصَارِيَّ مِنْ بَنِي غَنْمٍ ، وَأَصْلُهُ مِنْ جُهَيْنَةَ ، وَبَسْبَسً يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو ، إِلَى الْعِيرِ عَيْنًا لَهُ ، فَسَارَا حَتَّى أَتَيَا حَيًّا مِنْ جُهَيْنَةَ قَرِيبًا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ ، فَسَأَلُوهُمْ عَنِ الْعِيرِ وَعَنْ تُجَّارِ قُرَيْشٍ ، فَأَخْبَرُوهُمَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ ، فَرَجَعَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ , فَاسْتَنْفَرَا الْمُسْلِمِينَ لِلْعِيرِ ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ , وَقَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى الْجُهَنِيِّينَ وَهُوَ مُتَخَوِّفٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ , فَقَالَ : أَحَسُّوا مِنْ مُحَمَّدٍ ؟ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَ الرَّاكِبَيْنِ عَدِيِّ بْنِ أَبِي الزَّغْبَاءِ ، وَبَسْبَسٍ ، وَأَشَارُوا إِلَى مُنَاخِهِمَا ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : خُذُوا مِنْ بَعْرِ بَعِيرَيْهِمَا ، فَفَتَّهُ فَوَجَدَ فِيهِ النَّوَى ، فَقَالَ : هَذِهِ عَلائِفُ أَهْلِ يَثْرِبَ ، وَهَذِهِ عُيُونُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ، فَسَارُوا سِرَاعًا خَائِفِينَ للْطَلَبِ ، وَبَعَثَ أَبُو سُفْيَانَ رَجُلا مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، يُقَالُ لَهُ : ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو ، إِلَى قُرَيْشٍ : أَنِ انْفِرُوا فَاحْمُوا عِيرَكُمْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ، فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لِيَعْرِضُوا لَنَا , وَكَانَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَاكِنَةً بِمَكَّةَ ، وَهِيَ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَتْ مَعَ أَخِيهَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَرَأَتْ رُؤْيَا قَبْلَ بَدْرٍ ، وَقَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ عَلَيْهِمْ ، فَفَزِعَتْ مِنْهَا ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَخِيهَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ لَيْلَتِهَا ، فَجَاءَهَا الْعَبَّاسُ فَقَالَتْ : رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا قَدْ أَشْفَقْتُ مِنْهَا ، وَخَشِيتُ عَلَى قَوْمِكَ مِنْهَا الْهَلَكَةَ ، قَالَ : وَمَاذَا رَأَيْتِ ؟ قَالَتْ : لَنْ أُحَدِّثَكَ حَتَّى تُعَاهِدَنِي أَنَّكَ لا تَذْكُرُهَا ، فَإِنَّهُمْ إِنْ سَمِعُوهَا آذَوْنَا وَأَسْمَعُونَا مَا لا نُحِبُّ ، فَعَاهَدَهَا الْعَبَّاسُ ، فَقَالَتْ : رَأَيْتُ رَاكِبًا أَقْبَلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَصِيحُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : يَا آلَ غُدَرٍ ، اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاثٍ ، فَأَقْبَلَ يَصِيحُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، فَصَاحَ ثَلاثَ صَيْحَاتٍ ، وَمَالَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ ، وَفَزِعَ لَهُ النَّاسُ أَشَدَّ الْفَزَعِ ، قَالَتْ : ثُمَّ أُرَاهُ مَثَلَ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، فَصَاحَ ثَلاثَ صَيْحَاتٍ , فَقَالَ : يَا آلَ غُدَرٍ ، وَيَا آلَ فُجَرٍ اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاثٍ ، ثُمَّ أُرَاهُ مَثَلَ عَلَى ظَهْرِ أَبِي قُبَيْسٍ ، كَذَلِكَ يَقُولُ : يَا آلَ غُدَرٍ ، وَيَا آلَ فُجَرٍ ، حَتَّى أَسْمَعَ مَنْ بَيْنَ الأَخْشَبَيْنِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فَنَزَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ ، فَأَقْبَلَتِ الصَّخْرَةُ لَهَا حِسٌّ شَدِيدٌ ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَصْلِ الْجَبَلِ ارْفَضَّتْ ، فَلا أَعْلَمُ بِمَكَّةَ دَارًا وَلا بَيْتًا إِلا قَدْ دَخَلَتْهَا فِلْقَةٌ مِنْ تِلْكَ الصَّخْرَةِ ، فَقَدْ خَشِيتُ عَلَى قَوْمِكَ , فَفَزِعَ الْعَبَّاسُ مِنْ رُؤْيَاهَا ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا ، فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلَةِ ، وَكَانَ الْوَلِيدُ خَلِيلا لِلْعَبَّاسِ ، فَقَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَا عَاتِكَةَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ لا يَذْكُرَهَا لأَحَدٍ ، فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ لأَبِيهِ عُتْبَةَ ، وَذَكَرَهَا عُتْبَةُ لأَخِيهِ شَيْبَةَ ، فَارْتَفَعَ الْحَدِيثُ حَتَّى بَلَغَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ ، وَاسْتَفَاضَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ , فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَا الْعَبَّاسُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ ، فَوَجَدَ فِي الْمَسْجِدِ أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ , وَأُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ , وَزَمْعَةَ بْنَ الأَسْوَدِ , وَأَبَا الْبَخْتَرِيِّ ، فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَتَحَدَّثُونَ ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى الْعَبَّاسِ نَادَاهُ أَبُو جَهْلٍ : يَا أَبَا الْفَضْلِ ، إِذَا قَضَيْتَ طَوَافَكَ فَهَلُمَّ إِلَيْنَا ، فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : مَا رُؤْيَا رَأَتْهَا عَاتِكَةُ ؟ فَقَالَ : مَا رَأَتْ مِنْ شَيْءٍ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : أَمَا رَضِيتُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ بِكَذِبِ الرِّجَالِ حَتَّى جِئْتُمُونَا بِكَذِبِ النِّسَاءِ ، إِنَّا كُنَّا وَإِيَّاكُمْ كَفَرَسَيْ رِهَانٍ ، فَاسْتَبَقْنَا الْمَجْدَ مُنْذُ حِينٍ ، فَلَمَّا تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ قُلْتُمْ مِنَّا نَبِيٌّ ، فَمَا بَقِيَ إِلا أَنْ تَقُولُوا : مِنَّا نَبِيَّةٌ ، فَمَا أَعْلَمُ فِي قُرَيْشٍ أَهْلَ بَيْتٍ أَكْذَبَ امْرَأَةً وَلا رَجُلا مِنْكُمْ ، وَآذَاهُ أَشَدَّ الأَذَى , وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : زَعَمَتْ عَاتِكَةُ , أَنَّ الرَّاكِبَ قَالَ : اخْرُجُوا فِي لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاثٍ ، فَلَوْ قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الثَّلاثُ تَبَيَّنَتْ قُرَيْشٌ كَذِبَكُمْ ، وَكَتَبْنَا سِجِلا أَنَّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ فِي الْعَرَبِ رَجُلا وَامْرَأَةً , أَمَا رَضِيتُمْ يَا بَنِي قُصِيٍّ أَنْ ذَهَبْتُمْ بِالْحِجَابَةِ وَالنَّدْوَةِ وَالسِّقَايَةِ وَاللِّوَاءِ وَالرِّفَادَةِ ، حَتَّى جِئْتُمُونَا بِنَبِيٍّ مِنْكُمْ ؟ فَقَالَ الْعَبَّاسُ : هَلْ أَنْتَ مُنْتَهٍ ، فَإِنَّ الْكَذِبَ فِيكَ وَفِي أَهْلِ بَيْتِكَ ، فَقَالَ مَنْ حَضَرَهُمَا : مَا كُنْتَ يَا أَبَا الْفَضْلِ جَهُولا ، وَلا خَرِقًا , وَلَقِيَ الْعَبَّاسُ مِنْ عَاتِكَةَ فِيمَا أَفْشَى عَلَيْهَا مِنْ رُؤْيَاهَا أَذًى شَدِيدًا ، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي رَأَتْ عَاتِكَةُ فِيهَا الرُّؤْيَا ، جَاءَهُمُ الرَّاكِبُ الَّذِي بَعَثَ أَبُو سُفْيَانَ ، وَهُوَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ ، فَصَاحَ فَقَالَ : يَا آلَ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ ، انْفِرُوا فَقَدْ خَرَجَ مُحَمَّدٌ وَأَهْلُ يَثْرِبَ يَعْتَرِضُونَ لأَبِي سُفْيَانَ ، فَأَحْرِزُوا عِيرَكُمْ ، فَفَزِعَتْ قُرَيْشٌ أَشَدَّ الْفَزَعِ ، وَأَشْفَقُوا مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ , وَقَالَ الْعَبَّاسُ : هَذَا زَعَمْتُمْ كَذَا ، وَكَذَّبَ عَاتِكَةَ ، فَنَفَرُوا عَلَى كُلِّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ , وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : أَيَظُنُ مُحَمَّدٌ أَنْ يُصِيبَ مِثْلَ مَا أَصَابَ بِنَخْلَةَ ، سَيعْلَمُ أَنَمْنَعُ عِيرَنَا أَمْ لا , فَخَرَجُوا بِخَمْسِينَ وَتِسْعِ مِائَةِ مُقَاتِلٍ ، وَسَاقُوا مِائَةَ فَرَسٍ ، وَلَمْ يَتْرُكُوا كَارِهًا لِلْخُرُوجِ يَظُنُّونَ أَنَّهُ فِي صَغْوِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ ، وَلا مُسْلِمًا يَعْلَمُونَ إِسْلامَهُ ، وَلا أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلا مَنْ لا يَتَّهِمُونَ إِلا أَشْخَصُوهُ مَعَهُمْ ، فَكَانَ مِمَّنْ أَشْخَصُوا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَطَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فِي آخَرِينَ ، فَهُنَالِكَ يَقُولُ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : إِمَّا يَخْرُجَنَّ طَالِبْ بِمِقْنَبٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَانِبْ فِي نَفَرٍ مُقَاتِلٍ مُحَارِبْ فَلْيَكُنِ الْمَسْلُوبُ غَيْرَ السَّالِبْ وَالرَّاجِعُ الْمَغْلُوبُ غَيْرَ الْغَالِبْ فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا الْجُحْفَةَ ، نَزَلُوهَا عِشَاءً يَتَرَوَّوْنَ مِنَ الْمَاءِ ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنَ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، يُقَالُ لَهُ : جُهَيْمُ بْنُ الصَّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، فَوَضَعَ جُهَيْمٌ رَأْسَهُ فَأَغْفَى ثُمَّ فَزِعَ , فَقَالَ لأَصْحَابِهِ : هَلْ رَأَيْتُمُ الْفَارِسَ الَّذِي وَقَفَ عَلَيَّ آنِفًا ؟ فَقَالُوا : لا ، فَإِنَّكَ مَجْنُونٌ ، فَقَالَ : قَدْ وَقَفَ عَلَيَّ فَارِسٌ آنِفًا , فَقَالَ : قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ ، وَعُتْبَةُ ، وَشَيْبَة , وَزَمْعَةُ ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ ، فَعَدَّ أَشْرَافًا مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : إِنَّمَا لَعِبَ بِكَ الشَّيْطَانُ ، وَرُفِعَ حَدِيثُ جُهَيْمٍ إِلَى أَبِي جَهْلٍ , فَقَالَ : قَدْ جِئْتُمُونَا بِكَذِبِ بَنِي الْمُطَّلِبِ مَعَ كَذِبِ بَنِي هَاشِمٍ ، سَتَرَوْنَ غَدًا مَنْ يُقْتَلُ , ثُمَّ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيرُ قُرَيْشٍ جَاءَتْ مِنَ الشَّامِ وَفِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، وَمَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَلَكَ حِينَ خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ ، وَرَجَعَ حِينَ رَجَعَ مِنْ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ ، فَنَفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَفَرَ وَمَعَهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ رَجُلا , وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُلَيْحٍ : ثَلاثُ مِائَةٍ وَثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا ، وَأَبْطَأَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَتَرَبَّصُوا ، وَكَانَتْ أَوَّلَ وَقْعَةٍ أَعَزَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا الإِسْلامَ , فَخَرَجَ فِي رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ ، وَمَعَهُ الْمُسْلِمُونَ لا يُرِيدُونَ إِلا الْعِيرَ ، فَسَلَكَ عَلَى نَقْبٍ مِنْ بَنِي دِينَارٍ وَالْمُسْلِمُونَ غَيْرُ مُقَوِّينَ مِنَ الظَّهْرِ ، وَإِنَّمَا خَرَجُوا عَلَى النَّوَاضِحِ يَعْتَقِبُ النَّفَرُ مِنْهُمْ عَلَى الْبَعِيرِ الْوَاحِدِ ، وَكَانَ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَمَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ حَلِيفُ حَمْزَةَ ، فَهُمْ مَعَهُ لَيْسَ مَعَهُمْ إِلا بَعِيرٌ وَاحِدٌ ، فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِعِرْقِ الظَّبْيَةِ لَقِيَهُمْ رَاكِبٌ مِنْ قِبَلِ تِهَامَةَ ، وَالْمُسْلِمُونَ يَسِيرُونَ ، فَوَافَقَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ ، فَقَالَ : لا عِلْمَ لِي بِهِ ، فَلَمَّا يَئِسُوا مِنْ خَبَرِهِ , قَالُوا لَهُ : سَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : وَفِيكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : أَيُّكُمْ هُوَ ؟ فَأَشَارُوا لَهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ : أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا تَقُولُ ، قَالَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : إِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ كَمَا تَزْعُمُ ، فَحَدِّثْنِي بِمَا فِي بَطْنِ نَاقَتِي هَذِهِ ، فَغَضِبَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ ، يُقَالُ لَهُ : سَلَمَةُ بْنُ سَلامَةَ بْنِ وَقْشٍ ، فَقَالَ لِلأَعْرَابِيِّ : وَقَعْتَ عَلَى نَاقَتِكَ فَحَمَلَتْ مِنْكَ ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ سَلَمَةُ حِينَ سَمِعَهُ أَفْحَشَ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ , ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَلْقَاهُ خَبَرٌ وَلا يَعْلَمُ بِنُفْرَةِ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ : " أَشِيرُوا عَلَيْنَا فِي أَمْرِنَا وَمَسِيرِنَا " ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَسَافَةِ الأَرْضِ ، أَخْبَرَنَا عَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْبَاءِ أَنَّ الْعِيرَ كَانَتْ بِوَادِي كَذَا وَكَذَا ، قَالَ ابْنُ فُلَيْحٍ فِي رِوَايَتِهِ : فَكَأَنَّا وَإِيَّاهُمْ فَرَسَا رِهَانٍ إِلَى بَدْرٍ ثُمَّ اتَّفَقَا ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ : " أَشِيرُوا عَلَيَّ " ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهَا قُرَيْشٌ وَعِزُّهَا ، وَاللَّهِ مَا ذَلَّتْ مُنْذُ عَزَّتْ ، وَلا آمَنَتْ مُنْذُ كَفَرَتْ ، وَاللَّهِ لَتُقَاتِلَنَّكَ , فَتَأَهَّبْ لِذَلِكَ أُهْبَتَهُ وَأَعْدِدْ لَهُ عُدَّتَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَشِيرُوا عَلَيَّ " ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو عَدِيدُ بَنِي زُهْرَةَ : إِنَّا لا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ سورة المائدة آية 24 ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَّبِعُونَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَشِيرُوا عَلَيَّ " ، فَلَمَّا رَأَى سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ كَثْرَةَ اسْتَشَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فَيُشِيرُونَ فَيَرْجِعُ إِلَى الْمَشُورَةِ , ظَنَّ سَعْدٌ أَنَّهُ يَسْتَنْطِقُ الأَنْصَارَ شَفَقًا أَلا يَسْتَحْوِذُوا مَعَهُ , أَوْ قَالَ : أَلا يَسْتَجْلِبُوا مَعَهُ , عَلَى مَا يُرِيدُ مِنْ أَمْرِهِ ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : لَعَلَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَخْشَى أَنْ لا تَكُونَ الأَنْصَارُ يُرِيدُونَ مُوَاسَاتَكَ ، وَلا يَرَوْنَهَا حَقًّا عَلَيْهِمْ ، إِلا بِأَنْ يَرَوْا عَدُوًّا فِي بُيوتِهِمْ وَأَوْلادِهِمْ وَنِسَائِهِمْ , وَإِنِّي أَقُولُ عَنِ الأَنْصَارِ وَأُجِيبُ عَنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَظْعِنْ حَيْثُ شِئْتَ ، وَصِلْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ ، وَاقْطَعْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ ، وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ ، وَأَعْطِنَا مَا شِئْتَ ، وَمَا أَخَذْتَهُ مِنَّا أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا تَرَكْتَ عَلَيْنَا ، وَمَا ائْتَمَرْتَ مِنْ أَمْرٍ فَأَمْرُنَا لأَمْرِكَ فِيهِ تَبَعٌ ، فَوَاللَّهِ لَوْ سِرْتَ حَتَّى تَبْلُغَ الْبَرْكَ مِنْ غِمْدِ ذِي يَمَنٍ لَسِرْنَا مَعَكَ , فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ سَعْدٌ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنِّي قَدْ أُرِيتُ مَصَارِعَ الْقَوْمِ " , فَعَمَدَ لِبَدْرٍ , وَخَفَضَ أَبُو سُفْيَانَ ، فَلَصِقَ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ وَخَافَ الرَّصَدَ عَلَى بَدْرٍ وَكَتَبَ إِلَى قُرَيْشٍ حِينَ خَالَفَ مَسِيرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَحْرَزَ مَا مَعَهُ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا ، فَإِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتُحْرِزُوا رَكْبَكُمْ ، فَقَدْ أُحْرِزَ لَكُمْ ، فَلَقِيَهُمْ هَذَا الْخَبَرُ بِالْجُحْفَةِ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : وَاللَّهِ لا نَرْجِعُ حَتَّى نَقْدَمَ بَدْرًا فَنُقِيمَ بِهَا ، وَنُطْعِمَ مَنْ حَضَرَنَا مِنَ الْعَرَبِ ، فَإِنَّهُ لَنْ يَرَانَا أَحَدٌ مَنَ الْعَرَبِ فَيُقَاتِلَنَا ، فَكَرِهَ ذَلِكَ الأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ فَأَحَبَّ أَنْ يَرْجِعُوا , وَأَشَارَ عَلَيْهِمْ بِالرَّجْعَةِ ، فَأَبَوْا وَعَصَوْهُ وَأَخَذَتْهُمْ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَلَمَّا يَئِسَ الأَخْنَسُ مِنْ رُجُوعِ قُرَيْشٍ , أَكَبَّ عَلَى بَنِي زُهْرَةَ فَأَطَاعُوهُ فَرَجَعُوا ، فَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَدْرًا ، وَاغْتَبَطُوا بِرَأْيِ الأَخْنَسِ وَتَبَرَّكُوا بِهِ ، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مُطَاعًا حَتَّى مَاتَ , وَأَرَادَتْ بَنُو هَاشِمٍ الرُّجُوعَ فِيمَنْ رَجَعَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ , وَقَالَ : وَاللَّهِ لا تُفَارِقُنَا هَذِهِ الْعِصَابَةُ حَتَّى نَرْجِعَ , وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ بَدْرٍ عِشَاءً ، ثُمَّ بَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ ، وَبَسْبَسً الأَنْصَارِيَّ عَدِيدَ بَنِي سَاعِدَةَ هُوَ أَحَدُ جُهَيْنَةَ ، فِي عِصَابَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُمُ : " انْدَفِعُوا إِلَى هَذِهِ الظِّرَابِ ، وَهُوَ فِي نَاحِيَةِ بَدْرٍ ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَجِدُوا الْخَيْرَ عِنْدَ الْقَلِيبِ الَّذِي يَلِي الظِّرَابِ " ، فَانْطَلَقُوا مُتَوَشِّحِي السُّيُوفَ ، فَوَجَدُوا وَارِدَ قُرَيْشٍ عِنْدَ الْقَلِيبِ الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخَذُوا غُلامَيْنِ أَحَدُهُمَا لِبَنِي الْحَجَّاجِ أَسْوَدُ ، وَالآخَرُ لآلِ الْعَاصِ يُقَالُ لَهُ : أَسْلَمُ ، وَأَفْلَتَ أَصْحَابُهُمَا قِبَلَ قُرَيْشٍ ، فَأَقْبَلُوا بِهِمَا حَتَّى أَتَوْا بِهِمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ فِي مُعَرَّسِهِ دُونَ الْمَاءِ ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَ الْعَبْدَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ ، لا يَرَوْنَ إِلا أَنَّهُمَا لَهُمْ ، فَطَفِقَا يُحَدِّثَانِهِمْ عَنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ وَعَنْ رُءُوسِهِمْ فَيُكَذِّبُونَهُمَا ، وَهُمْ أَكْرَهُ شَيْءٍ لِلَّذِي يُخْبِرَانِهِمْ ، وَكَانُوا يَطْمَعُونَ بِأَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ وَيَكْرَهُونَ قُرَيْشًا ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُصَلِّي يَسْمَعُ وَيَرَى الَّذِي يَصْنَعُونَ بِالْعَبْدَيْنِ ، فَجَعَلَ الْعَبْدَانِ إِذَا أَذْلَقُوهُمَا بِالضَّرْبِ يَقُولانِ : نَعَمْ ، هَذَا أَبُو سُفْيَانَ وَالرَّكْبُ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا سورة الأنفال آية 42 ، قَالَ : فَطَفِقُوا , إِذَا قَالَ الْعَبْدَانِ : هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جَاءَتْكُمْ كَذَّبُوهُمَا ، وَإِذَا قَالا : هَذَا أَبُو سُفْيَانَ ، تَرَكُوهُمَا , فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنِيعَهُمْ بِهِمَا سَلَّمَ مِنْ صَلاتِهِ فَقَالَ : " مَاذَا أَخْبَرَاكُمْ ؟ " قَالُوا : أَخْبَرَانَا أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ جَاءَتْ ، قَالَ : " فَإِنَّهُمَا قَدْ صَدَقَا ، وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَضْرِبُونَهُمَا إِذَا صَدَقَا ، وَتَتْرُكُونَهُمَا إِذَا كَذَبَا ، خَرَجَتْ قُرَيْشٌ لِتُحْرِزَ رَكْبَهَا وَخَافُوكُمْ عَلَيْهِمْ " ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبْدَيْنِ فَسَأَلَهُمَا ، فَأَخْبَرَاهُ بِقُرَيْشٍ , وَقَالا : لا عِلْمَ لَنَا بِأَبِي سُفْيَانَ ، فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَمِ الْقَوْمُ ؟ " , قَالا : لا نَدْرِي ، وَاللَّهِ هُمْ كَثِيرٌ , فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ أَطْعَمَهُمْ أَمْسُ ؟ " فَسَمَّيَا رَجُلا مِنَ الْقَوْمِ ، قَالَ : " كَمْ نَحَرَ لَهُمْ ؟ " قَالا : عَشْرَ جَزَائِرَ ، قَالَ : " فَمَنْ أَطْعَمَهُمْ أَوَّلَ أَمْسُ ؟ " فَسَمَّيَا رَجُلا آخَرَ مِنَ الْقَوْمِ ، فَقَالَ : " كَمْ نَحَرَ لَهُمْ ؟ " قَالا : تِسْعًا ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْقَوْمُ مَا بَيْنَ التِّسْعِ مِائَةِ وَالأَلْفِ " ، يَعْتَبِرُ ذَلِكَ بِتِسْعِ جَزَائِرَ يَنْحَرُونَهَا يَوْمًا ، وَعَشْرًا يَنْحَرُونَهَا يَوْمًا , وَزَعَمُوا أَنَّ أَوَّلَ مَنْ نَحَرَ لَهُمْ حِينَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ ، وَنَحَرَ لَهُمْ بِمَرٍّ عَشْرَ جَزَائِرَ ، ثُمَّ نَحَرَ لَهُمْ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ بِعُسْفَانَ تِسْعَ جَزَائِرَ ، وَنَحَرَ لَهُمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو بِقُدَيْدٍ عَشْرَ جَزَائِرَ ، وَمَالُوا مِنْ قُدَيْدٍ إِلَى مِيَاهٍ مِنْ نَحْوِ الْبَحْرِ فَظَلُّوا فِيهَا وَأَقَامُوا بِهَا يَوْمًا ، فَنَحَرَ لَهُمْ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ تِسْعًا ، ثُمَّ أَصْبَحُوا بِالْجُحْفَةِ فَنَحَرَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَشْرًا ، ثُمَّ أَصْبَحُوا بِالأَبْوَاءِ فَنَحَرَ لَهُمْ نُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ , أَوْ قَالَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ : عَشْرًا ، وَنَحَرَ لَهُمُ الْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ تِسْعًا ، وَنَحَرَ لَهُمْ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ عَلَى مَاءِ بَدْرٍ عَشْرَ جَزَائِرَ ، وَنَحَرَ لَهُمْ مِقْيَسٌ الْجُمَحِيُّ عَلَى مَاءِ بَدْرٍ تِسْعًا ، ثُمَّ شَغَلَتْهُمُ الْحَرْبُ فَأَكَلُوا مِنْ أَذْوَادِهِمْ , فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْمَنْزِلِ " ، فَقَامَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي سَلِمَةَ ، فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَالِمٌ بِهَا وَبِقُلُبِهَا ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَسِيرَ إِلَى قَلِيبٍ مِنْهَا قَدْ عَرَفْتُهَا كَثِيرَةِ الْمَاءِ عَذْبَةٍ ، فَتَنْزِلَ عَلَيْهَا وَتَسْبِقَ الْقَوْمَ إِلَيْهَا وَتُغَّوِرَ مَا سِوَاهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سِيرُوا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَكُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ " ، فَوَقَعَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ كَثِيرُ الْخَوْفِ ، وَكَانَ فِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ تَخَاذُلٍ مِنْ تَخْوِيفِ الشَّيْطَانِ , فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مُسَابِقِينَ إِلَى الْمَاءِ ، وَسَارَ الْمُشْرِكُونَ سِرَاعًا يُرِيدُونَ الْمَاءَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَطَرًا وَاحِدًا فَكَانَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بَلاءً شَدِيدًا مَنَعَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا ، وَكَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ دِيمَةً خَفِيفَةً لَبَّدَ لَهُمُ الْمَسِيرَ وَالْمَنْزِلَ ، وَكَانَتْ بَطْحَاءَ دَهِسَةً ، فَسَبَقَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْمَاءِ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ شَطْرَ اللَّيْلِ ، فَاقْتَحَمَ الْقَوْمُ فِي الْقَلِيبِ فَمَاحُوهَا حَتَّى كَثُرَ مَاؤُهَا ، وَصَنَعُوا حَوْضًا عَظِيمًا ، ثُمَّ غَوَّرُوا مَا سِوَاهُ مِنَ الْمِيَاهِ ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَذِهِ مَصَارِعُهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْغَدَاةِ " ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ سورة الأنفال آية 11 ، وَيُقَالُ : كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسَانِ عَلَى أَحَدِهِمَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، وَعَلَى الآخَرِ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ ، وَمَرَّةً الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ ، وَمَرَّةً الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ ، ثُمَّ صَفَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحِيَاضِ ، فَلَمَّا طَلَعَ الْمُشْرِكُونَ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , زَعَمُوا : " اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جَاءَتْ بِخُيَلائِهَا وَفَخْرِهَا تُحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَا وَعَدْتَنِي " ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمْسِكٌ بِعَضُدِ أَبِي بَكْرٍ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَا وَعَدْتَنِي " ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَبْشِرْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُنْجِزَنَّ اللَّهُ تَعَالَى لَكَ مَا وَعَدَكَ ، فَاسْتَنْصَرَ الْمُسْلِمُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَاسْتَغَاثُوهُ ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ , وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ وَمَعَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ ، يُحَدِّثُهُمْ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ وَرَاءَهُ قَدْ أَقْبَلُوا لِنَصْرِهِمْ ، وَأَنَّهُ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ ، وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ، لِمَا أَخْبَرَهُمْ مِنْ سَيْرِ بَنِي كِنَانَةَ , قَالَ : وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ سورة الأنفال آية 47 هَذِهِ الآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا ، قَالَ رِجَالٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنِ ادَّعَى الإِسْلامَ , وَخَرَجَ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ كُرْهًا لَمَّا رَأَوْا قِلَّةً مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ : غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ سورة الأنفال آية 49 الآيَةَ كُلَّهَا , وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى نَزَلُوا وَتَعَبَّوْا لِلْقِتَالِ ، وَالشَّيْطَانُ مَعَهُمْ لا يُفَارِقُهُمْ ، فَسَعَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ , فَقَالَ : هَلْ لَكَ أَنْ تَكُونَ سَيِّدَ قُرَيْشٍ مَا عِشْتَ ؟ قَالَ عُتْبَةُ : فَأَفْعَلُ مَاذَا ؟ قَالَ : تُجِيرُ بَيْنَ النَّاسِ ، وَتَحَمَّلُ دِيَةَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ وَبِمَا أَصَابَ مُحَمَّدٌ مِنْ تِلْكَ الْعِيرِ ، فَإِنَّهُمْ لا يَطْلُبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ غَيْرَ هَذِهِ الْعِيرِ وَدَمِ هَذَا الرَّجُلِ , قَالَ عُتْبَةُ : نَعَمْ ، قَدْ فَعَلْتُ وَنِعِمَّا قُلْتَ ، وَنِعِمَّا دَعَوْتَ إِلَيْهِ ، فَاسْعَ فِي عَشِيرَتِكَ فَأَنَا أَتَحَمَّلُ بِهَا ، فَسَعَى حَكِيمٌ فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ بِذَلِكَ يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ، وَرَكِبَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ جَمَلا لَهُ فَسَارَ عَلَيْهِ فِي صُفُوفِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَصْحَابِهِ , فَقَالَ : يَا قَوْمُ أَطِيعُونِي فَإِنَّكُمْ لا تَطْلُبُونَ عِنْدَهُمْ غَيْرَ دَمِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ ، وَمَا أَصَابُوا مِنْ عِيرِكُمْ تِلْكَ ، وَأَنَا أَتَحَمَّلُ بِوَفَاءِ ذَلِكَ ، وَدَعُوا هَذَا الرَّجُلَ ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا وَلِيَ قَتْلَهُ غَيْرُكُمْ مِنَ الْعَرَبِ ، فَإِنَّ فِيهِمْ رِجَالا لَكُمْ فِيهِمْ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ ، وَإِنَّكُمْ إِنْ تَقْتُلُوهُمْ لا يَزَالُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَاتِلِ أَخِيهِ أَوِ ابْنِهِ أَوِ ابْنِ أَخِيهِ أَوِ ابْنِ عَمِّهِ ، فَيُورِثُ ذَلِكَ فِيهِمْ إِحَنًا وَضَغَائِنَ ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَلِكًا كُنْتُمْ فِي مُلْكِ أَخِيكُمْ ، وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ تَقْتُلُوَا النَّبِيَّ فَتُسَبُّوا بِهِ ، وَلَنْ تَخْلُصُوا , أَحْسَبُ : إِلَيْهِمْ حَتَّى يُصِيبُوا أَعْدَادَهُمْ ، وَلا آمَنُ أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدَّبْرَةُ عَلَيْكُمْ ، فَحَسَدَهُ أَبُو جَهْلٍ عَلَى مَقَالَتِهِ ، وَأَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا أَنْ يُنْفِذَ أَمْرَهُ , وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْمُشْرِكِينَ ، فَعَمَدَ أَبُو جَهْلٍ إِلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ ، وَهُوَ أَخُو الْمَقْتُولِ ، فَقَالَ : هَذَا عُتْبَةُ يُخَذِّلُ بَيْنَ النَّاسِ وَقَدْ تَحَمَّلَ بِدِيَةِ أَخِيكَ ، يَزْعُمُ أَنَّكَ قَابِلُهَا ، أَفَلا تَسْتَحْيُونَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَقْبَلُوا الدِّيَةَ ؟ وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لِقُرَيْشٍ : إِنَّ عُتْبَةَ قَدْ عَلِمَ أَنَّكُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَمَنْ مَعَهُ ، وَفِيهِمُ ابْنُهُ وَبَنُو عَمِّهِ ، وَهُوَ يَكْرَهُ صَلاحَكُمْ , وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لِعُتْبَةَ وَهُوَ يَسِيرُ فِيهِمْ وَيُنَاشِدُهُمُ : انْتَفَخَ سَحْرُكَ , وَزَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى عُتْبَةَ : " إِنْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ خَيْرٌ فَهُوَ عِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الأَحْمَرِ ، وَإِنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا " , فَلَمَّا حَرَّضَ أَبُو جَهْلٍ قُرَيْشًا عَلَى الْقِتَالِ أَمَرَ النِّسَاءَ يُعْوِلْنَ عَمْرًا ، فَقُمْنَ يَصِحْنَ : وَاعَمْرَاهُ ، وَاعَمْرَاهُ ، تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ ، وَقَامَ رِجَالٌ فَتَكَشَّفُوا يُعَيِّرُونَ بِذَلِكَ قُرَيْشًا ، فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْقِتَالِ ، وَقَالَ عُتْبَةُ لأَبِي جَهْلٍ : سَتَعْلَمُ الْيَوْمَ مَنِ انْتَفَخَ سَحْرُهُ ، أَيُّ الأَمْرَيْنِ أَرْشَدُ ، وَأَخَذَتْ قُرَيْشٌ مَصَافَّهَا لِلْقِتَالِ ، وَقَالُوا لِعُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ : ارْكَبْ فَاحْزِرْ لَنَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ ، فَقَعَدَ عُمَيْرٌ عَلَى فَرَسِهِ فَأَطَافَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ , فَقَالَ : حَزَرْتُهُمْ بِثَلاثِ مِائَةِ مُقَاتِلٍ ، زَادُوا شَيْئًا أَوْ نَقَصُوا شَيْئًا ، وَحَزَرْتُ سَبْعِينَ بَعِيرًا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ أَنْظِرُونِي حَتَّى أَنْظُرَ هَلْ لَهُمْ مَدَدٌ أَوْ خَبِيءٌ ، فَأَطَافَ حَوْلَهُمْ وَبَعَثُوا خَيْلَهُمْ مَعَهُ ، فَأَطَافُوا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ، ثُمَّ رَجَعُوا , فَقَالُوا : لا مَدَدَ لَهُمْ وَلا خَبِيءَ ، وَإِنَّمَا هُمْ أُكْلَةُ جَزُورٍ طَعَامٌ مَأْكُولٌ , وَقَالُوا لِعُمَيْرٍ : حَرِّشْ بَيْنَ الْقَوْمِ ، فَحَمَلَ عُمَيْرٌ عَلَى الصَّفِّ وَرَجَعُوا بِمِائَةِ فَارِسٍ ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لأَصْحَابِهِ : " لا تُقَاتِلُوا حَتَّى أُؤْذِنَكُمْ " ، وَغَشِيَهُ نَوْمٌ فَغَلَبَهُ ، فَلَمَّا نَظَرَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَى بَعْضٍ ، جَعَلَ أَبُو بَكْرٍ , يَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ دَنَا الْقَوْمُ وَنَالُوا مِنَّا ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهُمْ فِي مَنَامِهِ قَلِيلا ، وَقَلَّلَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيُنِ الْمُشْرِكِينَ ، وَحَتَّى طَمَعَ بَعْضُ الْقَوْمِ فِي بَعْضٍ ، وَلَوْ أَرَاهُ عَدَدًا كَثِيرًا لَفَشِلُوا وَلَتَنَازَعُوا فِي الأَمْرِ , كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فَرَسَانِ : أَحَدُهُمَا لأَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ ، وَالآخَرُ لِلْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو , وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَوَعَظَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ : " أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ لِمَنِ اسْتُشْهِدَ الْيَوْمَ " ، فَقَامَ عُمَيْرُ بْنُ حُمَامٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ عَنْ عَجِينٍ كَانَ يَعْجِنُهُ لأَصْحَابِهِ حِينَ سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِيَ الْجَنَّةَ إِنْ قُتِلْتُ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ، فَشَدَّ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ مَكَانَهُ فَاسْتَشْهَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ , ثُمَّ أَقْبَلَ الأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ يَحْلِفُ بِآلِهَتِهِ لَيَشْرَبَنَّ مِنَ الْحَوْضِ الَّذِي صَنَعَ مُحَمَّدٌ وَلَيَهْدِمَنَّهُ ، فَشَدَّ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحَوْضِ لَقِيَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَضَرَبَ رِجْلَهُ فَقَطَعَهَا ، فَأَقْبَلَ يَحْبُو حَتَّى وَقَعَ فِي جَوْفِ الْحَوْضِ فَهَدَمَ مِنْهُ ، وَاتَّبَعَهُ حَمْزَةُ حَتَّى قَتَلَهُ , فَلَمَّا قُتِلَ الأَسْوَدُ عَبْدُ الأَسَدِ نَزَلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ جَمَلِهِ حَمِيَّةً لِمَا قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ ، ثُمَّ نَادَى : هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ ؟ فَوَاللَّهِ لَيَعَلَمَنَّ أَبُو جَهْلٍ أَيُّنَا أَجْبَنُ وَأَلأَمُ ، وَلَحِقَهُ أَخُوهُ شَيْبَةُ ، وَالْوَلِيدُ ابْنُهُ ، فَنَادَيَا يَسْأَلانِ الْمُبَارَزَةَ ، فَقَامَ إِلَيْهِمْ ثَلاثَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَاسْتَحْيَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ ، لأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ قِتَالٍ الْتَقَى فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ مَعَهُمْ ، فَأَحَبَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَكُونَ الشَّوْكَةُ لِبَنِي عَمِّهِ ، فَنَادَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنِ ارْجِعُوا إِلَى مَصَافِّكُمْ ، وَلْيَقُمْ إِلَيْهِمْ بَنُو عَمِّهِمْ ، فَقَامَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَبَرَزَ حَمْزَةُ لِعُتْبَةَ ، وَبَرَزَ عُبَيْدَةُ لِشَيْبَةَ ، وَبَرَزَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِلْوَلِيدِ ، فَقَتَلَ حَمْزَةُ عُتْبَةَ ، وَقَتَلَ عُبَيْدَةُ شَيْبَةَ ، وَقَتَلَ عَلِيٌّ الْوَلِيدَ ، وَضَرَبَ شَيْبَةُ رِجْلَ عُبَيْدَةَ فَقَطَعَهَا ، فَاسْتَنَقَذَهُ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ ، فَحُمِلَ حَتَّى تُوُفِّيَ بِالصَّفْرَاءِ ، وَفِي ذَلِكَ تَقُولُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ : أَيَا عَيْنُ جُودِي بِدَمْعٍ سَرِبْ عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبْ يُذِيقُونَهُ حَرَّ أَسْيَافِهِمْ يُعَلِّونَهُ بَعْدَ مَا قَدْ ضُرِبَ وَعِنْدَ ذَلِكَ نَذَرَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ لَتَأْكُلَنَّ مِنْ كَبِدِ حَمْزَةَ إِنْ قَدَرَتْ عَلَيْهَا ، فَكَانَ قَتْلُ هَؤُلاءِ النَّفَرِ قَبْلَ الْتِقَاءِ الْجَمْعَيْنِ ، وَعَجَّ الْمُسْلِمُونَ إِلَى اللَّهِ يَسْأَلُونَهُ النَّصْرَ حِينَ رَأَوُا الْقِتَالَ قَدْ نَشِبَ ، وَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَسْأَلُهُ مَا وَعَدَهُ وَيَسْأَلُهُ النَّصْرَ ، وَيَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنْ ظُهِرَ عَلَى هَذَا الْعِصَابَةِ ظَهَرَ الشِّرْكُ ، وَلَمْ يَقُمْ لَكَ دِينٌ " , وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَنْصُرَنَّكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيُبَيِّضَنَّ وَجْهَكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنِ الْمَلائِكَةِ جُنْدًا فِي أَكْتَافِ الْعَدُوِّ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ ، وَنَزَلَتِ الْمَلائِكَةُ ، أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ مُعْتَجِرًا يَقُودُ فَرَسًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ " ، فَلَمَّا هَبَطَ إِلَى الأَرْضِ جَلَسَ عَلَيْهَا فَتَغَيَّبَ عَنِّي سَاعَةً ثُمَّ رَأَيْتُ عَلَى شِقَّيْهِ غُبَارًا , وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : اللَّهُمَّ انْصُرْ خَيْرَ الدِّينَيْنِ ، اللَّهُمَّ دِينُنَا الْقَدِيمُ ، وَدِينُ مُحَمَّدٍ الْحَدِيثُ ، وَنَكَصَ الشَّيْطَانُ عَلَى عَقِبَيْهِ حِينَ رَأَى الْمَلائِكَةَ ، وَتَبَرَّأَ مِنْ نَصْرِ أَصْحَابِهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْمَلائِكَةِ وَأَمَرَهُمْ بِأَمْرِهِ وَحَدَّثَهُمْ أَنَّهُ مَعَهُمْ ، وَأَمَرَ بِنَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِلْءَ كَفَّهِ مِنَ الْحَصْبَاءِ فَرَمَى بِهَا وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تِلْكَ الْحَصْبَاءَ عَظِيمًا شَأْنُهَا ، لَمْ تَتْرُكْ مِنَ الْمُشْرِكينَ رَجُلا إِلا مَلأَتْ عَيْنَيْهِ ، وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ بِهِمْ قَتْلا مَعَهُمُ اللَّهُ وَالْمَلائِكَةُ ، يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ وَيَجِدُونَ النَّفَرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ ، لا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ يُعَالِجُ التُّرَابَ يَنْزِعُهُ مِنْ عَيْنَيْهِ . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْقِتَالِ إِنْ رَأَوُا الظُّهُورَ أَنْ لا يَقْتُلُوا عَبَّاسًا ، وَلا عَقِيلا ، وَلا نَوْفَلَ بْنَ الْحَرْثِ ، وَلا الْبَخْتَرِيَّ فِي رِجَالٍ ، فَأُسِرَ هَؤُلاءِ النَّفَرُ فِي رِجَالٍ مِمَّنْ أَوْصَى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ ، إِلا أَبَا الْبَخْتَرِيِّ فَإِنَّهُ أَبَى أَنْ يَسْتَأْسِرَ وَذَكَرُوا لَهُ , زَعَمُوا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَهُمْ أَنْ لا يَقْتُلُوهُ إِنِ اسْتَأْسَرَ ، فَأَبَى ، وَأُسِرَ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ لَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسَارِهِ الْتِمَاسَ الْفِدَاءِ ، قَالَ : وَيَزْعُمُ نَاسٌ أَنَّ أَبَا الْيَسَرِ قَتَلَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ ، وَيَأْبَى عَظِيمُ النَّاسِ إِلا أَنَّ الْمُجَدَّرَ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ ، بَلْ قَتَلَهُ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيُّ ، وَسَلَبَهُ سَيْفَهُ ، وَكَانَ عِنْدَ بَنِيهِ حَتَّى بَاعَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ بَنِي أَبِي الْبَخْتَرِيِّ ، وَقَالَ الْمُجَدَّرُ : بَشِّرْ بِيُتْمٍ إِنْ لَقِيتَ الْبَخْتَرِي وَبَشِّرَنْ بِمِثْلِهَا مِنِّي بَنِي أَنَا الَّذِي أَزْعُمُ أَصْلِي مِنْ بَلِي أَطْعَنُ بِالْحَرْبَةِ حَتَّى تَنْثَنِي وَلا تَرَى مُجَدَّرًا يَفْرِي فَرِي فَزَعَمُوا أَنَّهُ نَاشَدَهُ إِلا اسْتَأْسَرَ ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِهِ إِنِ اسْتَأْسَرَ ، فَأَبَى أَبُو الْبَخْتَرِيِّ أَنْ يَسْتَأْسِرَ ، وَشَدَّ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ فَطَعَنَهُ الأَنْصَارِيُّ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ ، وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْقَتْلَى ، فَالْتَمَسَ أَبَا جَهْلٍ فَلَمْ يَجِدْهُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " اللَّهُمَّ لا يُعْجِزْنِي فِرْعَوْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ " ، فَسَعَى لَهُ الرِّجَالُ حَتَّى وَجَدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مَصْرُوعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْرَكَةِ غَيْرُ كَبِيرٍ ، مُقَنَّعًا فِي الْحَدِيدِ وَاضِعًا سَيْفَهُ عَلَى فَخِذَيْهِ لَيْسَ بِهِ جُرْحٌ ، وَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَرِّكَ مِنْهُ عُضْوًا ، وَهُوَ مُنْكَبٌّ يَنْظُرُ إِلَى الأَرْضِ , فَلَمَّا رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَطَافَ حَوْلَهُ لِيَقْتُلَهُ وَهُوَ خَائِفٌ أَنْ يَثُورَ إِلَيْهِ , وَأَبُو جَهْلٍ مُقَنَّعٌ فِي الْحَدِيدِ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ وَأَبْصَرَهُ لا يَتَحَرَّكُ ظَنَّ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ مُثْبَتٌ جِرَاحًا ، فَأَرَادَ أَنْ يَضْرِبَهَ بِسَيْفِهِ فَخَشِيَ أَنْ لا يُغْنِي سَيْفُهُ شَيْئًا ، فَأَتَاهُ مِنْ وَرَائِهِ فَتَنَاوَلَ قَائِمَ سَيْفِهِ فَاسْتَلَّهُ وَهُوَ مُنْكَبٌّ لا يَتَحَرَّكُ ، فَرَفَعَ عَبْدُ اللَّهِ سَابِغَةَ الْبَيْضَةِ عَنْ قَفَاهُ فَضَرَبَهُ ، فَوَقَعَ رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ سَلَبَهُ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ إِذَا هُوَ لَيْسَ بِهِ جِرَاحٌ ، وَأَبْصَرَ فِي عُنُقِهِ جِدَرًا ، وَفِي يَدَيْهِ وَفِي كَتِفَيْهِ كَهَيْئَةِ آثَارِ السِّيَاطِ , وَأَتَى ابْنُ مَسْعُودٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَدْ قُتِلَ ، وَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ بِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ذَلِكَ ضَرْبُ الْمَلائِكَةِ " ، وَقَالَ : " اللَّهُمَّ قَدْ أَنْجَزْتَ مَا وَعَدْتَنِي " ، وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ إِلَى مَكَّةَ مَغْلُوبِينَ مُنْهَزِمِينَ ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ بِهَزِيمَةِ الْمُشْرِكِينَ الْحَيْسُمَانَ الْكَعْبِيُّ ، وَهُوَ جَدُّ حَسَنِ بْنِ غَيْلانَ ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ يَسْأَلُونَهُ ، لا يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ إِلا نَعَاهُ ، فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ ، وَهُوَ قَاعِدٌ مَعَ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ : وَاللَّهِ مَا يَعْقِلُ هَذَا الرَّجُلُ ، وَلَقَدْ طَارَ قَلْبُهُ ، سَلُوهُ عَنِّي فَإِنِّي أَظُنُّهُ سَوْفَ يَنْعَانِي ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِلْحَيْسُمَانِ : هَلْ لَكَ عِلْمٌ بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، هُوَ ذَاكَ جَالِسٌ فِي الْحِجْرِ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَاهُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ قُتِلَ , ثُمَّ تَتَابَعَ فَلُّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَنَصَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَذَلَّ بِوَقْعَةِ بَدْرٍ رِقَابَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ، فَلَمْ يَبْقَ بِالْمَدِينَةِ مُنَافِقٌ وَلا يَهُودِيٌّ إِلا وَهُوَ خَاضِعٌ عُنُقَهُ لِوَقْعَةِ بَدْرٍ ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْفُرْقَانِ ، يَوْمَ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الشِّرْكِ وَالإِيمَانِ , وَقَالَتِ الْيَهُودُ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ النَّبِيُّ الَّذِي نَجِدُ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ ، وَاللَّهِ لا يَرْفَعُ رَايَةً بَعْدَ الْيَوْمِ إِلا ظَهَرَتْ , وَأَقَامَ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى قَتْلاهُمُ النَّوْحَ فِي كُلِّ دَارٍ مِنْ مَكَّةَ شَهْرًا ، وَجَزَّ النِّسَاءُ رُءُوسَهُنَّ ، يُؤْتَى بِرَاحِلَةِ الرَّجُلِ أَوْ بِفَرَسِهِ فَيُوقَفُ بَيْنَ ظَهْرَيِ النِّسَاءِ فَيَنُحْنَ حَوْلَهَا ، وَخَرَجْنَ فِي الأَزِقَّةِ فَسَتَرْنَهَا بِالسُّتُورِ ، ثُمَّ خَرَجْنَ إِلَيْهَا يَنُحْنَ ، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الأَسْرَى صَبْرًا غَيْرَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الأَقْلَحِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، لَمَّا أَبْصَرَهُ عُقْبَةُ مُقْبِلا إِلَيْهِ اسْتَغَاثَ بِقُرَيْشٍ , فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، عَلامَ أُقْتَلُ مِنْ بَيْنِ مَنْ هَا هُنَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَلَى عَدَاوَتِكَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلَى قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ ، وَلَعَنَهُمْ وَهُوَ قَائِمٌ يُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ , غَيْرَ أَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَانَ رَجُلا مُسَمَّنًا فَانْتَفَخَ فِي يَوْمِهِ ، فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ فِي الْقَلِيبِ تَفَقَّأَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " دَعُوهُ " ، وَهُوَ يَلْعَنُهُمْ : " هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ؟ " , قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ : قَالَ نَافِعٌ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : قَالَ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتُنَادِي نَاسًا مَوْتَى ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا قُلْتُ مِنْهُمْ " ، قَالَ : ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَخَلَ مِنْ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ يُعَرِّفُهُمُ اللَّهُ نِعْمَتَهُ فِيمَا كَرِهُوا مِنْ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ ، فَقَالَ : كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ { 5 } يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ سورة الأنفال آية 5-6 إِلَى هَذِهِ الآيَةِ ، وَثَلاثِ آيَاتٍ مَعَهَا , وَقَالَ فِيمَا اسْتَجَابَ لِلرَّسُولِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ : إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ سورة الأنفال آية 9 هَذِهِ الآيَةَ وَأُخْرَى مَعَهَا ، وَأَنْزَلَ فِيمَا غَشِيَهُمْ مِنَ النُّعَاسِ أَمَنَةً حِينَ وَكَلَهُمْ إِلَيْهِ حِينَ أُخْبِرُوا بِقُرَيْشٍ , فَقَالَ : إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ { 11 } إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ سورة الأنفال آية 11-12 هَذِهِ الآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا ، وَأَنْزَلَ فِي قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَالْقَبْضَةِ الَّتِي رَمَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَصْبَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ : فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا سورة الأنفال آية 17 هَذِهِ الآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا ، وَأَنْزَلَ فِي اسْتِفْتَاحِهِمْ وَدُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ : إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ سورة الأنفال آية 19 ، وَقَالَ فِي شَأْنِ الْمُشْرِكِينَ : وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ سورة الأنفال آية 19 هَذِهِ الآيَةَ كُلَّهَا ، ثُمَّ أَنْزَلَ تَعَالَى : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ سورة النساء آية 59 فِي سَبْعِ آيَاتٍ مَعَهَا , وَأَنْزَلَ فِي مَنَازِلِهِمْ , فَقَالَ : إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا سورة الأنفال آية 42 وَالآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا ، وَأَنْزَلَ فِيمَا يَعِظُهُمْ بِهِ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا سورة الأنفال آية 45 الآيَةَ وَثَلاثَ آيَاتٍ مَعَهَا ، وَأَنْزَلَ فِيمَا تَكَلَّمَ بِهِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ خَرَجَ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ كُرْهًا ، فَلَمَّا رَأَوْا قِلَّةَ الْمُسْلِمِينَ , قَالُوا : غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ سورة الأنفال آية 49 الآيَةَ كُلَّهَا ، وَأَنْزَلَ فِي قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ : وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ سورة الأنفال آية 50 الآيَةَ وَثَمَانِ آيَاتٍ مَعَهَا ، وَعَاتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِيمَا أَسَرُوا وَكَرِهَ الَّذِي صَنَعُوا أَلا يَكُونُوا أَثْخَنُوا الْعَدُوَّ بِالْقَتْلِ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ سورة الأنفال آية 67 ، ثُمَّ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ إِحْلالُ الْغَنَائِمِ ، وَكَانَتْ حَرَامًا عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الأُمَمِ ، كَانَ فِيمَا يُتَحَدَّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " لَمْ تَكُنِ الْغَنَائِمُ تَحِلُّ لأَحَدٍ قَبْلَنَا ، فَطَيَّبَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا " ، فَأَنْزَلَ فِيمَا سَبَقَ مِنْ كِتَابِهِ بِإِحْلالِ الْغَنَائِمِ , فَقَالَ : لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ سورة الأنفال آية 68 هَذِهِ الآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا , وَقَالَ رِجَالٌ مِمَّنْ أُسِرَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا كُنَّا مُسْلِمِينَ ، وَإِنَّمَا أُخْرِجْنَا كُرْهًا ، فَعَلامَ يُؤْخَذُ مِنَّا الْفِدَاءُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا قَالُوا : يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ سورة الأنفال آية 70 .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ | موسى بن عقبة القرشي / توفي في :141 | ثقة فقيه إمام في المغازي |
مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ | محمد بن فليح الأسلمي / توفي في :197 | صدوق يهم |
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ | إبراهيم بن المنذر الحزامي | صدوق حسن الحديث |
جَدِّي | الفضل بن محمد البيهقي / توفي في :282 | صدوق شيعي |
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ | إسماعيل بن محمد النيسابوري | صدوق حسن الحديث |
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ | الحاكم النيسابوري / ولد في :321 / توفي في :405 | ثقة حافظ |
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ | موسى بن عقبة القرشي / توفي في :141 | ثقة فقيه إمام في المغازي |
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ | إسماعيل بن إبراهيم القرشي | ثقة |
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ | إسماعيل بن أبي أويس الأصبحي | صدوق يخطئ |
أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ | القاسم بن عبد الله الجوهري / توفي في :275 | ثقة مأمون |
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ | محمد بن عبد الله العبدي / ولد في :266 / توفي في :344 | ثقة |
أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ | محمد بن الحسين المتوثي / ولد في :335 / توفي في :415 | ثقة |