أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ ، قَالَ : كَانَ أَبُو عُثْمَانَ ، يَقُولُ فِي مَوَاعِظِهِ : " يَا عَبْدَ اللَّهِ فِيمَا ذَا تُتْعِبُ قَلْبَكَ ؟ وَتُنَازِعُ إِخْوَانَكَ ، وَتُعَادِي عَلَى طَلَبِ الرِّيَاسَةِ ، وَالْعِزِّ أَشْكَالَكَ وَأَخْدَانَكَ ؟ وَتَعْمَلُ فِي هَلَكَةِ حَيَاتِكَ ، بِالْحَسَدِ لِمَنْ هُوَ فَوْقَكَ ؟ كَأَنَّكَ لَمْ تُؤْمِنْ بِمَنْ أَخْبَرَ ، أَنَّهُ يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ ، وَيُؤْتِي الْمُلَكَ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ ؟ فَاسْتَعْمِلِ الْعِلْمَ فِي ظَاهِرِكَ ، إِنْ كُنْتَ تَاجِرًا ، أَوْ كَاسِبًا ، أَوْ زَارِعًا ، وَأَجْمِلْ فِي الطَّلَبِ ، وَاتْرُكِ الْحَرَامَ وَالشُّبُهَاتِ جَمِيعًا ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَحَظَّهَا مِنْ عِزِّهَا ، وَرِيَاسَتِهَا ، وَرِزْقِهَا ، وَلَوْ هَرَبَ الْعَبْدُ مِنْ رِزْقِهِ ، لأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ ، كَمَا لَوْ فَرَّ مِنَ الْمَوْتِ ، لأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ ، قَالَ : وَالْيَقِينُ لا يَمْنَعُ الْمُوقِنِينَ مِنْ طَلَبِ الْحَظِّ الْوَافِي مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْفُضُولِ ، رِضًا بِالْقَلِيلِ ، وَزُهْدٌ فِي الْكَثِيرِ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلأَصْحَابِهِ ، فَإِنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْمُتَوَكِّلِينَ ، وَالزَّاهِدِينَ مَعَ مَا وَصَفْنَا مِنَ الأَمْنِ بِمَالِكِ ، وَالإِيَاسِ مِمَّا لَيْسَ لَكَ ، وَأَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْيَقِينَ يَمْنَعُ طَلَبَ الْقُوتِ وَالْكَفَافِ فَقَدْ جَهِلَ الْيَقِينَ ، وَخَالَفَ سُنَنَ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ مَعَ صِدْقِ التَّوَكُّلِ الأَنْبِيَاءُ وَأَتْبَاعُهُمْ ، وَخِلافُهُمْ خِلافُ الْحَقِّ ، وَمُوَافَقَتُهُمْ مُوَافَقَةُ الْحَقِّ ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " .