تفسير

رقم الحديث : 278

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ ، أنا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْوَكِيلُ ، يَقُولُ : حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى ، ثنا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، ثنا الأَصْمَعِيُّ ، قَالَ : جَاءَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ إِلَى أَبِي عَمْرِو بْنِ أَبِي الْعَلاءِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا عَمْرٍو ! اللَّهُ يَخْلُفُ وَعْدَهُ ؟ قَالَ : لَنْ يَخْلُفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ، قَالَ عَمْرٌو : فَقَدْ قَالَ : قَالَ : أَيْنَ ؟ فَذَكَرَ آيَةَ وَعِيدٍ لَمْ يَحْفَظْهَا عَمْرٌو ، فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو : مِنَ الْعُجْمَةِ أُتِيتَ ، الْوَعْدُ غَيْرُ الإِيعَادِ ، ثُمَّ أَنْشَدَ أَبُو عَمْرٍو : وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوٍ وَعَدْتُهُ سَأُخْلِفُ إِيعَادِي ، وَأُنْجِزُ مَوْعِدِي قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا سورة النساء آية 14 ، قِيلَ : هَكَذَا نَقُولُ الْحُدُودُ اسْمُ جَمْعٍ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى أَجْمَعَ بِتَرْكِ الإِيمَانِ ، وَتَارِكُ الإِيمَانِ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ ، فَإِنْ قِيلَ : قَدْ قَالَ : وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ { 14 } يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ { 15 } وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ { 16 } سورة الانفطار آية 14-16 ، قِيلَ : وَقَدْ قَالَ : إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ سورة الانفطار آية 13 ، وَالْفَاسِقُ الْمُؤْمِنُ بَرٌّ بِإِيمَانِهِ ، فَإِنْ قِيلَ : لَيْسَ بَرًّا مُطْلَقًا ، قِيلَ : وَكَذَلِكَ لَيْسَ بِفَاجِرٍ مُطْلَقًا ، فَإِنْ قِيلَ : فُجُورُهُ أَحْبَطَ إِيمَانَهُ ، قِيلَ : لَيْسَ الْفَصْلُ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ ، وَبَيْنَ مَنْ يَقُولُ : مِنَ الْمُرْجِئَةِ أَنَّ إِيمَانَهُ أَحْبَطَ فُجُورَهُ ، فَدَلَّ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْفُجَّارِ الَّذِينَ قَابَلَ بَيْنَهُمْ ، وَبَيْنَ الأَبْرَارِ الْكُفَّارِ ، لأَنَّ رَأْسَ الْبِرِّ الإِيمَانُ ، وَكَذَلِكَ رَأْسُ الْفُجُورِ الْكُفْرُ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا سورة الكهف آية 30 ، وَقَوْلُهُ : لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ سورة آل عمران آية 195 ، وَقَوْلُهُ : إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا سورة النساء آية 40 ، وَقَوْلُهُ : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ سورة الزلزلة آية 7 ، وَقَوْلُهُ : يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا سورة آل عمران آية 30 ، وَقَوْلُهُ : فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ سورة الحديد آية 7 ، وَقَوْلُهُ : وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ سورة التوبة آية 72 ، وَقَوْلُهُ : هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ سورة الرحمن آية 60 ، فَهَذِهِ الآيَاتُ وَمَا وَرَدَ مِنْهَا فِي مَعْنَاهَا كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُضَيِّعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا ، وَأَحْسَنُ الأَعْمَالِ الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ، وَمَنْ قَالَ : بِتَخْلِيدِ الْمُؤْمِنِ فِي النَّارِ كَانَ قَدْ أَضَاعَ أَجْرَ عَمَلِهِ ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَضًا ، وَلأَنَّا وَجَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ عَلَى الطَّاعَاتِ ثَوَابًا ، وَعَلَى الْمَعَاصِي عِقَابًا فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ يَرَى مَا عَمِلَ مِنَ الْمَعَاصِي دُونَ مَا عَمِلَ مِنَ الطَّاعَاتِ ، وَقَدْ عَمِلَهُمَا جَمِيعًا إِلا وَلآخَرَ أَنْ يَعْكِسَ ذَلِكَ فَلا يَجِدُ الْقَائِلُ بِذَلِكَ فَضْلا ، وَلأَنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى حُصُولِ طَاعَاتِهِ ، وَاخْتَلَفْنَا فِي زَوَالِ حُكْمِهَا فَلا يُرْفَعُ حُكْمُ مَا تَيَقَّنَّاهُ مِنْ حُصُولِ الطَّاعَاتِ بِمَعْصِيَةٍ لا تَنْفِيهَا ، وَلا تُضَادَّهَا . وَاحْتَجُّوا فِي إِبْطَالِ الشَّفَاعَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ سورة غافر آية 18 ، فالظَّالِمُونَ هَاهُنَا هُمُ الْكَافِرُونَ ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مُفْتَتَحُ الآيَةِ إِذْ هِيَ فِي ذِكْرِ الْكَافِرِينَ ، فَإِنِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ : وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى سورة الأنبياء آية 28 ، قِيلَ : هَذَا دَلِيلُنَا لأَنَّ الْفَاسِقَ مُرْتَضًى بِإِيمَانِهِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا سورة فاطر آية 32 ، وَاصْطَفَيْنَا وَارْتَضَيْنَا وَاحِدٌ فِي اللِّسَانِ ، ثُمَّ قَالَ : فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ سورة فاطر آية 32 ، أَيْ مِنَ الْمُصْطَفِينَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ، وَالظُّلْمُ هُوَ الْفِسْقُ فَأَخْبَرَ أَنَّ فِيهِمْ ظَالِمًا ، وَقَالَ فِي قِصَّةِ يُونُسَ : إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ سورة الأنبياء آية 87 ، وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ أَوْجُهٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا سورة فاطر آية 32 ، قَالَ : كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَهُوَ فِي الْجُزْءِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْبَعْثِ مَذْكُورٌ بِشَوَاهِدِهِ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ : إِلا مَنِ ارْتَضَى سورة الجن آية 27 أَنْ يَشْفَعُوا لَهُ ، كَمَا قَالَ : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ سورة البقرة آية 255 ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلا تَحْتَمِلُ الآيَةُ غَيْرَ ذَلِكَ لأَنَّ الْمُرْتَضِينَ عِنْدَ اللَّهِ لا يَحْتَاجُونَ إِلَى شَفَاعَةِ مَلَكٍ وَلا نَبِيٍّ ، فَصَحَّ أَنَّ الْمَعْنَى مَا قُلْنَاهُ ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَرْتَضِي أَنْ يُشَفَّعَ لِصَاحِبِ الْكَبِيرَةِ لأَنَّ الْمُذْنِبَ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى الشَّفَاعَةِ ، فَكُلَّمَا كَانَ ذَنْبُهُ أَكْبَرَ ، كَانَ إِلَى الشَّفَاعَةِ أَحْوَجَ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اشْتِدَادُ حَاجَتِهِ إِلَى الشَّفَاعَةِ حَائِلا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ ؟ وَلَيْسَ امْتِنَاعُ الشَّفَاعَةِ لِلْكَافِرِينَ لأَنَّ ذَنْبَهُ كَبِيرٌ ، وَلَكِنَّهُ بِجَحْدِهِ الْبَارِي الْمَشْفُوعَ إِلَيْهِ ، أَوِ الرَّسُولَ الشَّافِعَ لَهُ ، أَوْ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ لا يُشَفِّعُ فِيهِ أَحَدًا ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي كُلَّهَا مَعْدُومَةٌ فِي صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، وَقَوْلُهُ : يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا سورة الانفطار آية 19 ، لا يَدْفَعُ الشَّفَاعَةَ لأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُلْكِ الدَّفْعُ بِالْقُوَّةِ ، وَإِنَّمَا الشَّفَاعَةُ تَذَلُّلٌ مِنَ الشَّافِعِ لِلْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ ، وَإِقَامَةِ الشَّفِيعِ بِذَلِكَ مِنَ الْمَشْفُوعِ لَهُ ، فَلا يَوْمَ أَلْيَقُ بِهِ وَأَشْبَهُ بِأَحْوَالِهِ بِيَوْمِ الدِّينِ . وَقَدْ وَرَدَ عَنْ سَيِّدِنَا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِثْبَاتِ الشَّفَاعَةِ وَإِخْرَاجِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ مِنَ النَّارِ ، وَإِدْخَالِهِمْ فِي الْجَنَّةِ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ قَدْ صَارَتْ مِنَ الاسْتفَاضَةِ ، وَالشُّهْرَةِ بِحَيْثُ قَارَبَتِ الأَخْبَارَ الْمُتَوَاتِرَةَ ، وَكَذَلِكَ فِي مَغْفِرَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ دُونَ الشِّرْكِ مِنْ غَيْرِ تَعْذِيبٍ فَضْلا مِنْهُ وَرَحْمَةً ، وَاللَّهُ وَاسِعٌ كَرِيمٌ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الأَخْبَارَ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ ، وَنَحْنُ نُشِيرُ هَاهُنَا إِلَى طَرَفٍ مِنْهَا ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا سورة الإسراء آية 79 ، وَرَوَيْنَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّفَاعَةِ ، وَكَذَلِكَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَغَيْرِهِمْ .

الرواه :

الأسم الرتبة
مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى

ثقة

أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ

حافظ متقن

أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ

ثقة متقن

Whoops, looks like something went wrong.