وَبِإِسْنَادِهِ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ ، ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، ثنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ الأَسْوَدِ ، قَالَ : قُلْتُ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ : الرَّجُلُ يَقُولُ : لا أَدْرِي أَمُؤْمِنٌ أَنَا أَمْ لا ؟ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ سورة البقرة آية 3 فَهُوَ الْغَيْبُ ، فَمَنْ آمَنَ بِالْغَيْبِ ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ ، قَالَ الإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : فَهَذَا الَّذِي رَوَيْنَا مِنْ إِطْلاقِ مُعَاذٍ ، وَمَا رُوِيَ مُرْسَلا مِنْ تَصْوِيبِ عُمَرَ ، وَقَوْلِ عَطَاءٍ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ، بِالْمُؤْمِنِ يَرْجِعُ إِلَى الْحَالِ ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْمِيَةِ نَفْسِهِ مُؤْمِنًا فِي الْحَالِ لأَجْلِ مَا يَخْشَاهُ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُ ، لأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ وَقَعَ ، وَحَبِطَ مَا قَدَّمَ مِنْ إِيمَانِهِ ، فَلَيْسَ يَنْقَلِبُ الْمَوْجُودُ مِنْهُ مَعْدُومًا مِنْ أَصْلِهِ ، وَإِنَّمَا يَحْبَطُ أَجْرُهُ ، وَيَبْطُلُ ثَوَابُهُ ، وَبَسَطَ الْكَلامَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ . وَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ مِنَ السَّلَفِ إِطْلاقَ اسْمِ الإِيمَانِ ، فَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ مَا قَالَ : أَنْ يَقُولَ الْوَاحِدُ : أَنَا مُؤْمِنٌ ، وَأَعِيشُ مُؤْمِنًا ، وَأَمُوتُ مُؤْمِنًا ، وَأَلْقَى اللَّهَ مُؤْمِنًا ، وَلا يَسْتَثْنِي كَانَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : قُلْ إِنِّي فِي الْجَنَّةِ ، لأَنَّ مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا ، كَانَ فِي الْجَنَّةِ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا سَاعَةً مِنْ عُمْرِهِ ، أَوْ يَوْمًا ، أَوْ سَنَةً كَانَ فِي الْجَنَّةِ ، فَعَلِمْنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِمَنِ اتَّكَلَ عَلَى إِيمَانِهِ ، فَقَطَعَ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ مُطْلَقٌ فِي عَامَّةِ أَحْوَالِهِ ، وَأَوْقَاتِهِ ، فَلا يَعِيشُ إِلا مُؤْمِنًا ، وَلا يَمُوتُ إِلا مُؤْمِنًا ، وَلَمْ يَكِلْ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . فَأَمَّا قَوْلُ الْمُؤْمِنِ : أَنَا الآنَ مُؤْمِنٌ فَلَيْسَ مِمَّا يُنْكَرُ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الاسْتِثْنَاءُ إِذَا كَانَ الْخَبَرُ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ خَاصَّةً ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَرْجُو أَنْ يَمُنَّ عَلَيَّ بِالتَّثَبُّتِ ، وَلا يَسْلُبُنِي هِدَايَتَهُ بَعْدَ أَنْ آتانِيهَا . قَالَ : وَلِلاسْتِثْنَاءِ مَوْضِعٌ آخَرُ يَصِحُّ فِيهِ وَيَحْسُنُ ، وَهُوَ أَنْ يُرَدَّ عَلَى كَمَالِ الإِيمَانِ لا عَلَى أَصْلِهِ وَأُسِّهِ ، كَمَا رُوِيَ : أَنَّ رَجُلا سَأَلَ قَتَادَةَ : أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : أَمَّا أَنَا فَأُؤمِنُ بِاللَّهِ ، وَمَلائِكَتِهِ ، وَبِكُتُبِهِ ، وَبِرُسُلِهِ ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، أَمَّا الصُّفَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ سورة الأنفال آية 2 ، قَرَأَ الآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ : أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ سورة الأنفال آية 4 ، فَلا أَدْرِي أَنَا مِنْهُمْ أَوْلا . فَقَدْ أَبَانَ قَتَادَةُ أَنَّهُ قَدْ آمَنَ الإِيمَانَ الَّذِي يُبْعِدُهُ عَنِ الْكُفْرِ ، وَلَكِنَّهُ لا يَدْرِي اسْتَكْمَلَ الأَوْصَافَ الَّتِي حَكَى اللَّهُ تَعَالَى بِهَا قَوْمًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَأَوْجَبَ لَهُمْ بِهَا الْمَغْفِرَةَ وَالدَّرَجَاتِ ، وَكَانَ ذَلِكَ مُشَكِّكًا مِنْهُ فِي الاسْتِكْمَالِ الَّذِي يُوجِبُ لَهُ الدَّرَجَاتِ ، لا فِي مُجَانَبَةِ الْكُفْرِ الَّذِي يُسْقِطُ عَنْهُ الْعَذَابَ ، فَمَنْ وَضَعَ الاسْتِثْنَاءَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ فَلَيْسَ مِنَ الشَّكَّاكِ ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : وَقَدْ رُوِّينَا مَعْنَى هَذَا ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |