حَدَّثَنَا الإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْجَوْزِيُّ ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْبَزَّازُ ، ثنا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ ، ثنا عَامِرُ بْنُ مُدْرِكٍ ، ثنا عُتْبَةُ بْنُ يَقْظَانَ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا أَحْسَنَ مِنْ مُحْسِنٍ ، كَافِرٍ أَوْ مُسْلِمٍ ، إِلا أَثَابَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَمَا إِثَابَةُ اللَّهِ الْكَافِرَ ؟ قَالَ : إِنْ كَانَ وَصَلَ رَحِمًا ، أَوْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ، أَوْ عَمِلَ حَسَنَةً أَثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَإِثَابَتُهُ إِيَّاهُ الْمَالَ ، وَالْوَلَدَ ، وَالصِّحَّةَ ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ ، قَالَ : قُلْنَا : وَمَا إثَابَتُهُ فِي الآخِرَةِ ؟ قَالَ : عَذَابٌ دُونَ الْعَذَابِ ، وَقَرَأَ : أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ سورة غافر آية 46 " ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ فَفِيهِ الْحُجَّةُ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ لا يُحْتَجُّ بِهِ ، وَحَدِيثُ أَبِي طَالِبٍ صَحِيحٌ ، وَلا مَعْنَى لإِنْكَارِ الْحَلِيمِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَدِيثَ ، وَلا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَ عَنْهُ صِحَّةُ ذَلِكَ ، فَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ صَاحِبُ الصَّحِيحِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الأَئِمَّةِ فِي كُتُبِهِمُ الصِّحَاحِ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ لِمَنْ ذَهَبَ الْمَذْهَبَ الثَّانِيَ فِي خَيْرَاتِ الْكَافِرِ أَنْ يَقُولَ : حَدِيثُ أَبِي طَالِبٍ خَاصٌّ فِي التَّخْفِيفِ عَنْ عَذَابِهِ بِمَا صَنَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، خُصَّ بِهِ أَبُو طَالِبٍ لأَجْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ ، وَثوَابًا لَهُ فِي نَفْسِهِ لا لأَبِي طَالِبٍ ، فَإِنَّ حَسَنَاتِ أَبِي طَالِبٍ صَارَتْ بِمَوْتِهِ ، عَلَى كُفْرِهِ هَبَاءً مَنْثُورًا ، وَمِثْلُ هَذَا حَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي إِعْتَاقِ أَبِي لَهَبٍ ثُوَيْبَةَ وَإِرْضَاعِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ فِي النَّوْمِ بِشَرِّ خَيْبَةٍ ، فَقَالَ لَهُ : مَا لَقِيتَ ؟ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ : لَمْ نَرَ بَعْدَكُمْ رَجَاءً غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ مِنِّي بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ ، وَأَشَارَ إِلَى النَّقِيرَةِ الَّتِي بَيْنَ الإِبْهَامِ ، وَالَّتِي تَلِيهَا ، وَهَذَا أَيْضًا لأَنَّ الإِحْسَانَ كَانَ مَرْجِعُهُ إِلَى صَاحِبِ النُّبُوَّةِ فَلَمْ يُضَيَّعْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ يُحَاسَبُونَ فَإِنَّ أَعْمَالَهُمْ تُوزَنُ ، وَهُمْ فَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ لِكَبَائِرِ الذُّنُوبِ ، فَهَؤُلاءِ تُوضَعُ حَسَنَاتُهُمْ فِي الْكِفَّةِ النَّيِّرَةِ ، وَصَغَائِرُهُمْ ، إِنْ كَانَتْ لَهُمْ ، فِي الْكِفَّةِ الأُخْرَى ، فَلا يَجْعَلُ اللَّهُ لِتِلْكَ الصَّغَائِرِ وَزْنًا ، وَتُثَقَّلُ الْكِفَّةُ النَّيِّرَةُ ، وَتَرْتَفِعُ الْكِفَّةُ الأُخْرَى ارْتِفَاعَ الْفَارِغِ الْخَالِي ، فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَيُثَابُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ حَسَنَاتِهِ وَطَاعَاتِهِ ، كَمَا تَلَوْنَا فِي الآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْمَوَازِينِ ، وَالآخَرُ : الْمُؤْمِنُونَ الْمُخْطِئُونَ ، وَهُمُ الَّذِينَ يُوافُونَ الْقِيَامَةَ بِالْكَبَائِرِ ، وَالْفَوَاحِشِ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، فَحَسَنَاتُهُمْ تُوضَعُ فِي الْكِفَّةِ النَّيِّرَةِ ، وَآثَامُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ فِي الْكِفَّةِ الْمُظْلِمَةِ ، فَيَكُونُ يَوْمَئِذٍ لِكَبَائِرِهِمِ الَّتِي جَاءُوَا بِهَا ثِقَلٌ ، وَلِحَسَنَاتِهِمْ ثِقَلٌ ، إِلا أَنَّ الْحَسَنَاتِ تَكُونُ بِكُلِّ حَالٍ أَثْقَلَ لأَنَّ مَعَهَا أَصْلَ الإِيمَانِ ، وَلَيْسَ مَعَ السَّيِّئَاتِ كُفْرٌ ، وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ الإِيمَانِ وَالْكُفْرِ مَعًا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ ، وَلأَنَّ الْحَسَنَاتِ لَمْ يُرَدْ بِهَا