قَالَ : وَأَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا , عَنِ الضَّحَّاكِ عَنْ عُثْمَانَ , عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ , عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ , قَالَ : " إِذَا جَاءَنَا أَهْلُ الْكِتَابِ يَطْلُبُونَ حُكْمَنَا حَكَمْنَا عَلَيْهِمْ , فَإِنْ لَمْ يَأْتُونَا رَاغِبِينَ فِي السُّنَّةِ ، لَمْ نَلْتَفِتْ إِلَيْهِمْ " , قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ , بِإِسْنَادِهِ : فَإِنْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا عِنْدَكَ يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ عَنْ عَلِيٍّ , فَهُوَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ، أَوْ يَتْرُكَ الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ , قَالَ : فَقَالَ : قَدْ رَوَى بَجَالَةُ , عَنْ عُمَرَ بن الخطاب , أَنَّهُ كَتَبَ : " فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنَ الْمَجُوسِ ، وَانْهَوْهُمْ عَنِ الزَّمْزَمَةِ " , وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ : كَتَبَ إِلَى جَزِيِّ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، أَنْ فَرِّقُوا , ثُمَّ ذَكَرَهُ , فَمَا رُوِّينَا ، فَكَيْفَ لَمْ تَأْخُذُوا بِهِ ؟ , قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقُلْتُ لَهُ : بَجَالَةُ رَجُلٌ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ , وَلَسْنَا نَحْتَجُّ بِرِوَايَةِ رَجُلٍ مَجْهُولٍ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ , وَلا نعْرَفُ أَنَّ جَزِيَّ بْنَ مُعَاوِيَةَ كَانَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَامِلا , ثُمَّ بَسَطَ الْكَلامَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ , وَقَالَ فِي خِلالِهِ : حَدِيثُ بَجَالَةَ مُوَافِقٌ لَنَا , لأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، إِنَّمَا حَمَلَهُمْ إِنْ كَانَ حَدِيثُ بَجَالَةَ ثَابِتًا عَلَى مَا كَانَ حاملا عَلَيْهِ الْمُسْلِمينَ ، بِأَنَّ الْحَرَائِمَ لا يَحْلِلْنَ لِلْمُسْلِمِينَ , وَلا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ الزَّمْزَمَةُ , أفَتَحْمِلُهُمْ عَلَى مَا تَحْمِلُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمِينَ , وَتَتَبَّعَهُمْ كَمَا تَتَبَّعَ الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ : لا , قُلْتُ : فَقَدْ خَالَفْتَ مَا رَوَيْتَ عَنْ عَمْرَ , ثُمَّ سَاقَ الْكَلامَ إِلَى ، أَنْ قَالَ : وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ أَهْلِ الْعِلْمِ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ ، إِلا فِي الْمُوَادِعَيْنِ اللَّذَيْنِ رُجِمَا , وَلا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ ، إِلا مَا رَوَى بَجَالَةُ مِمَّا يُوَافِقُ حُكْمَ الإِسْلامِ , وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ , عَنْ قَابُوسَ , عَنْ عَلِيٍّ مِمَّا يُوَافِقُ قَوْلَنَا فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ إِلا أَنْ يَشَاءَ , قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ ، وَإِنْ لَمْ تُخَالِفَانَا غَيْرُ مَعْرُوفَتَيْنِ عِنْدَنَا , وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ لا نَكُونَ مِمَّنْ تَدَعُوهُ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إِلَى قَبُولِ خَبَرِ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ خَبَرُهُ بِمَعْرِفَتِهِ عِنْدَهُ , قَالَ أَحْمَدُ : كَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ , وَنَصَّ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلإِمَامِ الْخِيَارَ فِي أَحَدٍ مِنَ الْمُتعَاهَدِينَ الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِمُ ، الْحُكْمُ إِذَا جَاءُوهُ فِي حَدِّ اللَّهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ , وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ سورة التوبة آية 29 , قَالَ : فَكَانَ الصِّغَارُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الإِسْلامِ , وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ حَدِيثَ بَجَالَةَ فِي الْجِزْيَةِ , وَقَالَ : حَدِيثُ بَجَالَةَ مُتَّصِلٌ ثَابِتٌ ، لأَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ , وَكَانَ رَجُلا فِي زَمَانِهِ كَاتِبًا لِعُمَّالِهِ , وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَقِفْ عَلَى حَالِ بَجَالَةَ بْنِ عَبْدٍ , وَيُقَالُ : " ابْنُ عَبْدَةَ " , حِينَ صَنَّفَ كِتَابَ الْحُدُودِ , ثُمَّ وَقَفَ عَلَيْهِ حِينَ صَنَّفَ كِتَابَ الْجِزْيَةِ , وَحَدِيثُ بَجَالَةَ قَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ , وَحَدِيثُ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ , وَقَابُوسُ بْنُ مُخَارِقٍ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ , فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |