باب الدليل على ان التصديق بالقلب والاقرار باللسان اصل الايمان


تفسير

رقم الحديث : 84

قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أنبا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ ، أنبا أَبُو مُسْلِمٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ ، أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَفْضَلُهَا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ " ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ فَرْضٌ تَجْمَعُ الاعْتِقَادَ بِالْقَلْبِ ، وَالاعْتِرَافَ بِاللِّسَانِ ، وَالاعْتِقَادَ وَالإِقْرَارَ ، وَإِنْ كَانَا عَمَلَيْنِ يُعْمَلانِ بِجَارِحَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ ، فَإِنَّ نَوْعَ الْعَمَلِ وَاحِدٌ وَالْمَنْسُوبُ مِنْهُ إِلَى الْقَلْبِ هُوَ الْمَنْسُوبُ إِلَى اللِّسَانِ ، وَالْمَنْسُوبُ إِلَى اللِّسَانِ ، هُوَ الْمَنْسُوبُ إِلَى الْقَلْبِ ، كَمَا أَنَّ الْمَكْتُوبَ ، مِمَّا جَمَعَ بَيْنَ كَتْبِهِ وَقَوْلِهِ : هُوَ الْمَقُولُ ، وَالْمَقُولُ هُوَ الْمَكْتُوبُ ، قَالَ : وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ بِالاعْتِقَادِ ، وَالإِقْرَارِ مَجْمُوعُ عِدَّةِ أَشْيَاءَ , أَحَدُهَا : إِثْبَاتُ الْبَارِئِ جَلَّ جَلالُهُ ، لِيَقَعَ بِهِ مُفَارَقَةُ التَّعْطِيلِ ، وَالثَّانِي : إِثْبَاتُ وَحْدَانِيَّتِهِ ، لِتَقَعَ بِهِ الْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ ، وَالثَّالِثُ : إِثْبَاتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَوْهَرٍ وَلا عَرَضٍ ، لِيَقَعَ بِهِ الْبَرَاءَةُ مِنَ التَّشْبِيهِ ، وَالرَّابِعُ : إِثْبَاتُ أَنَّ وُجُودَ كُلِّ مَا سِوَاهُ كَانَ مَعْدُومًا مِنْ قَبْلِ إِبْدَاعِهِ لَهُ ، وَاخْتِرَاعِهِ إِيَّاهُ ، لِيَقَعَ بِهِ الْبَرَاءَةُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِالْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ ، وَالْخَامِسُ : إِثْبَاتُ أَنَّهُ مُدَبِّرٌ مَا أَبْدَعَ وَمُصَرِّفُهُ عَلَى مَا يَشَاءُ ، لِيَقَعَ بِهِ الْبَرَاءَةُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِالطَّبَائِعِ ، أَوْ تَدْبِيرِ الْكَوَاكِبِ ، أَوْ تَدْبِيرِ الْمَلائِكَةِ ، فَأَمَّا الْبَرَاءَةُ بِإِثْبَاتِ الْبَارِئِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَالاعْتِرَافُ لَهُ بِالْوُجُودِ مِنْ مَعَانِي التَّعْطِيلِ ، فَلأَنَّ قَوْمًا ضَلُّوا عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، فَكَفَرُوا ، وَأَلْحَدُوا ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ لا فَاعِلَ لِهَذَا الْعَالَمِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ ، وَلا مَوْجُودَ إِلا الْمَحْسُوسَاتُ ، وَلَيْسَ وَرَاءَهَا شَيْءٌ ، وَأَنَّ الْكَوَائِنَ وَالْحَوَادِثَ إِنَّمَا تَكُونُ ، وَتَحْدُثُ مِنْ قِبَلِ الطَّبَائِعِ الَّتِي فِي الْعَنَاصِرِ ، وَهِيَ : الْمَاءُ ، وَالنَّارُ ، وَالْهَوَاءُ ، وَالأَرْضُ ، وَلا مُدَبِّرَ لِلْعَالَمِ ، يَكُونُ مَا يَكُونُ بِاخْتِيَارِهِ وَصُنْعِهِ ، فَإِذْ أَثْبَتَ الْمُثْبِتُ لِلْعَالَمِ إِلَهًا ، وَنَسَبَ الْفِعْلَ وَالصُّنْعَ إِلَيْهِ ، فَقَدْ فَارَقَ الإِلْحَادَ والتَّعْطِيلَ ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَذَاهِبَ الْمُلْحِدِينَ ، وَالْقَائِلُونُ بِهِ يُسَمِّيهِمْ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الإِلْحَادِ : الْفِرْقَةَ الْمُتَجَاهِلَةَ ، وَيَدْعُونَهُمْ غَيْرَ الْفَلاسِفَةِ ، أَمَا الْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ بِإِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ ، فَلأَنَّ قَوْمًا ادَّعَوْا فَاعِلَيْنِ ، فَزَعَمُوا أَنَّ أَحَدَهُمَا يَفْعَلُ الْخَيْرَ ، وَالآخَرَ يَفْعَلُ الشَّرَّ ، وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ بَدْءَ الْخَلْقِ كَانَ مِنَ النَّفْسِ ، إِلا أَنَّهُ كَانَ يَقَعُ مِنْهَا لا عَلَى سَبِيلِ السَّدَادِ وَالْحِكْمَةِ ، فَأَخَذَ الْبَارِئُ عَلَى يَدِهَا ، وَعَمَدَ إِلَى مَادَّةٍ قَدِيمَةٍ كَانَتْ مَوْجُودَةً مَعَهُ لَمْ تَزَلْ ، فَرَكَّبَ مِنْهَا هَذَا الْعَالَمَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ السَّدَادِ وَالْحِكْمَةِ ، فَإِذَا أَثْبَتَ الْمُثْبِتُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَاحِدٌ ، وَلا خَالِقَ سِوَاهُ ، وَلا قَدِيمَ غَيْرُهُ ، فَقَدِ انْتَفَى عَنْ قَوْلِ الشَّرِيكِ الَّذِي هُوَ فِي الْبُطْلانِ وَوُجُوبِ اسْمِ الْكُفْرِ لِقَائِلِهِ كَالإِلْحَادِ وَالتَّعْطِيلِ ، وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ مِنَ التَّشْبِيهِ بِإِثْبَاتِ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَوْهَرٍ وَلا عَرَضٍ ، فَلأَنَّ قَوْمًا زَاغُوا عَنِ الْحَقِّ ، فَوَصَفُوا الْبَارِي ، جَلَّ وَعَزَّ ، بِبَعْضِ صِفَاتِ الْمُحْدَثِينَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ جَوْهَرٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ جِسْمٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَرْشِ قَاعِدًا ، كَمَا يَكُونُ الْمَلِكُ عَلَى سَرِيرِهِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي وُجُوبِ اسْمِ الْكُفْرِ لِقَائِلِهِ كَالتَّعْطِيلِ وَالتَّشْرِيكِ ، فَإِذَا أَثْبَتَ الْمُثْبِتُ أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَجِمَاعُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَوْهَرٍ وَلا عَرَضٍ فَقَدِ انْتَفَى التَّشْبِيهُ ، لأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَوْهَرًا أَوْ عَرَضًا لَجَازَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى سَائِرِ الْجَوَاهِرِ ، وَالأَعْرَاضِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ جَوْهَرًا ، وَلا عَرَضًا لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْجَوَاهِرِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا جَوَاهِرُ كَالتَّأْلِيفِ وَالتَّجْسِيمِ ، شَغْلِ الأَمْكِنَةِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ ، وَلا مَا يَجُوزُ عَلَى الأَعْرَاضِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا أَعْرَاضٌ كَالْحُدُوثِ وَعَدَمِ الْبَقَاءِ ، وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ مِنَ التَّعْطِيلِ بِإِثْبَاتِ أَنَّهُ مُبْدِعُ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ ، فَلأَنَّ قَوْمًا مِنَ الأَوَائِلِ خَالَفُوا الْمُعَطِّلَةَ ، ثُمَّ خُذِلُوا عَنْ بُلُوغِ الْحَقِّ ، فَقَالُوا : إِنَّ الْبَارِي مَوْجُودٌ غَيْرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِسَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ ، وَسَبَبٌ لَهَا بِمَعْنَى أَنَّ وُجُودَهُ اقْتَضَى وُجُودَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى تَرْتِيبٍ لَهُمْ يَذْكُرُونَهُ ، وَأَنَّ الْمَعْلُولُ إِذَا كَانَ لا يُفَارِقُ الْعِلَّةَ ، فَوَاجِبٌ إِذَا كَانَ الْبَارِي لَمْ يَزَلْ أَنْ يَكُونَ مَادَّةَ هَذَا الْعَالَمِ ، لَمْ تَزَلْ مَعَهُ ، فَمَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ الْمُبْدِعُ الْمُوجِدُ الْمُحْدِثُ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ مِنْ جَوْهَرٍ ، وَعَرَضٍ بِاخْتِيَارِهِ وَإِرَادَتِهِ ، الْمُخْتَرِعُ لَهَا لا مِنْ أَصْلٍ ، فَقَدِ انْتَفَى عَنْ قَوْلِهِ التَّعْلِيلُ الَّذِي هُوَ فِي وُجُوبِ اسْمِ الْكُفْرِ لِقَائِلِهِ كَالتَّعْطِيلِ ، وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ مِنَ الشَّرِيكِ فِي التَّدْبِيرِ بِإِثْبَاتِ أَنَّهُ لا مُدَبِّرَ لِشَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ إِلا اللَّهُ ، فَلأَنَّ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّ الْمَلائِكَةَ تُدَبِّرُ الْعَالَمَ وَسَمَّوْهَا آلِهَةً ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلائِكَةِ : فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا سورة النازعات آية 5 ، وَمَعْنَى الْمُدَبِّرَاتِ : الْمُنَفِّذَاتِ لِمَا دَبَّرَ اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهَا ، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يُنَفِّذُ حُكْمَ اللَّهِ بَيْنَ الْخُصُومِ : حَاكِمٌ ، وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تُدَبِّرُ مَا تَحْتَهَا ، وَأَنَّ كُلَّ كَائِنَةٍ ، وَحَادِثَةٍ فِي الأَرْضِ ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ آثَارِ حَرَكَاتِ الْكَوَاكِبِ ، وَافْتِرَاقِهَا ، وَاقْتِرَانِهَا ، وَاتِّصَالِهَا ، وَانْفِصَالِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهَا ، فَمَنْ أَثْبَتَ أَنَّ اللَّهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، هُوَ الْمُدَبِّرُ لِمَا أَبْدَعَ ، وَلا مُدَبِّرَ سِوَاهُ ، فَقَدِ انْتَفَى عَنْ قَوْلِهِ التَّشْرِيكُ فِي التَّدْبِيرِ الَّذِي هُوَ فِي وُجُوبِ اسْمِ الْكُفْرِ لِقَائِلِهِ كَالتَّشْرِيكِ فِي الْقِدَمِ ، أَوْ فِي الْخَلْقِ ، ثُمَّ أِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ ، ضَمَّنَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ كُلَّهَا كَلِمَةً وَاحِدَةً ، وَهِيَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَمَرَ الْمَأْمُورِينَ بِالإِيمَانِ أَنْ يَعْتَقِدُوهَا وَيَقُولُوهَا ، فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ : فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ سورة محمد آية 19 ، وَقَالَ : فِيمَا ذَمَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ : إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ { 35 } وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ { 36 } سورة الصافات آية 35-36 ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، اسْتَكْبَرُوا ، وَلَمْ يَقُولُوا ، بَلْ قَالُوا مَكَانَهَا : أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ .

الرواه :

الأسم الرتبة
أَبِي هُرَيْرَةَ

صحابي

أَبِي صَالِحٍ

ثقة ثبت

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ

ثقة

سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ

ثقة

سُفْيَانُ

ثقة حافظ فقيه إمام حجة وربما دلس

مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ

ثقة

أَبُو مُسْلِمٍ

ثقة حافظ إمام

أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ

ثقة ثبت

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ

ثقة حافظ

Whoops, looks like something went wrong.