باب ما جاء في القول الواحد من الصحابة


تفسير

رقم الحديث : 296

أنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ ، نا أَبُو عُتْبَةَ ، نا بَقِيَّةُ ، نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنِ ابْنِ حَلْبَسٍ ، قَالَ : قَالَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اتَّقُوا اللَّهَ ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لَيَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضَلالَةٍ " . قُلْتُ : يَعْنِي أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ابْنُهُ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : هَذِهِ كُلَّهَا أَخْبَارُ آحادٍ ، فَلا يَجُوزُ الاحْتِجَاجُ بِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، قِيلَ لَهُ : هَذِهِ مَسْأَلَةٌ شَرْعِيَّةٌ ، فَطَرِيقُهَا مِثْلُ طَرِيقِ مَسَائِلَ الْفُرُوعِ ، وَلَيْسَ لِلْمُخَالِفِ فِيهَا طَرِيقٌ يُمْكِنْهُ الْقَوْلُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْقَطْعَ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ سَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ وَجَوَابٌ آخَرُ ، وَهُوَ : أَنَّهَا أَحَادِيثُ تَوَاتُرٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى ، لأَنَّ الأَلْفَاظَ الْكَثِيرَةَ إِذَا وَرَدَتْ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَرَوَاهُ شَتَّى وَعَنَاهَا وَاحِدٌ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهَا كَذِبًا ، وَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا صَحِيحًا ، أَلا تَرَى أَنَّ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ ، إِذَا أَخْبِرُوا بِإِسْلامِهِمْ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ طَارِقٌ قَطْعًا ، وَلِهَذَا نَقُولُ : إِنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ جَمِيعَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَخْبَارِ الآحَادِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا مَوْضُوعًا وَجَوَابٌ آخَرُ ، وَهُوَ : أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَخْبَارِ الآحَادِ فَقَدْ قَامَتِ الْحُجَّةُ بِصِحَّتِهَا وَثُبُوتِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تُرْوَى فِي كُلِّ عَصْرٍ ، وَيُحْتَجُّ بِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ رَدَّهَا وَأَنْكَرَهَا ، وَلَوْ لَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ عِنْدَهُمْ بِصِحَّتِهَا لَوَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِيهَا فَيَقْبَلَهَا قَوْمٌ وَيَرُدَّهَا آخَرُونَ ، لأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ بِصِحَّتِهِ عِنْدَهُمْ ، فَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ مُوجِبًا لِصِحَّتِهَا عِلْمًا وَقَطْعًا فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ احْتِجَاجِ الْمُخَالِفِ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ ، وَأَنَّ الإِجْمَاعَ لَمْ يُذْكَرْ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الأَدِلَّةِ فَهُوَ : أَنَّ الإِجْمَاعَ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لأَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ الإِجْمَاعُ فِي حَيَاتِهِ دُونَهُ ، وَقَوْلُهُ بِانْفِرَادِهِ حُجَّةٌ لا يُفْتَقَرُ إِلَى قَوْلِ غَيْرِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِهِ اعْتِبَارٌ بِالإِجْمَاعِ ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ احْتِجَاجِهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا ، وَبِقَوْلِهِ : لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَهُوَ أَنَّهُ خِطَابٌ لِبَعْضِ الأُمَّةِ ، وَالْبَعْضُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ ، وَلأَنَّ قَوْلَهُ : لا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلالَةٍ خَاصٌّ فِي حَالِ الإِجْمَاعِ ، وَالْخَاصُّ يَجِبُ أَنْ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْعَامِّ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ : إِنَّهُمْ فِي حَالِ الإِجْمَاعِ بِمَنْزِلَتِهِمْ فِي حَالِ الانْفِرَادِ : فَهُوَ : أَنَّ عِصْمَةَ الأُمَّةِ فِي حَالِ الإِجْمَاعِ أَثْبَتْنَاهُ بِالشَّرْعِ دُونَ الْعَقْلِ ، فَلا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لا يَخْتَارُونَ الْخَطَأَ فِي حَالِ الإِجْمَاعِ ، وَلا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ ، وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَالْعَمَلُ بِهِ ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ : إِنَّهُ لا طَرِيقَ إِلَى مَعْرِفَةِ الإِجْمَاعِ لِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ ، فَهُوَ : أَنَّ الإِجْمَاعَ يَنْعَقِدُ عِنْدَنَا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ كَانَتِ الْعَامَّةُ تَابِعَةٌ لَهُمْ ، وَيُمْكِنُ مَعْرِفَةُ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، لأَنَّ مَنِ اشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ حَتَّى صَارَ مِنْ أَهْلِ الاجْتِهَادِ فِيهِ لَمْ يَخْفَ أَمْرُهُ عَلَى أَهْلِ بَلَدِهِ وَجِيرَانِهِ ، وَلَمْ يَخْفَ حُضُورُهُ وَغَيْبَتُهُ ، وَيُمْكِنُ الإِمَامُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى الْبِلادِ ، وَيَتَعَرَّفَ أَقَاوِيلَ الْجَمِيعِ فَإِنْ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي أَسْرٍ فِي الْغَزْوِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَحَصَلَ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ ؟ فَالْجَوَابُ : أَنَّ مِثْلَ هَذَا لا يَخْفَى ، وَإِذَا جَرَى مِثْلُ ذَلِكَ ، لَمْ يَنْعَقِدِ الإِجْمَاعُ ، إِلا بِالْوقُوفِ عَلَى مَذْهَبِهِ فِيهِ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.