باب في قسمة غنائم حنين وما جرى فيها


تفسير

رقم الحديث : 47

ذكره ابن شهاب ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ , قَالَ : سَمِعْتُ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : وَفِيهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ : فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلا مِنْ تَبُوكَ , ثَابَ إِلَيَّ لُبِّي , وَعَلِمْتُ أَنِّي قَدْ فَعَلْتُ مَا لَمْ يُرْضِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي تَخَلُّفِي عَنْهُ , فَقُلْتُ : أَكْذِبُهُ , وَتَذَكَّرْتُ مَا يَكُونُ مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي أَخْرُجُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ , فَلَمْ يَتَّجِهْ لِي , فَلَمَّا قِيلَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَطَلَّ قَادِمًا , زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَلِمْتُ أَنِّي لا أَنْجُو مِنْهُ إِلا بِالصِّدْقِ , فَلَمَّا صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ , فَجَاءَ الْمُتَخَلِّفُونَ فَجَعَلُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ , وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلا , فَقَبِلَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ , وَجِئْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ , فَتَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ , وَقَالَ لِي : " مَا خَلَّفَكَ ؟ أَلَمْ أَكُنِ ابْتَعْتُ ظَهْرَكَ ؟ " فَقُلْتُ : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْ غَيْرِكَ لَرَجَوْتُ أَنْ أُقِيمَ عِنْدَهُ عُذْرِي لأَنِّي أُعْطِيتُ جَدَلا , وَلَكِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنِّي إِنْ كَذَبْتُكَ الْيَوْمَ أَطْلَعَكَ اللَّهُ عَلَيْهِ غَدًا فَفَضَحْتُ نَفْسِي , فَوَاللَّهِ مَا كَانَ لِيَ عُذْرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْكَ , وَمَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَكُمْ , فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ " فَقُمْتُ وَمَعِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي بَنِي سَلَمَةَ , يقولون : مَا عَلِمْنَاكَ أَتَيْتَ قَطُّ غَيْرَ هَذَا الذَّنْبِ , أَفَلا اعْتَذَرْتَ إِلَيْهِ فَيَسَعَكَ مَا وَسِعَ الْمُتَخَلِّفِينَ , وَكَانَ يَكْفِيكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَنْصَرِفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَكْذِبَ نَفْسِي , ثُمَّ قُلْتُ : هَلْ لَقِيَ مِثْلَ هَذَا أَحَدٌ غَيْرِي ؟ قَالُوا , نَعَمْ , رَجُلانِ قَالا مِثْلَ مَقَالِكَ , وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لَكَ , قُلْتُ : مَنْ هُمَا ؟ قَالُوا : مُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَمْرِيُّ , وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ , فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ فِيهِمَا أُسْوَةٌ , فَصَمَتُّ حِينُ ذَكَرُوهُمَا لِي , وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ خَاصَّةً , فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا , حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي نَفْسِي وَالأَرْضُ الَّتِي أَنَا فِيهَا , فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا , وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ بِالأَسْوَاقِ لا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ , وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَلا أَسْمَعُهُ يَرُدُّ عَلَيَّ , فَأَقُولُ لَيْتَ شِعْرِي هَلَّ رَدَّ فِي نَفْسِهِ , وَكُنْتُ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ , فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاتِي نَظَرَ إِلَيَّ , فَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي , حَتَّى إِذَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ , وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ , فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَاللَّهِ مَا زَادَ عَلَى السَّلامِ , فَقُلْتُ : يَا أَبَا قَتَادَةَ , نَشَدْتُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؟ فَسَكَتَ , فَنَاشَدْتُهُ ثَانِيَةً , فَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , فَفَاضَتْ عَيْنَايَ , فَعُدْتُ فَوَثَبْتُ فَتَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ وَخَرَجْتُ , ثُمَّ غَدَوْتُ إِلَى السُّوقِ , فَإِذَا رَجُلٌ يَسْأَلُ عَنِّي مِنْ نِبْطِ الشَّامِ الْقَادِمِينَ بِالطَّعَامِ إِلَى الْمَدِينَةِ يَقُولُ : مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ؟ فَجَعَلَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ , فَجَاءَنِي فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهِ : أَمَّا بَعْدُ , فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ , وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ , فَقُلْتُ حِينَ قَرَأْتُهُ : وَهَذَا مِنَ الْبَلاءِ أَيْضًا أَنْ يَطْمَعَ فِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ , فَعَمَدْتُ إِلَى تَنُّورٍ فَسَجَرْتُ فِيهِ الْكِتَابَ , وَأَقَمْتُ حَالِي , حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ أَتَانِي فَقَالَ لِي : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ , فَقُلْتُ : أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا ؟ قَالَ : لا , بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلا تَقْرَبْهَا , وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ , فَقُلْتُ لامْرَأَتِي : الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي فِيهِمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الأَمْرِ مَا هُوَ قَاضٍ , وَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَائِعٌ لا خَادِمَ لَهُ , أَفَتَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ ؟ قَالَ : " لا , وَلَكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ " قَالَتْ : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ إِلَيَّ , وَمَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِي هَذَا حَتَّى تَخَوَّفْتُ عَلَى بَصَرِهِ , وَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي : لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خِدْمَةِ امْرَأَتِكَ , فَقَدْ أَذِنَ لِهِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ , فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ , إِنِّي لا أَدْرِي مَا يَقُولُ لِي وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ , قَالَ : فَلَبِثْنَا فِي ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ , فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْكَلامِ مَعَنَا , فَلَمَّا صَلَّيْتُ الصُّبْحَ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةٍ وَأَنَا قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ , وَضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي , فَأَنَا كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ قَدْ وَافَى عَلَى ظَهْرِ سَلْعٍ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ : يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ , أَبْشِرْ , فَخَرَرْتُ لِلَّهِ سَاجِدًا , وَعَلِمْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ , وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ , فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا , وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَسًا , وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ حَتَّى وَافَى عَلَى الْجَبَلِ , وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ , فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي , نَزَعْتُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ , وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ يَوْمَئِذٍ غَيْرَهُمَا , وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا , ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَتَيَمَّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَلَقَّانِيَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنِي بِالتَّوْبَةِ , وَيَقُولُونَ : لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ , حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ , فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَحَيَّانِي وَهَنَّأَنِي , وَوَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ , قَالَ : فَكَانَ كَعْبٌ لا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ , قَالَ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ لِي وَوَجْهُهُ يَبْرُقُ مِنَ السُّرُورِ : أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ , قُلْتُ : أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ : لا , بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ , قَالَ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا اسْتَبْشَرَ كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ , فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ , قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي إِلَى اللَّهِ أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ , قُلْتُ : إِنِّي مُمْسِكٌ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ , وَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ , وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لا أُحَدِّثَ إِلا صِدْقًا مَا بَقِيتُ , وَكَانَ مَا نَزَلَ فِي شَأْنِي مِنَ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى جَلَّ ذِكْرُهُ : وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سورة التوبة آية 118 إِلَى قَوْلِهِ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ سورة التوبة آية 119 .

الرواه :

الأسم الرتبة
كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ

صحابي

أَبَاهُ

ثقة

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ

ثقة عالم

ابن شهاب

الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه

Whoops, looks like something went wrong.