من عرض بالتطفيل ولم يصرح


تفسير

رقم الحديث : 85

أَخْبَرَنَا عَلِي بْن أَبِي عَلِي البصري ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنِي أَبُو الفرج عَلِي بْن الْحُسَيْن المعروف بالأصبهاني ، إملاء من حفظه وكتبته عَنْهُ فِي أصول سماعاتي منه ، وَلَمْ يحضرني كتابي فأنقله منه ، فأثبته من حفظي ، وتوخيت ألفاظه بجهدي ، أخبرني مُحَمَّد بْن فريد بْن أَبِي الأزهر ، أَخْبَرَنَا حماد بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الموصلي ، حَدَّثَنِي أَبِي ، قَالَ : " غدوت يومًا وأنا ضجر من ملازمة دار الخلافة والخدمة فِيهَا ، فخرجت ، وركبت بكرة ، وعزمت عَلَى أَن أطوف الصحراء وأتفرج ، فَقُلْتُ لغلماني : إِن جاء رَسُول الخليفة ، أَوْ غيره ، فعرفوه أني بكرت فِي مهم ، وأنكم لا تعرفون أين توجهت ، قَالَ : ومضيت ، فطفت مَا بدا لي ، وعدت وَقَدْ حمي النهار ، فوقفت فِي شارع بالمخرم ، بِهِ فناء ثخين الظل ، وجناح خارج رحب عَلَى الطريق لأستريح . فلم ألبث أَن جاء خادم يقود حمارًا فارهًا ، عَلَيْهِ جارية راكبة ، تحتها منديل دابقي ، وعليها من اللباس الفاخر مَا لا غاية وراءه ، ورأيت لَهَا قوامًا حسنًا ، وطرفًا فاترًا ، وشمائل ظريفة ، فحدست أَنَّهَا مغنية ، فدخلت الدار الَّتِي كنت واقفًا عَلَيْهَا ، وعلقها قلبي فِي الوقت علوقًا شديدًا لَمْ أستطع مَعَهُ البراح ، فلم ألبث إلا يسيرًا حَتَّى أقبل رجلان شابان جميلان ، لهما هيبة تَدُل عَلَى قدرهما وهما راكبان ، فاستأذنا ، فأذن لهما ، فحملني مَا قَدْ حصل فِي قلبي من حب الجارية وإيثاري عَلَى حالها والتوصل إِلَيْهَا عَلَى أَن نزلت معهما ودخلت ، فظنا أَن صاحب الْبَيْت دعاني وظن صاحب الْبَيْت أني معهما ، فجلسنا وأتي بالطعام ، فأكلنا ، وبالشراب فوضع . وخرجت الجارية وَفِي يدها عود ، فرأيت جارية حسناء ، وتمكن مَا فِي قلبي ، فغنت غناء صالحًا ، وشربنا . وقمت قومه للبول ، فسأل صاحب المنزل عني الفتيين ، فأخبراه أنهما يعرفانني ، فَقَالَ : هَذَا طفيلي ، ولكنه ظريف ، فأجملوا عشرته . وجئت فجلست ، فغنت الجارية فِي لحن لي : ذكرتك أَن مرت بنا أم شادن أمام المطايا تشرئب وتسنح من المؤلفات الرمل أدماء حرة شعاع الضحى فِي متنها يتوضح فأدته أداء صالحًا ، وشربت ، ثُمَّ غنت أصواتًا فِيهَا من صنعتي . الطلول الدوارس فارقتها الأوانس أوحشت بَعْد أهلها فَهِيَ قفر بسابس فكان أمرها منه أصلح من الأَوَّل . ثُمَّ غنت أصواتًا من القديم والمحدث ، وغنت فِي أضعافها من صنعتي ومن شعري : قل لمن صد عاتبا ونأى عَنْك جانبا قَدْ بلغت الَّذِي أردت وإن كنت لاعبا واعترفنا بِمَا ادعيت وإن كنت كاذبا فكان أصلح مَا غنته ، فاستعدته منها لأصححه ، فأقبل عَلِي رجل من الرجلين ، فَقَالَ : مَا رأيت طفيليا أصفق منك ، لَمْ ترض بالتطفيل حَتَّى أقترحت ، وَهَذَا تصديق المثل طفيلي ويقترح ، فأطرقت وَلَمْ أجبه ، وجعل صاحبه يكفه عني فلا يكف . ثُمَّ قاموا للصلاة وتأخرت ، فأخذت عود الجارية ، فشددت طبقته ، وأصلحته إصلاحًا محكمًا ، وعدت إِلَى موضعي ، فصليت ، وعادوا ، فأخذ ذَلِكَ الرجل فِي عربدته عَلِي وأنا صامت ، ثُمَّ أخذت الجارية العود وجسته ، فأنكرت حاله ، فَقَالَتْ : من مس عودي ؟ فَقَالُوا : مَا مسه أحد ، فَقَالَتْ : بلى ، والله قَدْ مسه حاذق متقدم وشد طبقته وأصلحه إصلاح متمكن فِي صناعته ، فَقُلْتُ لَهَا : أنا أصلحته . قَالَتْ : فبالله عليك خذه وأضرب بِهِ ، فأخذته منها ، فضربت ، فبدأ طريق عجيب صعب فِيهِ نقرات محركة ، فَمَا بقي أحد مِنْهُم إلا وثب فجلس بيني يدي ، وَقَالُوا : بالله يا سيدنا ! أتغني ؟ قُلْت : نَعَم ! وأعرفكم نفسي أيضًا ، إنا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الموصلي ، ووالله إني لأتيه عَلَى الخليفة وأنتم تشتموني منذ اليوم لأنني تملحت معكم بسبب هذه الجارية ، ووالله لا نطقت بحرف ولا جلست معكم حَتَّى تخرجوا هَذَا المعربد المقيت الغث ، ونهضت لأخرج فعلقوا بي ، فلم أعرج ، ولحقتني الجارية ، فعلقت بي ، فَقُلْتُ : لا أجلس إلا أَن يخرجوا هَذَا المعربد البغيض ، فَقَالَ لَهُ صاحبه : من هَذَا وشبهه حذرت عليك ، فأخذ يعتذر ، فَقُلْتُ : أجلس ، ولكن والله لا أنطق بحرف وَهُوَ حاضر ، فأخذوا بيده فأخرجوه ، فغنيت الأصوات الَّتِي غنتها الجارية من صنعتي ، فطرب صاحب الْبَيْت طربًا شديدًا ، وَقَالَ : هل لَك فِي أمر أعرضه عليك ؟ قُلْت : مَا هُوَ ؟ قَالَ : تقيم عندي شهرًا والجارية والحمار لَك مَعَ مَا عَلَيْهَا للجارية من كسوة ، قُلْت : أفعل ، فأقمت عنده ثلاثين يومًا لا يعرف أحد أين أنا ، والمأمون يطلبني فِي كُل موضع فلا يعرف لي خبرًا . فلما كَانَ بَعْد ثلاثين يومًا أسلم إلي الجارية والحمار والخادم ، فجئت بِذَلِكَ إِلَى منزلي وَهُمْ فِي أقبح صورة لفقدي ، وركبت إِلَى الْمَأْمُون من وقتي ، فلما رآني . قَالَ : إِسْحَاق ! ويحك ! أين تكون ؟ فأخبرته بخبري . فَقَالَ : عَلِي بالرجل الساعة ، فدللتهم عَلَى بيته ، فأحضر ، فسأله الْمَأْمُون عَنِ القصة ، فاخبره . فَقَالَ : أَنْتَ رجل ذو مروءة ، وسبيلك أَن تعاون عَلَيْهَا ، وأمر بِهِ بمئة ألف درهم ، وَقَالَ لَهُ : لا تعاشر ذَلِكَ المعربد النذل . فَقَالَ : معاذ اللَّه يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ ! وأمر لي بخمسين ألف درهم ، وَقَالَ : أحضرني الجارية ، فأحضرته إياها ، فغنته . فَقَالَ لي : قَدْ جعلت لَهَا نوبة فِي كُل يَوْم ثلاثاء تغني من وراء الستارة مَعَ الجواري . وأمر لَهَا بخمسين ألف درهم ، فربحت والله بتلك الركبة وأربحت " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.