وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أَنْبَأَنَا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ ، أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى " وَنَسَبَهُ إِلَى أُمِّهِ , رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ ، عَنْ أَبِي عُمَرَ ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ , عَنْ شُعْبَةَ ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَنْ تَكَلَّمَ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّفْضِيلِ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ : لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُفَضِّلَ نَفْسَهُ عَلَى يونُسَ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَبَقَ وَذَهَبَ مُغَاضِبًا وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى مَا ظَنَّ أَنَّهُ يُصِيبُهُ مِنْ قَوْمِهِ ، وَمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ ، وَيُصَحِّحُ قَوْلَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الإِمْسَاكِ عَنِ الْكَلامِ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ جُمْلَةً , وَذَكَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَعْنَى النَّهْيِ عَنِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ تَرْكُ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمْ مِنْ وَجْهِ الإِزْرَاءِ بِبَعْضِهِمْ ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى فَسَادِ الاعْتِقَادِ فِيهِمْ وَالإِخْلالِ بِالْوَاجِبِ مِنْ حُقُوقِهِمْ ، وَبِغَرَضِ الإِيمَانِ بِهِمْ ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يَعْتَقِدَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ فِي دَرَجَاتِهِمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ فَاضَلَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ : تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ سورة البقرة آية 253 , ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ " وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يُونُسَ بْنِ مَتَّى ، فَقَالَ : قَدْ يَتَوَهَّمُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ خِلافًا ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخْبَرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ، وَالسَّيِّدُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسُودِ ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ : " مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى " وَالأَمْرُ فِي ذَلِكَ بَيِّنٌ وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَاضِحٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ " أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ " إِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَمَّا أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ الْفَضْلِ وَالسُّؤْدَدِ ، وَتَحَدُّثٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ ، وَإِعْلامٌ لأُمَّتِهِ وَأَهْلِ دَعْوَتِهِ عُلُوَّ مَكَانِهِ عِنْدَ رَبِهِ وَمَحَلِّهِ مِنْ خُصُوصِيَّتِهِ لِيَكُونَ إِيمَانُهُمْ بِنُبُوَّتِهِ وَاعْتِقَادِهِمْ لِطَاعَتِهِ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ ، وَكَانَ بَيَانُ هَذَا لأُمَّتِهِ وَإِظْهَارُهُ لَهُمْ مِنَ اللازِمِ لَهُ وَالْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ ، فَأَمَّا قَوْلُهُ فِي يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَإِنَّهُ يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : " مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ " إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَنْ سِوَاهُ مِنَ النَّاسِ دُونَ نَفْسِهِ ، وَالْوَجْهُ الآخَرُ : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَامًا مُطْلَقًا فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ ، وَيَكُونُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْهَضْمِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَإِظْهَارِ التَّوَاضُعِ لِرَبِّهِ يَقُولُ : لا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ , لأَنَّ الْفَضِيلَةَ الَّتِي نِلْتُهَا كَرَامَةٌ مِنَ اللَّهِ وَخُصُوصِيَّةٌ مِنْهُ ، لَمْ أَنَلْهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِي ، وَلا بَلَغْتُهَا بِحَوْلِي وَقُوَّتِي ، فَلَيْسَ لِي أَنِ افْتَخِرَ بِهَا ، وَإِنَّمَا خَصَّ يُونُسَ بِالذِّكْرِ فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِمَا قَدْ قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ شَأْنِهِ وَمَا كَانَ مِنْ قِلَّةِ صَبْرِهِ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ ، وَخَرَجَ مُغَاضِبًا لَهُ وَلَمْ يَصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ , قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَهَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ وَأَشْبَهُهُمَا بِمَعْنَى الْحَدِيثِ ، فَقَدْ جَاءَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَقُولَ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى " فَعَمَّ بِهِ الأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ ، فَدَخَلَ هُوَ فِي جُمْلَتِهِمْ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
ابْنِ عَبَّاسٍ | عبد الله بن العباس القرشي / توفي في :68 | صحابي |
أَبِي الْعَالِيَةِ | أبو العالية الرياحي | ثقة |
قَتَادَةَ | قتادة بن دعامة السدوسي / ولد في :61 / توفي في :117 | ثقة ثبت مشهور بالتدليس |
شُعْبَةُ | شعبة بن الحجاج العتكي | ثقة حافظ متقن عابد |
أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ | حفص بن عمر الأزدي | ثقة ثبت |
مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ | محمد بن أيوب البجلي / ولد في :200 / توفي في :294 | ثقة حافظ |
أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ | محمد بن محمد الطوسي / توفي في :344 | صدوق حسن الحديث |
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ | الحاكم النيسابوري / ولد في :321 / توفي في :405 | ثقة حافظ |