إِلا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالسَّيِّئَاتِ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا مُخَالَفَةُ اللَّهِ وَعِنَادُهُ ، بَلْ كَانَ تَعَاطِيهَا لِدَاعِيَةِ الْهَوَى ، وَعَلَى خَوْفٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِشْفَاقٍ مِنْ غَضَبِهِ ، فَاسْتَحَالَ أَنْ تُوَازِيَ السَّيِّئَاتِ ، وَإِنْ كَثُرَتْ ، حَسَنَاتُ الْمُؤْمِنِ ، وَلَكِنَّهَا عِنْدَ الْوَزْنِ لا تَخْلُو مِنْ تَثْقِيلٍ وَيقعُ بِهَا الْمِيزَانُ ، حَتَّى يَكُونَ ثِقَلُهَا كَبَعْضِ ثِقَلِ الْحَسَنَاتِ ، فَيَجْرِي أَمْرُ هَؤُلاءِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ جُمْلَةً ، وَدَلَّتْ سُنَّةُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَفْصِيلِهَا ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا سورة الزمر آية 53 ، وَقَوْلُهُ : وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ سورة النساء آية 48 ، فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ بِفَضْلِهِ ، وَيُشَفِّعُ فِيمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِإِذْنِهِ ، وَيُعَذِّبُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِمِقْدَارِ ذَنْبِهِ ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ مِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ بِرَحْمَتِهِ كَمَا وَرَدَ بِهِ خَبَرُ الصَّادِقِ ، وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ عَلَى وَزْنِ أَعْمَالِ الْمُخَلَّطِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ سورة الأنبياء آية 47 ، وَإِنَّمَا أَرَادَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّهُ لا يُتْرَكُ لَهُ حَسَنَةٌ إِلا تُوزَنُ ، وَهَذَا بِالْمُؤْمِنِ الْمُخَلَّطِ لأَنَّهُ لَوْ تُرِكَتْ لَهُ حَسَنَةٌ لَمْ تُوزَنْ لَزَادَ ذَلِكَ فِي ثِقَلِ سَيِّئَاتِهِ ، فَأَوْجَبَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي عَذَابِهِ ، فَأَمَّا أَنَّ الْوَزْنَ كَيْفَ يَكُونُ ؟ فَفِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ صُحُفَ الْحَسَنَاتِ تُوضَعُ فِي الْكِفَّةِ النَّيِّرَةِ ، وَصُحُفَ السَّيِّئَاتِ فِي الْكِفَّةِ الْمُظْلِمَةِ ، لأَنَّ الأَعْمَالَ لا تُنْسَخُ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلا كَاتِبَهَا يَكُونُ وَاحِدًا ، لَكِنَّ الْمَلَكَ الَّذِي يَكُونُ عَنِ الْيَمِينِ ، يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ ، وَالْمَلَكُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الشِّمَالِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ ، فَيَتَفَرَّدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَنْسَخُ ، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْوَزْنِ ، وُضِعَتِ الصُّحُفُ فِي الْمَوَازِينِ ، فَيُثَقِّلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَحِقُّ تَثْقِيلُهُ ، وَيُخَفِّفُ مَا يَحِقُّ تَخْفِيفُهُ ، وَالْوَجْهُ الآخَرُ : أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَجْسَامًا مُقَدَّرَةً بِعَدَدِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ، وَيُمَيِّزُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الأُخْرَى بِصِفَاتٍ تُعْرَفُ بِهَا فَتُوزَنُ ، كَمَا تُوزَنُ الأَجْسَامُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فِي الدُّنْيَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَيُعْتَبَرُ فِي وَزْنِ الأَعْمَالِ مَوَاقِعُهَا مِنْ رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسَخَطِهِ ، وَذَهَبَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ إِلَى إِثْبَاتِ هَذَا الْمِيزَانِ بِكِفَّتَيْهِ ، وَجَاءَ فِي الأَخْبَارِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ | عبد الله بن مسعود / توفي في :32 | صحابي |
طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ | طارق بن شهاب البجلي | له رؤية |
قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ | قيس بن مسلم الجدلي / توفي في :120 | ثقة |
عُتْبَةُ بْنُ يَقْظَانَ | عتبة بن يقظان الراسبي | ضعيف الحديث |
عَامِرُ بْنُ مُدْرِكٍ | عامر بن مدرك الحارثي | مقبول |
زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ الطَّائِيُّ | زيد بن أخزم الطائي | ثقة حافظ |
زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْبَزَّازُ | زكريا بن يحيى المقدسي | مجهول الحال |
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْجَوْزِيُّ | محمد بن يزيد الأسدي | متروك الحديث |
الإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ | سهل بن محمد النيسابوري | ثقة إمام |