تفسير

رقم الحديث : 4374

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ ، أنا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ ، نا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ صَالِحٍ ، نا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ : كُنَّا نُجَالِسُ مَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ اعْتَمَدَ عَلَى يَدَيْهِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ اجْمَعْ عَلَى الْهُدَى أَمْرَنَا ، وَاجْعَلِ التَّقْوَى زَادَنَا ، وَالْجَنَّةَ مَآبَنَا ، وَارْزُقْنَا شُكْرًا يُرْضِيكَ عَنَّا ، وَوَرَعًا يَحْجِزُنَا عَنْ مَعَاصِيكَ ، وَخُلُقًا نَعِيشُ بِهِ منَ النَّاسِ ، وَعَقْلا يَنْفَعُنَا بِهِ ، قَالَ : فَكَانَ إِذَا قَالَ : وَعَقْلا يَنْفَعُنَا بِهِ يَأْخُذُنِي الضَّحِكُ ، فَيَقُولُ : مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَضْحَكُ يَا ابْنَ أَبِي إِسْمَاعِيلَ ؟ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ عِنْدَهُ وَيَكُونُ عِنْدَهُ ، وَلا يَكُونُ لَهُ عَقْلٌ فَلا يَكُونُ عِنْدَهُ شَيْءٌ " . قَالَ الْحَلِيمِيُّ : وَمِنْ أَعْظَمِ فَوَائِدِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى جَدُّهُ الاسْتِدْلالُ بِهَا عَلَى الْمُنْعِمِ ، فَإِنَّ فِيهَا الدَّلِيلَ عَلَيْهِ وَعَلَى قُدْرتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ ، فَإِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى امْتَنَّ عَلَيْنَا بِأَنْ جَعَلَ لَنَا السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَنَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا لا نَعْلَمُ شَيْئًا ، فَذَكَرَ بَعْضَ الآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ : وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى : وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ سورة الذاريات آية 21 فَكَانَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي أَنْفُسِكُمْ دَلالاتُ الْحَدَثِ وَهِيَ الأَحْوَالُ الْمُتَقَلِّبَةُ بِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَنْفَكُّوا عَنْهَا ، فَإِنَّ تِلْكَ الأَحْوَالِ إِذَا كَانَتْ أَحْدَاثًا وَلَمْ يَكُونُوا خَلَوْا مِنْهَا قَطُّ فَوَاجِبٌ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُمْ أَحْدَاثٌ ، وَالْحَدَثُ لا يَخْلُو مِنْ مُحدثٍ وَقِيلَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا ثُمَّ كُنْتُمْ ، فَلا يَخْلُو أَحَدُكُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ نَفْسَهُ أَوْ أَبَوَاهُ خَلَقَاهُ أَوْ غَيْرُهُ وَغَيْرُهُمَا ، فَلا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَلَقَ نَفْسَهُ لأَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَحَدٌ مَا تَمَّتْ قُوَاهُ وَكَمُلَ عَقْلُهُ أَنْ يُتِمَّ مِنْ نَفْسِهِ عُضْوًا نَاقِصًا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ نُطْفَةً مَوَاتًا مِنْ أَنْ يُقَلِّبَ نَفْسَهُ حَالا فَحَالا أَبَعْدَ وَعَنْهُ أَعْجَزَ ، ثُمَّ يَعْلَمَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا غَيْرَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ أَوْ مَوَاتٌ لا يَقْدِرُ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى شَيْءٍ ، فَهُوَ إِذَا كَانَ عَدَمًا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ أَبَعْدَ ، وَلا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُ فَعَلا ، لأَنَّ الأَبَوَيْنِ فِي الْعَجْزِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِثْلَهُ ، فَإِذَا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلا لِنَفْسِهِ وَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلا لأَبَوَيْهِ ، فَحَقَّ إِذًا أَنَّهُ فِعْلُ فَاعِلٍ غَيْرِهِ وَغَيْرِ أَبَوَيْهِ ، وَإِنَّمَا يُرَادُ اللَّهُ بِذَلِكَ الْفَاعِلِ أَفَلا تُبْصرُونَ ، أَلا تُدْرِكُونَ بِعُقُولِكُمْ مَا فِيهَا مِنْ هَذِهِ الْهِدَايَةِ فَتَهْتَدُوا بِهَا ، وَلا يَكْفُرُوا ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : إِنَّ الْفَاعِلَ هُوَ الطَّبْعُ ، قِيلَ لَهُ : وَمَا الطَّبْعُ ؟ فَإِنَّ هَذَا الاسْمَ نَفْسَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمُسَمَّى بِهِ فَاعِلا لأَنَّ الطَّبْعَ لا يَكُونُ إِلا فِعْلَ الطَّابَعِ كَمَا لا يَكُونُ الضَّرْبُ إِلا فِعْلَ الضَّارِبِ ، فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ هِيَ الْمَطْبُوعَةُ كَمَا أَنَّ الْقَتِيلَةَ هِيَ الْمَقْتُولَةُ وَالذَّبِيحَةَ هِيَ الْمَذْبُوحَةُ وَالصنِيعَةَ هِيَ الْمَصنُوعَةُ وَالْمَفْعُولَ فِي اقْتِضَاءِ الْفِعْلِ كَالْفَاعِلِ ، وَإِنْ قَالُوا : الطَّبِيعَةُ قُوَّةٌ مَخْصُوصَةٌ ، فَذَكَرُوهَا وَنَعَتُوهَا ، قِيلَ لَهُمُ : الْقُوَّةُ عَرَضٌ لا بَقَاءَ لَهَا ، فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُؤَلِّفَ الأَجْسَامَ كَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّوْنِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ، وَعَلَى الصَّوْتِ وَالطَّعْمِ ، وَلأَنَّ خَلْقَ الإِنْسَانِ فِعْلٌ سَدِيدٌ مُتْقَنٌ ، فَلا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صدَرَ إِلا مِنْ عَالِمٍ حَكِيمٍ ، وَالْقُوَّةُ لا تَلِيقُ بِهَا الْحَيَاةُ وَلا الْقُدْرَةُ وَلا الْعِلْمُ وَلا الْحِكْمَةُ ، فَأَيْنَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ وَقَعَ مِنْهَا ، وَإِنْ وَصفُوا الطَّبِيعَةَ بِهَذِهِ الصفَاتِ كَانُوا مُشِيرِينَ بِمَنْ هِيَ لَهُ إِلَى الْبَارِئِ ، إِلا أَنَّهُمْ يُلْحِدُونَ فِي اسْمِهِ ، فَيُسَمُّونَ بِهِ غَيْرَهُ وَيُثْبِتُونَهُ وَعِنْدَهُمْ أَنَّهُمْ يَنْفُونَهُ ، وَهَذَا نِهَايَةُ الْجَهْلِ ، فَيُقَالُ لَهُمْ مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ : أَفَلا تُبْصِرُونَ سورة الذاريات آية 21 ، أَيْ لا عُقُولَ لَكُمْ تُدْرِكُونَ بِهَا خَطَأَ هَذَا الْقَوْلِ وَفَسَادِهِ ، فَتَرْجِعُوا عَنْهُ إِلَى مَا يَصحُّ وَيَسْلَمُ عَلَى النَّظَرِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مَا جَعَلَ لِلنَّاسِ مِنْ نِعْمَةٍ ، وَإِنَّهُ إِنْ نَزَعَ عَنْهُمْ تِلْكَ النِّعَمَ ، أَوْ نَزَعَ بَعْضَهَا فَمَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيهِمْ بِهَا ، وَفِي ذَلِكَ دَلالَةٌ عَلَى نَفْيِ الشِّرْكِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.