أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَبُو زَكَرِيَّا ، وَأَبُو بكر , قَالُوا : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ عَجْلانَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " أَسْفِرُوا بِصَلاةِ الْفَجْرِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِلأَجْرِ " ، أَوْ قَالَ : " أَعْظَمُ لأُجُورِكُمْ " . فَرَجَّحَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِأَنَّهُ : أَشْبَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى سورة البقرة آية 238 ، فَإِذَا حل الْوَقْتُ فَأَوْلَى الْمُصَلِّينَ بِالْمُحَافَظَةِ : الْمُقَدِّمُ لِلصَّلاةِ ، وَهُوَ أَيْضًا أَشْهَرُ رِجَالا بِالثِّقَةِ وَأَحْفَظُ ، وَمَعَ حَدِيثِ عَائِشَةَ ثَلاثَةٌ ، كُلُّهُمْ يَرْوُونَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ ، زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لا يَأْمُرُ بِأَنْ تُصَلَّى صَلاةٌ فِي وَقْتٍ يُصَلِّيهَا فِي غَيْرِهِ ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ حَدِيثَ " أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ " ، وَهُوَ لا يُؤْثِرُ عَلَى رِضْوَانِ اللَّهِ شَيْئًا ، وَالْعَفْوُ لا يَحْتَمِلُ إِلا مَعْنَيَيْنِ : عَفْوٌ عَنِ تَقْصِيرٍ ، أَوْ تَوْسِعَةٌ ، وَالتَّوْسِعَةُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ فِي غَيْرِهَا إِذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِتَرْكِ ذَلِكَ الْغَيْرِ الَّذِي وُسِّعَ فِي خِلافِهِ يُرِيدُ الْوَقْتَ الأَوَّلَ قَالَ : وَقَدْ أَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا قُلْنَا ، وَسُئِلَ : " أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ " ، فَقَالَ : " الصَّلاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا " ، وَهُوَ لا يَدَعُ مَوْضِعَ الْفَضْلِ ، وَلا يَأْمُرُ النَّاسَ إِلا بِهِ ، قَالَ : وَالَّذِي لا يَجْهَلُهُ عَالِمٌ ، أَنّ تَقْدِيمَ الصَّلاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَوْلَى بِالْفَضْلِ لِمَا يَعْرِضُ لِلآدَمِيِّينَ مِنَ الأَشْغَالِ وَالنِّسْيَانِ وَالْعِلَلِ ، وَذَكَرَ تَقْدِيمَ صَلاةِ الْفَجْرِ عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ قَبْلَ هَذَا ، قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي حَدِيثِ رَافِعٍ : لَهُ وَجْهٌ يُوَافِقُ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَلا يُخَالِفُهُ ، وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَمَّا حَضَّ النَّاسَ عَلَى تَقْدِيمِ الصَّلاةِ ، وَأَخْبَرَ بِالْفَضْلِ فِيهَا ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرَّاغِبِينَ مَنْ يُقَدِّمُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ الآخِرِ ، فَقَالَ : " أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْفَجْرُ الآخَرُ مُعْتَرِضًا " وَحَكَى فِي الْقَدِيمِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ صَلَّى بِمَكَّةَ مِرَارًا ، فَكُلَّمَا بَانَ لَهُ أَنَّهُ صَلاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَعَادَ ، وَأَنَّ أَبَا مُوسَى فَعَلَ ذَلِكَ بِالْبَصْرَةِ ، فِيمَا بَلَغَنَا ، فَلا نَدْرِي لَعَلَّ النَّاسَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَ شَبِيهًا بِفِعْلِهِمَا حِينَ أُخْبِرُوا بالفعل فِي الْوَقْتِ ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا نَرَى الْخُرُوجَ مِنَ الشَّكِّ ، حَتَّى يُصَلِّيَ الْمُصَلِّي بَعْدَ الْيَقِينِ مِنَ الْفَجْرِ ، فَأَمَرَهُمْ بِالإِسْفَارِ ، أَيْ بِالتَّبَيُّنِ ، قَالَ فِي الْجَدِيدِ : وَإِذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلأَحَادِيثِ , كَانَ أَوْلَى بِنَا أَنْ لا نَنْسِبَهُ إِلَى الاخْتِلافِ ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا ، فَالْحُجَّةُ فِي تَرْكِنَا حَدِيثِنَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وَصَفْ مِنَ الدَّلائِلِ مَعَهُ ، قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ : وَقَدْ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ الأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي تَغْلِيسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْفَجْرِ ، ثُمَّ زَعَمَ أَنْ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى الأَفْضَلِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي حَدِيثِ رَافِعٍ ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُدَاوِمُ إِلا عَلَى مَا هُوَ الأَفْضَلُ ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ ، فَخَرَجَ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ ، بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدْخُلُونَ فِيهَا مُغَلِّسِينَ لِيُطَوِّلُوا الْقِرَاءَةَ ، وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا مُسْفِرِينَ ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِنَّمَا خَرَجَ مِنْهَا مُغَلِّسًا ، قَبْلَ أَنْ شُرِعَ فِيهَا طُولُ الْقِرَاءَةِ ، فَاسْتَدَلَّ عَلَى النَّسْخِ بِفِعْلِهِمْ ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنّ بَعْضَهُمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنْهَا مُغَلِّسِينَ كَمَا رُوِّينَا عَنْهُمْ ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الأَوْدِيُّ : صَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ صَلاةَ الْفَجْرِ ، وَلَوْ أَنّ ابْنِي مِنِّي ثَلاثَةُ أَذْرُعٍ لَمْ أَعْرِفْهُ إِلا أَنْ يَتَكَلَّمَ ، ثُمَّ احْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ : " أَنّ أَوَّلَ مَا فُرِضَتِ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَصَلَ إِلَى كُلِّ صَلاةٍ مِثْلَهَا ، غَيْرَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهَا وِتْرٌ ، وَصَلاةُ الصُّبْحِ لِطُولِ قِرَاءَتِهَا " ، وَزَعَمَ أَنّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلاةِ ، وَإِطَالَةَ الْقِرَاءَةِ كَانَتَا مَعًا ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنّ الزِّيَادَةَ فِي الصُّبْحِ ، إِنَّمَا لَمْ يُشْرَعْ لِطُولِ قِرَاءَتِهَا الْمَشْرُوعِ فِيهَا قَبْلَهَا ، ثُمَّ حَمَلَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي التَّغْلِيسِ عَلَى أَنّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُشْرَعَ فِيهَا طُولُ الْقِرَاءَةِ ، وَعَائِشَةُ قَدْ أَخْبَرَتْ أَنّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلاةِ كَانَتْ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، وَغَيْرُهَا يَقُولُ : حِينَ فُرِضَتْ قَبْلَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ ، وَعَلَى زَعْمِهِ حين شُرِعَ طُولُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا حِينَ زِيدَ فِي عَدَدِ غَيْرِهَا ، وَعَائِشَةُ إِنَّمَا حَمَلَتْ حَدِيثَ التَّغْلِيسِ ، وَهِيَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ، وَكَذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ ، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَ بِهَا بَعْدَ مَا هَاجَرَ بِسَنَتَيْنِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْسُوخًا بِحُكْمٍ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ ؟ كَيْفَ وَقَدْ أَخْبَرَتْنَا عَنْ دَوَامِ فِعْلِهِ وَفِعْلِ النِّسَاءِ مَعَهُ ، وَرُوِّينَا ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ فِي حَدِيثٍ مُخَرَّجٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حديث عائشة ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَانَ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ " وَفِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ : أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ ، ثُمَّ صَلاهَا يَوْمًا فَأَسْفَرَ بِهَا ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إِلَى الإِسْفَارِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ . وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى بُطْلانِ النَّسْخِ الَّذِي ادَّعَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ، وَغَيْرِهَا فِي التَّغْلِيسِ ، وَالطَّرِيقُ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ ، أَنْ تُحْمَلَ الأَحَادِيثُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الإِخْبَارِ عَنْ تَغْلِيسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ بِالصُّبْحِ ، عَلَى أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا هُوَ الأَفْضَلُ ، لأَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَكْثَرَ فِعْلِهِمْ ، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ رَافِعٍ عَلَى تَبْيِينِ الْفَجْرِ بِالْيَقِينِ ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ الدُّخُولُ فِيهَا فِي الْغَيْمِ بِالاجْتِهَادِ قَبْلَ التَّبْيِينِ ، وَحَدِيثُ مَنْ أَسْفَرَ بِهَا عَلَى الْجَوَازِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ | رافع بن خديج الأنصاري | صحابي |
مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ | محمود بن لبيد الأشهلي / توفي في :96 | له رؤية |
عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ | عاصم بن عمر الأنصاري | ثقة |
ابْنِ عَجْلانَ | محمد بن عجلان القرشي / توفي في :148 | صدوق حسن الحديث |
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ | سفيان بن عيينة الهلالي | ثقة حافظ حجة |
الشَّافِعِيُّ | محمد بن إدريس الشافعي / ولد في :150 / توفي في :204 | المجدد لأمر الدين على رأس المائتين |
الرَّبِيعُ | الربيع بن سليمان المرادي | ثقة |
أَبُو الْعَبَّاسِ | محمد بن يعقوب الأموي / ولد في :247 / توفي في :346 | ثقة حافظ |
وَأَبُو بكر | أحمد بن الحسن الحرشي | ثقة |
وَأَبُو زَكَرِيَّا | يحيى بن أبي إسحاق النيسابوري / توفي في :414 | ثقة متقن |
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ | الحاكم النيسابوري / ولد في :321 / توفي في :405 | ثقة حافظ |