أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِب مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن الْحَسَن الكرماني ، قَالَ : سمعت أبا الفرج مُحَمَّد بْن عبيد اللَّه الشيرازي ، يذكر أَن بَعْض الطفيليين مرض ، فَقَالَ لَهُ غلامه : أوصني ! قَالَ : " من اللَّه عليك بصحة الجسم ، وكثرة الأكل ، ودوام الشهوة ، ونقاء المعدة ، ومتعك بضرس طحون ، ومعدة هضوم ، مَعَ السعة والدعة والأمن والعافية ، إِذَا قعدت عَلَى مائدة وعزبك الماء فغصصت بلقمتك ، فضع يدك اليمنى فَوْقَ رأسك وحركها كأنك تسوي كمتك ، فإنها تنزل بإذن اللَّه ، وإذا قعدت عَلَى مائدة وَكَانَ موضعك ضيقًا ، فقل للذي إِلَى جانبك : يا أبا فُلان ، لعلي قَدْ ضيقت عليك ؟ فَإِنَّهُ يتأخر إِلَى خلف ، وَيَقُول : سبحان اللَّه ، لا والله ، موضعي واسع ، فيتسع عليك موضع رجل ، ولا تصادفن من الطعام شَيْئًا فترفع يدك عَنْهُ ، وتقول : لعلي أصادف مَا هُوَ أطيب منه . قَالَ : زدني ، قَالَ : إِذَا وجدت خبزًا فِيهِ قلة : فَكُل الحروف ، فَإِذَا كَانَ كثيرًا ، فَكُل الأوساط ، ولا تكثر شرب الماء وأنت تأكل ، فَإِنَّهُ يمنعك من الأكل ، وَهَذَا عين الحماقة ، قَالَ : زدني ، قَالَ : إِذَا وجدت الطعام فَكُل منه أكل من لَمْ يره قط ، وتزود منه زاد من لا يراه أبدًا . قَالَ : زدني . قَالَ : إِذَا وجدت الطعام فاجعله زادك إِلَى اللَّه ، ولا تأكل الكرمازك مطويا فَإِنَّهُ يعذبك ، كُلهُ مشوشًا حَتَّى تقع عَلَيْهِ الأضراس ، وَهُوَ أخف فِي المضغ ، وإذا دخلت إِلَى عرس كثير الزحام فمر وانه ، وإن كَانَ البواب غليظًا وقاحًا فمره وانهه من غَيْر أَن تعنف عَلَيْهِ ، ويكون كلامًا بَيْنَ النصيحة والإدلال ، فإني دخلت يومًا إِلَى بَعْض الولائم وعنده بغيض ، يَعْنِي : الخباز ، وكنت عَلَيْهِ واجدًا من شَيْء فعله ، فجئت وَقَدْ عمل بزماوردا ليضعه وسط المائدة عِنْدَ الفراغ من الطعام ليطلب الراشن ، فَقُلْتُ لَهُ : استأذنت فِي هَذَا صاحبنا ؟ وَمَا كَانَ عرفني بَعْد ولا يدري من أنا ، فَقَالَ : يا شيخ ! وَهَذَا يستأذن فِيهِ أحد ؟ قُلْت : أسكران ؟ ! تريد أَن تغرم أحدهم أَكْثَر مِمَّا أكل وتنغص عَلَيْهِ ؟ إنك لجاهل أحمق ، صاحب الوليمة لا يرضي بِهَذَا ، وَهَذَا مِمَّا لا يَجُوز أَن أكتمه ، ولولا خوفي لائمته لَمْ آسف بشيء يصير إليك . قَالَ الخباز : فهل لَك أَن تكفيني مؤنته ولك نصف مَا أصبت ؟ فَقُلْتُ : أفعل . ولزمته ، وجعلت آكل كُل شَيْء أشتهي ، وآمر وأنهي ، وَكَانَ الخباز يظن أَن بيني وبين الرجل حرمة ، أَوْ قرابة للمرأة ، وقاسمت الخباز ، وأخذت منه نصف مَا أصاب ، ثُمَّ عرفني بَعْد ذَلِكَ ، فصالحني " .