أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الأَشْقَرَ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ : سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الأَعْلَى ، يَقُولُ : قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ : الإِجْمَاعُ أَكْثَرُ مِنَ الْخَبَرِ الْمُنْفَرِدِ ، وَلَيْسَ الشَّاذُّ مِنَ الْحَدِيثِ أَنْ يَرْوِي الثِّقَةُ مَا لا يَرْوِي غَيْرُهُ ، هَذَا لَيْسَ بِشَاذٍّ ، إِنَّمَا الشَّاذُّ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَةُ حَدِيثًا يُخَالِفُ مَا رَوَى النَّاسُ فَهُوَ شَاذٌّ مِنَ الْحَدِيثِ ، قَالَ أحمد : وَهَذَا النَّوْعُ من معرفة صحيح الحديث من سقيمه لا يُعْرَفُ بِعَدَالَةِ الرُّوَاةِ وَجَرْحِهِمْ ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِكَثْرَةِ السَّمَاعِ ، وَمُجَالَسَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَمُذَاكَرَتِهِمْ ، وَالنَّظَرِ فِي كُتُبِهِمْ ، وَالْوُقُوفِ عَلَى رِوَايَتِهِمْ حَتَّى إِذَا شَذَّ مِنْهَا حَدِيثٌ عَرَفَهُ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، وَهُوَ أَحَدُ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ ، وَلأَجْلِهِ صَنَّفَ الشَّافِعِيُّ كِتَابَ الرِّسَالَةِ ، وَإِلَيْهِ أَرْسَلَهُ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : كَيْفَ تَعْرِفُ صَحِيحَ الْحَدِيثِ مِنْ خَطَأِهِ ؟ قَالَ : كَمَا يَعْرِفُ الطَّبِيبُ الْمَجْنُونَ ، وَقَالَ مَرَّةً : أَرَأَيْتَ لَوْ أَتَيْتَ النَّاقِدَ فَأَرَيْتَهُ دَرَاهِمَكَ ، فَقَالَ : هَذَا جَيِّدٌ ، وَقَالَ : هَذَا بَهْرَجٌ ، أَكُنْتَ تَسْأَلُ عَمَّ ذَلِكَ ، أَوْ كُنْتَ تُسَلِّمُ الأَمْرَ لَهُ ؟ ، قَالَ : بَلْ كُنْتُ أُسَلِّمُ الأَمْرَ لَهُ قَالَ : فَهَذَا كَذَلِكَ ، لِطُولِ الْمُجَالَسَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ وَالْخِبْرَةِ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَقَدْ يَزِلُّ الصَّدُوقُ فِيمَا يَكْتُبُهُ ، فَيَدْخُلُ لَهُ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ ، فَيَصِيرُ حَدِيثٌ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مُرَكَّبًا عَلَى إِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَقَدْ يَزِلُّ الْقَلَمُ فَيُخْطِئُ السَّمْعَ ، وَيَخُونُ الْحِفْظَ ، فَيَرْوِي الشَّاذَّ مِنَ الْحَدِيثِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ ، فَيَعْرِفُهُ أَهْلُ الصَّنْعَةِ الَّذِينَ قَيَّضَهُمُ اللَّهُ لِحِفْظِ سُنَنِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عِبَادِهِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : لَوْلا الْجَهَابِذَةُ لَكَثُرَتِ السُّتُّوقَةُ وَالزِّيُوفُ فِي رِوَايَةِ الشَّرِيعَةِ ، فَمَتَى أَحْبَبْتَ فَهَلُمَّ مَا سَمِعْتَ ، حَتَّى أَعْزِلَ لَكَ مِنْهُ نَقْدَ بَيْتِ الْمَالِ ، أَمَا تَحْفَظُ قَوْلَ شُرَيْحٍ : إِنَّ لِلأَثَرِ جَهَابِذَةً كَجَهَابِذَةِ الْوَرِقِ ، أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْعَلاءِ الْجُرْجَانِيُّ ، قَالَ : أخبرنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، فَذَكَرَهُ فِي حِكَايَةٍ ذَكَرَهَا ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : كنا نَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَنَعْرِضُهُ عَلَى أَصْحَابِنَا كَمَا يُعْرَضُ الدِّرْهَمُ الزَّيْفُ ، فَمَا عَرَفُوا مِنْهُ أَخَذْنَا ، وَمَا أَنْكَرُوا تَرَكْنَا ، قَالَ أَحْمَدُ : وَفِي مِثْلِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَرَدَ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا " ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " إِثْمًا ، أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ " وَرُوِّينَا أَيْضًا ، عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِمَا ، وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ : " لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ، وَلا يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ " ، قَالَ أَحْمَدُ : وَفِي هَذَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ أَنْ يُمْسِكَ ، عَنْ رِوَايَةِ الْمَنَاكِيرِ ، وَيَقْتَصِرَ عَلَى رِوَايَةِ الْمَعْرُوفِ ، وَيَتَوَقَّى فِيهَا وَيَجْتَهِدَ حَتَّى تَكُونَ رِوَايَتُهُ عَلَى الإِثْبَاتِ وَالصِّحَّةِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |