ذكر حديث جمع القران


تفسير

رقم الحديث : 155

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ فِي التَّارِيخِ ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَصْبَهَانِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ ، قَالَ : الْحَكَمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو مَرْوَانَ الطَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَاهُ ، سَمِعَ ابْنَ عُيَيْنَةَ ، قَالَ : " أَدْرَكْتُ مَشْيَخَتَنَا مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، يَقُولُونَ : الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ " ، كَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ ، عَنِ الْحَكَمِ ، وَرَوَاهُ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ مَشْيَخَتَنَا مُنْذُ سَبْعِينَ يَقُولُونَ ، فَذَكَرَ مَعْنَى هَذِهِ الْحِكَايَةِ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْفَقِيهُ ، أنا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَرُوبَةَ السُّلَمِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ، فَذَكَرَهُ ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غَيْرُ ، الْحَكَمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : مَشْيَخَةُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَأَكَابِرُ التَّابِعِينَ . وَرَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ ، فِي مَشْيَخَةِ أَجِلَّةٍ سِوَاهُمْ ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَ هَذِهِ الْبِدْعَةَ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ ، وَمِنْهُ كَانَ يَأْخُذُ جَهْمٌ ، فَذَبَحَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ يَوْمَ الأَضْحَى . قَالَ الأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَوْ كَانَ كَلامُ الْبَارِي جَلَّ وَعَزَّ مُحْدَثًا كَانَ قَبْلَ حُدُوثِهِ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ كَانَ مَوْصُوفًا بِجَهْلٍ ، وَآفَةٍ مَانِعَةٍ مِنْهُ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَّا صَحَّ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي حَالٍ ، كَمَا لا يَصِحُّ أَنْ يَعْلَمَ لَوْ كَانَ لَمْ يَزَلْ غَيْرَ عَالِمٍ ، فَوَجَبَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا لِمَا لَمْ يَلْحَقْ بِهِ أَضْدَادُ الْكَلامِ مِنَ السُّكُوتِ ، وَالْخَرَسِ ، وَالطُّفُولِيَّةِ ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : كَلامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا ، كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِضِدِّهِ قَبْلَ خَلْقِهِ لَهُ لاسْتِحَالَةِ أَنْ يَخْلُوَ الْحَيُّ مِنَ الْكَلامِ وَضِدِّهِ ، وَضِدُّ الْكَلامِ لَوْ كَانَ قَدِيمًا ، لَمْ يَجُزْ عَدَمُهُ ، وَكَانَ يُؤَدِّي إِلَى إِحَالَةِ وَصْفِهِ بِالأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَالْخَبَرِ وَذَلِكَ خِلافُ الدِّينِ . وَلأَنَّ الْكَلامَ لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا كَانَ لا يَخْلُو مِنْ أَنَّ خَلْقَهُ فِي نَفْسِهِ ، أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ فِي لا شَيْءَ ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَخْلُقَهُ فِي لا شَيْءَ لأَنَّهُ عَرَضٌ ، وَالْعَرَضُ لا يَقُومُ بِنَفْسِهِ ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَخْلُقَهُ فِي نَفْسِهِ لاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ مَحَلا لِلْحَوَادِثِ ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَخْلُقَهُ فِي غَيْرِهِ لأَنَّهُ ، لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا فِي غَيْرِهِ لَكَانَ مُضَافًا إِلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ بِأَخَصِّ ، أَوْصَافِهِ كَسَائِرِ الأَعْرَاضِ الَّتِي هِيَ عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ ، وَحَيَاةٌ إِذَا خَلَقَهَا فِي غَيْرِهِ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كَلامًا لِلَّهِ ، وَلا أَمْرًا لَهُ ، فَإِنْ قِيلَ : يَكُونُ كَلامًا لَهُ كَمَا يَكُونُ فِعْلُهُ تَفُضَّلا لَهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ ، قِيلَ : التَّفَضُّلُ هُوَ اسْمٌ يَعُمٌّ أَجْنَاسًا ، وَنَحْنُ قُلْنَا يُضَافُ إِلَيْهِ بِأَخَصِّ أَوْصَافِهِ ، فَإِنْ كَانَ قُوَّةً أُضِيفَتْ إِلَى مَا خُلِقَتْ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ سَمْعًا وَبَصَرًا فَكَذَلِكَ , فَقُولُوا : بِأَنَّهُ يُضَافُ إِلَيْهِ بِاسْمِ الأَمْرِ ، وَالنَّهْيِ بِلَفْظِ الْكَلامِ وَالْقَوْلِ ، فَإِنْ لَمْ يُضِيفُوهُ لا بِالأَخَصِّ وَلا بِالأَعَمِّ ، وَلا إِلَى الْجُمْلَةِ ، وَلا إِلَى الْمَحَلِّ ، فَقَدِ افْتَرَقَ الأَمْرُ فِيهِمَا ، فإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ كَلامُهُ غَيْرَ مَخْلُوقٍ لكَانَ لَمْ يَزَلْ مخَبَرًا إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا سورة نوح آية 1 ، وَلَمْ يَزَلْ يُرْسِلُ ، ذَلِكَ كَذِبٌ ، قِيلَ : أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ : وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ سورة إبراهيم آية 22 ، وَلَمْ يَقُلْ بَعْدُ ، أَفَهُوَ كَذِبٌ ؟ فَإِنْ قَالَ : مَعْنَاهُ سَيَقُولُ ، قِيلَ ذَلِكَ قَوْلُهُ : إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ سورة نوح آية 1 ، فِي أَزَلِهِ خَبَرًا عَنْ أَنْ سَنُرْسِلَ نُوحًا قَبْلَ إِرْسَالِهِ ، فَإِذَا أَرْسَلَ يُكَذِّبُ خَبَرًا عَنْ إِرْسَالِهِ أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْدِثَ خَبَرًا ، كَمَا أَنَّ عِلْمَهُ بِأَنْ سَيَكُونُ الدُّنْيَا عِلْمُهُ بِأَنَّهُ كَائِنٌ ، وَإِذَا كَانَ لَمْ يَحْدُثْ عِلْمٌ ، إِنَّمَا حَدَثَ الْمَعْلُومُ ، وَالْمُخْبَرُ عَنْهُ ، دُونَ الْعِلْمِ وَالْخَبَرِ ، فَإِنْ قَالُوا : لَوْ كَانَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا لَكَانَ لَمْ يَزَلْ آمِرًا ، وَأَمْرُ مَنْ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ مُحَالٌ ، قِيلَ : مَنْ قَالَ : مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يَزَلْ آمِرًا ، فَهُوَ يَقُولُ لَمْ يَزَلْ آمِرًا ، لَهُ يَكُونُ عَلَى مَعْنَى إِذَا خُلِقْتَ وَبَلَغْتَ ، وَكَمُلَ عَقْلُكَ ، فَافْعَلْ كَذَا ، كَأَوَامِرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ ، وَمَنْ قَالَ : لَمْ يَزَلْ غَيْرَ آمِرٍ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَلامُهُ أَمْرًا لِحُدُوثِ مَعْنًى ، فَنَقُولُ : لا يَجِبُ إِذَا كَانَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا ، أَنْ يَكُونَ لَمْ يَزَلْ آمِرًا لأَنَّ حَقِيقَةَ الْكَلامِ غَيْرُ حَقِيقَةِ الأَمْرِ ، وَلَمْ يَكُنْ كَلامًا لأَنَّهُ أَمْرٌ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَلامًا لأَنَّهُ مَسْمُوعٌ يُفِيدُ مَعَانِيَ الْمُتَكَلِّمِ ، وَيَنْفِي السُّكُوتَ وَالْخَوْصَ ، وَيَكُونُ أَمْرًا لِعِلَّةِ الإِفْهَامِ أَنْ كَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ ، فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا لَكَانَ هَاذِيًا إِذْ لا يَسْمَعُ كَلامَهُ أَحَدٌ . قِيلَ أَلَيْسَ الْمُسَبِّحُ لا يَسْمَعُ كَلامَهُ أَحَدٌ ، وَلا يَكُونُ هَذْيًا ، فَإِنْ قِيلَ : اللَّهُ يَسْمَعُهُ ، قِيلَ : فَهُوَ يَسْمَعُ الْهَذَيَانِ أَيْضًا ، وَلا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَيَانًا ، وَلأَنَّ مَعْنَى الْهَذَيَانِ أَنَّهُ كَلامٌ لا يُفِيدُ ، وَكَلامُ اللَّهِ يُفِيدُ الْمَعَانِيَ الْجَلِيلَةَ ، فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِالْحُرُوفِ ، وَتَأَخُّرِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ ، وَفِي ذَلِكَ دَلالَةٌ عَلَى الْحَدَثِ ، وَكَلامُ الْبَارِي لَيْسَ بِحُرُوفٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى مَوْجُودٌ قَائِمٌ بِذَاتِهِ يُسْمَعُ ، وَتُفْهَمُ مَعَانِيهِ ، وَالْحُرُوفُ تَكُونُ أَدِلَّةً عَلَيْهِ ، كَمَا تَكُونُ الْكِتَابَةُ أَمارَاتِ الْكَلامِ ، وَدَلالاتٍ عَلَيْهِ ، وَكَمَا يُعَقِّلُ مُتَكَلِّمًا لا مَخَارِجَ لَهُ ، وَلا أَدَوَاتَ كَذَلِكَ يُعَقِّلُ لَهُ كَلامًا لَيْسَ بِحُرُوفٍ وَلا أَصْوَاتٍ ، وَقَوْلُهُ : مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ سورة الأنبياء آية 2 دَلِيلُنَا ، لأَنَّهُ لَوْلا أَنَّ فِي الأَذْكَارِ ذِكْرًا غَيْرَ مُحْدَثٍ مَا كَانَتْ لَهُ فَائِدَةٌ ، كَمَا أَنَّ مَنْ قَالَ : جَاءَنِي رَجُلٌ لَهُ رَأْسٌ مَا كَانَتْ لَهُ فَائِدَةٌ إِذْ لا يَخْلُو مِنْهُ رَجُلٌ ، وَمَعْنَى الذِّكْرِ كَلامُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ نَفْسُ الرَّسُولِ لأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَأْتِي فِي الْحَقِيقَةِ ، وَأَمَّا النَّسْخُ وَالتَّبْدِيلُ وَالْحِفْظُ فَكُلُّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى الأِحْكَامِ ، وَإِلَى الْقِرَاءَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْكَلامِ لا إِلَى عَيْنِ الْكَلامِ ، وَكَذَلِكَ التَّبْعِيضُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْقِرَاءَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ ، وَالْقِرَاءَةُ غَيْرُ الْمَقْرُوءِ كَمَا أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ غَيْرُ اللَّهِ ، وَقَوْلُهُ : إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا سورة الزخرف آية 3 يُرِيدُ بِهِ سَمَّيْنَاهُ ، كَقَوْلِهِ : وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا سورة الزخرف آية 19 ، يَعْنِي وَصَفُوا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ سورة الحاقة آية 40 ، وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ سورة الحاقة آية 42 ، وَقَالَ : إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ { 19 } ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ { 20 } مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ { 21 } سورة التكوير آية 19-21 ، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ أَيْ قَوْلٌ تَلَقَّاهُ عَنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ ، أَوْ قَوْلٌ سَمِعَهُ عَنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ ، إِذْ نَزَلَ بِهِ عَلَيْهِ رَسُولٌ كَرِيمٌ ، وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ سورة التوبة آية 6 ، فَأَثْبَتَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُهُ وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلامُهُ وَكَلامُ جِبْرِيلَ مَعًا ، فَدَلَّ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا قُلْنَا ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالْمَقْصُودُ مِنْ تِلْكَ الآيَةِ تَكْذِيبُ الْمُشْرِكِينَ ، فِيمَا كَانُوا يَزْعُمُونَ مِنْ وَضْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقُرْآنَ ، ثُمَّ قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي نَزَّلَ بِهِ الرُّوحَ الأَمِينَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ . وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ الاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ مُعْجِزُ النَّظْمِ فَقَدْ مَضَى الْكَلامُ فِيهِ ، وَالإِعْجَازُ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا يَقَعُ فِي قِرَاءةِ الْقُرْآنِ ، فَنَظْمُ حُرُوفِهِ وَدَلالاتُهُ فِي عَيْنِ كَلامِهِ الْقَدِيمِ ، وَلَمَّا كَانَ الْجِنُّ وَالإِنْسُ عَاجِزَيْنِ عَنِ الإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ ، وَالْمَلائِكَةُ أَيْضًا عَاجِزُونَ عَنِ الإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ ، لأَنَّهُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ نُظُومِ كَلامِ النَّاسِ ، وَلا يُهْتَدَى إِلَى وَجْهِهِ لِيُحْتَذَى ، وَيُمَثَّلُ وَهُوَ كَتَرْكِيبِ الْجَوَاهِرِ لِتَصِيرَ أَجْسَامًا ، وَقَلْبِ الأَعْيَانِ ، إِذْ كَمَا لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْجِنُّ وَالإِنْسُ لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّحَدِّي عَلَيْهِ لِلْجِنِّ وَالإِنْسِ دُونَ الْمَلائِكَةِ ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أُرْسِلَ إِلَى الْجِنِّ ، وَالإِنْسِ دُونَ الْمَلائِكَةِ ، وَفِي ذَلِكَ مَا أَبَانَ أَنَّ نَظْمَ الْقُرْآنِ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ جِبْرِيلَ ، وَلَكِنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ ، وَهَذَا مَعْنَى كَلامِ الْحَلِيمِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، الْوَجْهُ الثَّالِثُ : فَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ضَمِنَ حِفْظَ الْقُرْآنِ ، فَقَالَ : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ سورة الحجر آية 9 ، وَقَالَ : وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ { 41 } لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ { 42 } سورة فصلت آية 41-42 ، فَمَنْ أَجَازَ أَنْ يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنْ زِيَادَةِ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ ، أَوْ نُقْصَانِهِ مِنْهُ ، أَوْ تَحْرِيفِهِ فَقَدْ كَذَّبَ اللَّهَ فِي خَبَرِهِ ، وَأَجَازَ الْخُلْفَ فِيهِ ، وَذَلِكَ كُفْرٌ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مُمْكِنًا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ دِينِهِ ، وَيَقِينٍ مِمَّا هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِهِ لأَنَّهُ كَانَ لا يَأْمَنُ ، أَنْ يَكُونَ فِيمَا كُتِمَ مِنَ الْقُرْآنِ ، أَوْ ضَاعَ بِنَسْخِ شَيْءٍ مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ مِنَ الأَحْكَامِ ، أَوْ تَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ ، وَبَسَطَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكَلامَ فِيهِ ، فَصَحَّ أَنَّ مِنْ تَمَامِ الإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ الاعْتِرَافُ بِأَنَّ جَمِيعَهُ هُوَ هَذَا الْمُتَوَارَثُ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ لا زِيَادَةَ فِيهِ ، وَلا نُقْصَانَ مِنْهُ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.