الثاني من شعب الايمان وهو باب في الايمان برسل الله صلوات الله عليهم عامة


تفسير

رقم الحديث : 110

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، أنبا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِيُّ ، ثنا يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ ، قَالَ : " جُمْلَةُ التَّوْحِيدِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهِيَ أَنْ لا تَتَصَوَّرَ فِي وَهْمِكَ شَيْئًا إِلا وَاعْتَقَدْتَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ مَالِكُهُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ " ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَأيْشِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَوْجُودٌ ؟ قِيلَ : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ أَوْجَدَ الْعَالَمَ وَأحْدَثَهُ ، وَالْفِعْلُ لا يَصِحُّ وُقُوعُهُ إِلا مِنْ ذَوِي قُدْرَةٍ ، وَالْقُدْرَةُ لا تَقُومُ بِنَفْسِهَا ، فَوَجَبَ أَنَّهَا تَقُومُ بِقَادِرٍ مَوْجُودٍ ، وَلأَنَّ اسْتِحَالَةَ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْ مَعْدُومٍ كَاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ لا مِنْ فَاعِلٍ ، فَلَمَّا اسْتَحَالَ فِعْلٌ لا مِنْ فَاعِلٍ اسْتَحَالَ فِعْلٌ مِنْ مَعْدُومٍ ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِهِ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ ؟ قِيلَ : قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ ، وَلَوْ كَانَ مُحْدَثًا لَتَعَلَّقَ بِغَيْرِهِ لا إِلَى نِهَايَةٍ ، وَالْمَوْجُودُ لا يَنْفَكُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا ، أَوْ مُحْدَثًا ، فَلَمَّا فَسَدَ كَوْنُهُ مُحْدَثًا ثَبَتَ أَنَّهُ قَدِيمٌ ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ قَدْ بَيَّنَا احْتِيَاجَ الْمُحْدَثَاتِ إِلَى مُقَدِّمٍ يُقَدِّمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا ، وَمُؤَخِّرٍ يُؤَخِّرُ مَا تَأَخَّرَ مِنْهَا ، وَمُخَصِّصٌ يُخَصِّصُ بَعْضَهَا بِبَعْضِ الْهَيْئَاتِ دُونَ بَعْضٍ ، فَلَوْ كَانَ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا مُشَارِكًا لَهَا فِي الْحُدُوثِ لَشَارَكَهَا فِي الْحَاجَةِ إِلَى الْمُقَدِّمِ ، الْمُؤَخِّرِ الْمُخَصِّصِ ، وَلَوْ كَانَ بِهَذَا الْوَصْفِ لاقْتَضَى كُلٌّ مُحْدِثًا قَبْلَهُ ، وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ مُحْدَثَاتِ ، وَاحِدٍ قَبْلَ وَاحِدٍ لا إِلَى أَوَّلٍ لاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحُدُوثِ ، وَنَفْيِ الابْتِدَاءِ فَثَبَتَ أَنَّهُ قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ ، وَلا جَوْهَرٍ ، وَلا عَرَضٍ ؟ قِيلَ : لأَنَّهُ لَوْ كَانَ جِسْمًا لَكَانَ مُؤَلَّفًا ، وَالْمُؤَلَّفُ شَيْئَانِ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ ، لا يَحْتَمِلُ التَّأْلِيفِ ، وَلَيْسَ بِجَوْهَرٍ ، لأَنَّ الْجَوْهَرَ هُوَ الْحَامِلُ لِلأَعْرَاضِ ، الْمُقَابِلُ لِلْمُتَضَادَّاتِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ ، لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلا عَلَى حُدُوثِهِ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ تَعَالَى قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ ، وَلَيْسَ بِعَرَضٍ لأَنَّ الْعَرَضَ لا يَصِحُّ بَقَاؤُهُ ، وَلا يَقُومُ بِنَفْسِهِ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا ، وَلا يَصِحُّ عَدَمُهُ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِذَا كَانَ الْقَدِيمُ سُبْحَانَهُ شَيْئًا لا كَالأَشْيَاءِ ، مَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا لا كَالأَجْسَامِ ، قِيلَ لَهُ : لَوْ لَزِمَ ذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ صُورَةً لا كَالصُّوَرِ ، وَجَسَدًا لا كَالأَجْسَادِ ، وَجَوْهَرًا لا كَالْجَوَاهِرِ ، فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ ، لَمْ يَلْزَمْ هَذَا ، وَبَعْدُ : فَإِنَّ الشَّيْءَ سِمَةٌ لِكُلِّ مَوْجُودٍ ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، نَفْسَهُ شَيْئًا ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ سورة الأنعام آية 19 ، وَلَمْ يُسَمِّ نَفْسَهُ جِسْمًا ، وَلا سَمَّاهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ ، وَنَحْنُ فَلا نُسَمِّي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِاسْمٍ ، لَمْ يُسَمِّ هُوَ بِهِ نَفْسَهُ وَلا رَسُولُهُ ، وَلا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ سورة الأعراف آية 180 ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لا يُشْبِهُ الْمَصْنُوعَاتِ ، وَلا يُتَصَوَّرُ فِي الْوَهْمِ ؟ قِيلَ : لأَنَّهُ لَوْ أَشْبَهَهَا لَجَازَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمَصْنُوعَاتِ مِنْ سِمَاتِ النَّقْصِ وَأمَارَاتِ الْحَدَثِ ، وَالْحَاجَةِ إِلَى مُحْدِثٍ غَيْرِهِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي نَفْيَهُ ، فَوَجَبَ أَنَّهُ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ سورة الشورى آية 11 ، وَلأَنَّا نَجِدُ كُلَّ صَنْعَةٍ فِيمَا بَيْنَنَا لا تُشْبِهُ صَانِعَهَا كَالْكِتَابَةِ لا تُشْبِهُ الْكَاتِبَ ، وَالْبِنَاءِ لا يُشْبِهُ الْبَانِيَ ، فَدَلَّ مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا غَابَ عَنَّا ، وَعَلِمْنَا أَنَّ صَنْعَةَ الْبَارِي لا تُشْبِهُهُ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ ، مُسْتَغْنٍ عَنْ غَيْرِهِ ؟ قِيلَ : لأَنَّ خَالِقَ هَذَا الْوَصْفِ يُوجِبُ حَاجَتَهُ إِلَى غَيْرِهِ ، وَالْحَاجَةُ دَلِيلُ الْحَدَثِ ، لأَنَّهَا تَكُونُ إِلَى وَقْتٍ ، ثُمَّ تَبْطُلُ بِحُدُوثِ ضِدِّهَا ، وَمَا جَازَ دُخُولُ الْحَوَادِثِ عَلَيْهِ كَانَ مُحْدَثًا مِثْلَهَا ، وَقَدْ قَامَتِ الدَّلالَةُ عَلَى قِدَمِهِ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ ؟ قِيلَ : ظُهُورُ فِعْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى حَيَاتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ ، لأَنَّ ذَلِكَ لا يَصِحُّ وُقُوعُهُ مِنْ مَيِّتٍ ، وَلا عَاجِزٍ ، وَلا جَاهِلٍ بِهِ ، وَإِذَا وَقَعَ فِي شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ وُقُوعُهُ مِنْ مَيِّتٍ ، وَلا عَاجِزٍ وَلا جَاهِلٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ بِخِلافِ وَصْفِ مَنْ لا يَتَأَتَّى ذَلِكَ مِنْهُ ، وَلا يَكُونُ بِخِلافِ ذَلِكَ إِلا وَهُوَ حَيٌّ قَادِرٌ عَالِمٌ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُرِيدٌ ؟ قِيلَ : لأَنَّهُ حَيٌّ ، عَالِمٌ ، لَيْسَ بِمُكْرَهٍ ، وَلا مَغْلُوبٍ ، وَلا بِهِ آفَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَكُلُّ حَيٍّ خَلا مِمَّا يُضَادَّ الْعِلْمَ ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ آفَةٌ تُخْرِجُهُ مِنَ الإِرَادَةِ ، كَانَ مُرِيدًا مُخْتَارًا قَاصِدًا ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ؟ قِيلَ : لأَنَّهُ حَيٌّ ، وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ حَيٍّ يَتَعَرَّى عَنِ الْوَصْفِ بِمَا يُدْرِكُ الْمَسْمُوعَ ، وَالْمَرْئِيَّ ، أَوْ بِالآفَةِ الْمَانِعَةِ مِنْهُ ، وَيَسْتَحِيلُ تَخْصِيصُهُ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ ، بِالآفَةِ لأَنَّهَا مَنْعٌ ، وَالْمَنْعُ يَقْتَضِي مَانِعًا وَمَمْنُوعًا ، وَمَنْ كَانَ مَمْنُوعًا كَانَ مَغْلُوبًا ، وَذَلِكَ صِفَةُ الْحَدَثِ ، وَالْبَارِي قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ ، وَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ، لَمْ يَزَلْ وَلا يَزَالُ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ ؟ قِيلَ : لأَنَّهُ حَيٌّ لَيْسَ بِسَاكِتٍ ، وَلا بِهِ آفَةٌ تَمْنَعُهُ مِنَ الْكَلامِ ، وَكُلُّ حَيٍّ كَانَ كَذَلِكَ ، كَانَ مُتَكَلِّمًا ، وَلأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ لُزُومُ الْخِطَابِ ، وَوُجُودُ الأَمْرِ عَمَّنْ لا يَصِحُّ مِنْهُ الْكَلامُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُتَكَلِّمًا ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ حَيًّا ، قَادِرًا ، عَالِمًا ، مُرِيدًا ، سَمِيعًا ، بَصِيرًا ، مُتَكَلِّمًا ؟ قِيلَ : لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ مَوْصُوفًا بِأَضْدَادِهَا مِنَ الْمَوْتِ ، أَوْ عَجْزٍ أَوْ آفَةٍ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لاسْتَحَالَ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ فِعْلٌ ، وَفِي صِحَّةِ الْفِعْلِ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ ، وَلا يَزَالُ كَذَلِكَ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ ، قَادِرٌ ، عَالِمٌ ، مُرِيدٌ ، سَمِيعٌ ، بَصِيرٌ ، مُتَكَلِّمٌ ، لَهُ الْحَيَاةُ ، وَالْقُدْرَةُ ، وَالْعِلْمُ ، وَالإِرَادَةُ ، وَالسَّمْعُ ، وَالْبَصَرُ ، وَالْكَلامُ ؟ قِيلَ : لأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إِثباثُ مَوْجُودٍ بِهَذِهِ الأَوْصَافِ مَعَ نَفْيِ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَنْهُ ، وَحِينَ لَزِمَ إِثْبَاتُهُ بِهَذِهِ الأَوْصَافِ لَزِمَ إِثْبَاتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَهُ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ سورة البقرة آية 255 ، وَقَالَ تَعَالَى : وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا سورة طه آية 98 ، وَقَالَ : وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا سورة الطلاق آية 12 ، أَيْ عِلْمُهُ قَدْ أَحَاطَ بِالْمَعْلُومَاتِ كُلِّهَا ، إِلَى سَائِرِ الآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، وَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ سورة الذاريات آية 58 ، فَأَثْبَتَ الْقُوَّةَ لِنَفْسِهِ ، وَهِيَ الْقُدْرَةُ ، وَأَثْبَتَ الْعِلْمَ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَالِمٌ بِعِلْمٍ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ ، وَلأَنَّهُ لَوْ جَازَ عَالِمٌ لا عِلْمَ لَهُ لَجَازَ عِلْمٌ لا عَالِمَ بِهِ ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ فَاعِلٌ لا فِعْلَ لَهُ ، لَجَازَ فِعْلٌ لا لِفَاعِلٍ ، فَلما اسْتَحَالَ فَاعِلٌ لا فِعْلَ لَهُ كَمَا اسْتَحَالَ فِعْلٌ لا فَاعِلَ لَهُ ، كَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ عَالِمٌ لا عِلْمَ لَهُ ، كَمَا يَسْتَحِيلُ عِلْمٌ لا لِعَالِمٍ ، وَلأَنَّ الْعِلْمَ لَوْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي كَوْنِ الْعَالِمِ عَالِمًا لَمْ يَضُرَّ عَدَمُهُ فِي كُلِّ عَالِمٍ ، حَتَّى يَصِحَّ كُلُّ عَالِمٍ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ ، وَحِينَ كَانَ شَرْطًا فِي كَوْنِ بَعْضِهِمْ عَالِمًا وَجَبَ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَالِمٍ لامْتِنَاعِ اخْتِلافِ الْحَقَائِقِ مِنَ الْمَوْصُوفِينَ ، وَلأَنَّ إِحْكَامَ الْفِعْلِ يَمْتَنِعُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ مِنَّا بِهِ كَمَا يَمْتَنِعُ مَعَ كَوْنِنَا غَيْرَ عَالِمِينَ بِهِ ، فَكَمَا وَجَبَ اسْتِوَاءُ جَمِيعِ الْمُحْكِمِينَ فِي كَوْنِهِمْ عُلَمَاءَ ، كَذَلِكَ يَجِبُ اسْتِوَاءُهُمْ فِي كَوْنِ الْعِلْمِ لَهُمْ لاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ مِنْ غَيْرِ ذِي عِلْمٍ بِهِ مِنَّا كَاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ مِنْ غَيْرِ عَالِمٍ بِهِ مِنَّا ، وَلأَنَّ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ مَا يَعْلَمُ بِهِ الْعَالِمُ ، وَبِعَدَمِهِ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ عَالِمًا ، فَلَوْ كَانَ الْقَدِيمُ عَالِمًا بِنَفْسِهِ كَانَتْ نَفْسُهُ عِلْمًا لَهُ ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ ، فَإِنْ عَارَضُوا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الآيَاتِ ، بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ سورة يوسف آية 76 ، قُلْنَا : لَسْنَا نَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْمٍ عَلَى التَّنْكِيرِ ، وَإِنَّمَا نَقُولُ : إِنَّهُ ذُو الْعِلْمِ عَلَى التَّعْرِيفِ ، كَمَا نَقُولُ : إِنَّهُ ذُو الْجَلالِ ، وَالإِكْرَامِ عَلَى التَّعْرِيفِ ، وَلا نَقُولُ أنه ذُو جَلالٍ وَإِكْرَامٍ عَلَى التَّنْكِيرِ فَمَعْنَى الآيَةِ إِذًا : وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ مُحْدَثٍ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ ، فَإِنْ قَالُوا : فَيَقُولُونَ : إِنَّ عِلْمَهُ قَدِيمٌ وَهُوَ قَدِيمٌ ، قِيلَ : مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ لا يَقُولُ ذَلِكَ مَعَ إِثْبَاتِهِ لَهُ أَزَلِيًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : ذَلِكَ وَلا يَجِبُ بِهِ الاشْتِبَاهُ ، لأَنَّ الْقَدِيمَ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي وُجُودِهِ بِشَرْطِ الْمُبَالَغَةِ ، وَالْمُتَقَدِّمُ فِي الْوُجُودِ هُوَ الْوُجُودُ ، وَالْوُجُودُ لا يُوجِبُ الاشْتِبَاهَ عِنْدَ أَحَدٍ ، فَكَذَلِكَ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْوُجُودِ لا يُوجِبُ الاشْتِبَاهَ ، وَلأَنَّ الْقِدَمَ وَصْفٌ مُشْتَرَكٌ ، يُقَالُ : شَيْخٌ قَدِيمٌ ، وَبِنَاءٌ قَدِيمٌ ، وَعِرْجُونٌ قَدِيمٌ ، فَالاشْتِبَاهُ لا يَقَعُ بِالاشْتِرَاكِ فِي الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ ، وَلأَنَّهُ لَوْ كَانَ الاشْتِبَاهُ يَقَعُ بِالاشْتِرَاكِ فِي الْقِدَمِ ، لَكَانَ يَقَعُ بِالاشْتِرَاكِ فِي الْحَدَثِ ، فَلَمَّا لَمْ يَقَعْ بِالاشْتِرَاكِ فِي الْحَدَثِ ، لَمْ يَقَعْ بِالاشْتِرَاكِ فِي الْقِدَمِ ، وَلأَنَّ عِنْدَنَا حَقِيقَةَ الْمُشْتَبِهِينَ هُمَا الْغَيْرَانِ اللَّذَانِ يَجُوزُ عَلَى أَحَدِهِمَا جَمِيعُ مَا يَجُوزُ عَلَى صَاحِبِهِ وَينُوبُ مَنَابَهُ ، وَصِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ بِأغْيَارٍ لَهُ ، فَإِنْ قَالُوا : لَوْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَوْ غَيْرَهُ أوْ بَعْضَهُ ؟ قِيلَ : هَذِهِ دَعْوَى بَلْ مَا يُنْكِرُ مِنْ عِلْمٍ لا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هُوَ هُوَ لاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ عَالِمًا ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : غَيْرُهُ لاسْتِحَالَةِ مُفَارَقَتِهِ لَهُ ، وَمَعْنَى الْغَيْرَيْنِ مَا لا يَسْتَحِيلُ مُفَارَقَةُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ بِوَجْهٍ ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بَعْضُهُ إِذْ لَيْسَ الْمَوْصُوفُ بِهِ مُتَبَعِّضًا ، فَإِنْ قَالَ : لَوْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ لَكَانَ عَرَضًا مُكْتَسَبًا ، أَوْ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ ، وَكَانَ اعْتِقَادًا مِنْ جِنْسِ عُلُومِنَا لأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ الْعِلْمِ الْمَعْقُودِ ، قِيلَ : لَيْسَ الأَمْرُ كَذَلِكَ لأَنَّ الْعِلْمَ لَمْ يَكُنْ عِلْمًا لأَنَّهُ عَرَضٌ أَوْ بِصِفَةٍ مِمَّا ذَكَرْتُمْ ، وَإِنَّمَا كَانَ عِلْمًا ، لأَنَّ الْعِلْمَ بِهِ يُعْلَمُ ، ثُمَّ يُضْطَرُّ فَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ مُحْدَثًا ، كَانَ عِلْمُهُ عَرَضًا مُكْتَسَبًا ، أَوْ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدَثًا لَمْ يَصِحَّ وَصْفُهُ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَثَ ، وَلَمَّا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا غَيْرَ مُعْتَقِدٍ ، وَلا مُكْتَسِبٍ وَلا مُضْطَرٍّ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ لا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُمْ ، فَإِنْ قَالُوا : لَوْ كَانَ عَالِمًا بِعِلْمٍ لَكَانَ مُحْتَاجًا إِلَى عِلْمِهِ ، قِيلَ : لا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْحَاجَةُ لأَنَّهُ غَنِيٌّ ، لَيْسَ عِلْمُهُ ، وَلا سَائِرُ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ أَغْيَارًا لَهُ ، وَلا أَبْعَاضًا حَتَّى يَصِحَّ وَصْفُهُ بِالْحَاجَةِ إِلَى غَيْرِهِ أَوْ إِلَى بَعْضِهِ ، فَإِنْ قَالُوا : فَيَقُولُونَ إِنَّ عِلْمَهُ عِلْمٌ بِكُلِّ يَصِحُّ أَنْ يُعْلَمَ ، قِيلَ : كَذَلِكَ نَقُولُ ، وَلِذَلِكَ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى عِلْمَهُ ، فَقَالَ : لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا سورة الطلاق آية 12 ، وَأَمَّا غَيْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنَّهُ لا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِكُلِّ مَعْلُومٍ ، فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَجِبُ كَوْنُهُ عَالِمًا بِكُلِّ مَعْلُومٍ ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ عِلْمًا بِكُلِّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُعْلَمَ ، وَالْكَلامُ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ كَالْكَلامِ فِي الْعِلْمِ ، وَلا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ يُجَاوِرُهُ لأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ تَقْتَضِي الْمُمَاسَّةَ ، أَوِ الْمُقَارَبَةَ فِي الْمَكَانِ ، وَذَلِكَ صِفَةُ الأَجْسَامِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْحَوَادِثِ ، وَلا يُقَالُ : إِنَّهَا تَحُلُّهُ ، لأَنَّ الْحُلُولَ يَقْتَضِي الْمُجَاوَرَةَ ، وَقَدْ قَامَتِ الدَّلالَةُ عَلَى بُطْلانِهَا ، وَلا يُقَالُ : إِنَّهَا تُخَالِفُهُ أَوْ تُفَارِقُهُ ، لأَنَّ الْمُفَارَقَةَ ، وَالْمُخَالَفَةَ فَرْعٌ لِلْغَيْرِيَّةِ ، وَالتَّغَايُرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صِفَاتِهِ مُحَالٌ ، وَلا يُقَالُ : إِنَّهُ مِلْكُهُ لأَنَّ مَا يُمْلَكُ يَصِحُّ أَنْ يُفْعَلَ ، وَصِفَاتُهُ أَزَلِيَّةٌ لا يَصِحُّ أَنْ تُفْعَلَ ، وَلا يُقَالُ : فِي صِفَاتِ ذَاتِهِ إِنَّهَا فِي أَنْفُسِهَا مُخْتَلِفَةٌ ، وَلا مُتَّفِقَةٌ لأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَغَايِرَةٍ ، وَلا يُقَالُ : إِنَّهَا مَعَ اللَّهِ أَوْ فِي اللَّهِ ، بَلْ هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِذَاتِهِ قَائِمَةٌ بِهِ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهَا ، وَلا يَزَالُ هُوَ مَوْصُوفًا بِهَا ، وَلِلَّهِ تَعَالَى صِفَاتٌ خَبَرِيَّةٌ مِنْهَا الْوَجْهُ وَالْيَدُ ، طَرِيقُ إِثْبَاتِهَا وُرُودُ خَبَرِ الصَّادِقِ بِهَا ، فَنُثْبِتُهَا وَلا نُكَيِّفُهَا ، وَأَمَّا صِفَاتُ الْفِعْلِ : كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ ، فَإِنَّهَا أَغْيَارٌ ، وَهِيَ فِيمَا لا يَزَالُ ، وَلا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِهَا فِي الأَزَلِ ، وَأَبَى الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنْ يَقُولُوا : فِي اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ خَالِقًا وَرَازِقًا ، وَلَكِنْ يَقُولُونَ : خَالِقُنَا لَمْ يَزَلْ ، وَرَازِقُنَا لَمْ يَزَلْ ، قَادِرًا عَلَى الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ ، لأَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ فِي الأَزَلِ ، ثُمَّ خَلَقَ ، وَإِذَا سُمِّيَ خَالِقًا بَعْدَ وُجُودِ الْخَلْقِ ، لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ تَغَيُّرًا فِي ذَاتِهِ ، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا سُمِّيَ أَبًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يُسَمَّ أَبًا ، لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ تَغَيُّرًا فِي نَفْسِهِ ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : يَجُوزُ الْقَوْلُ لَمْ يَزَلْ خَالِقًا ، رَازِقًا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ سَيَخْلُقُ وَسَيَرْزُقُ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.