أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ ، قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : كُلَّمَا احْتُمِلَ حَدِيثَانِ أَنْ يُسْتَعْمَلا مَعًا استعملا معا وَلَمْ يُعَطِّلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلآخَرِ ، فَإِذَا لَمْ يُحْتَمَلِ الْحَدِيثَانِ إِلا الاخْتِلافُ فَلِلاخْتِلافِ فِيهِمَا وَجْهَانِ : أحدهما : أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا وَالآخَرُ مَنْسُوخًا فَيُعْمَلُ بِالنَّاسِخِ وَيُتْرَكُ الْمَنْسُوخُ ، وَالآخَرُ : أَنْ يَخْتَلِفَا وَلا دِلالَةً على أَيُّهُمَا نَاسِخٌ وَلا أَيُّهُمَا مَنْسُوخٌ ، فَلا نَذْهَبُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ غَيْرِه ، إِلا بِسَبَبٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي ذَهَبْنَا إِلَيْهِ أَقْوَى مِنَ الَّذِي تَرَكْنَا ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ أَثْبَتُ مِنَ الآخَرِ فَنَذْهَبُ إِلَى الأَثْبَتِ ، أَوْ يَكُونُ أَشْبَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَوْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا سِوَى مَا اخْتَلَفَا فِيهِ الْحَدِيثَانِ مِنْ سُنَّتِهِ أَوْ أَوْلَى بِمَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَوْ أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ أَوِ الَّذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَجِمَاعُ هذَا أَنَّهُ لا يُقْبَلُ إِلا حَدِيثٌ ثَابِتٌ كَمَا لا يُقْبَلُ مِنَ الشُّهُودِ إِلا مَنْ عُرِفَ عَدْلُهُ ، فَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ مَجْهُولا أَوْ مَرْغُوبًا عَمَّنْ حَمَلَهُ كَانَ كَالْمُرْتَابِ لأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَمِمَّا يَجِبُ مَعْرِفَتَهُ عَلَى مَنْ نَظَرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ ، وَأَبَا الْحُسَيْنِ مُسْلِمَ بْنَ الحَجَّاجٍ النَّيْسَابُورِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَدْ صَنَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كِتَابًا يَجْمَعُ أحَادِيثَ كُلَّهَا صِحَاحَ ، وَقَدْ بَقِيَتْ أَحَادِيثٌ صِحَاحٌ لَمْ يُخَرِّجْهَا لِنُزُولِهَا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الدَّرَجَةِ الَّتِي رَسَمَاهَا فِي كِتَابَيْهِمَا فِي الصِّحَّةِ ، وَقَدْ أَخْرَجَ بَعْضَهَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ ، وَبَعْضَهَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ، وَبَعْضَهَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النِّسَائِيُّ ، وَبَعْضَهَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي كِتَابِهِ عَلَى مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادَهُ وَالأَحَادِيثُ المَرْوِيَّةٌ عَلَى ثَلاثَةِ أَنْوَاعٍ فَمِنْهَا : مَا قَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ فَذَاكَ الَّذِي لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتَوَسَّعَ فِي خِلافِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَنْسُوخًا ، وَمِنْهَا مَا قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ فَذَاكَ الَّذِي لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهِ ، وَمِنْهَا : مَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُضَعِّفَهُ بِجُرْحٍ ظَهَرَ لَهُ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ خَفِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَقِفْ مِنْ حَالِهِ عَلَى مَا يُوجِبُ قَبُولَهُ وَقَدْ وَقَفَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَوِ الْمَعْنَى الَّذِي يَجْرَحُهُ بِهِ لا يَرَاهُ غَيْرُهُ جُرْحًا أَوْ وَقَفَ عَلَى انْقِطَاعِهِ أَوِ انْقِطَاعِ بَعْضِ أَلْفَاظِهِ أَوْ إِدْرَاجِ بَعْضَ رِوَايَتِهِ فِي مَتْنِهِ أَوْ دُخُولِ إِسْنَادِ حَدِيثٍ فِي حَدِيثٍ خَفِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ ، فَهَذَا الَّذِي يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ بَعْدَهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا فِي اخْتَلافِهِمْ وَيَجْتَهِدُوا فِي مَعْرِفَةِ مَعَانِيهِمْ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ ، ثُمَّ يَخْتَارُ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ أَصَحَّهَا ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |