حَدَّثَنِي جَدِّي ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عِيسَى الْمَدِينِيِّ ، قَالَ : " لَمَّا كَانَ تُبَّعٌ بِالدُّفِّ مِنْ جُمْدَانَ بَيْنَ أَمَجَ وَعُسْفَانَ ، دَفَّتْ لَهُمْ دَوَابُّهُمْ ، وَأَظْلَمَتِ الأَرْضُ عَلَيْهِمْ ، فَدَعَا أَحْبَارًا كَانُوا مَعَهَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَسَأَلَهُمْ ، فَقَالُوا : هَلْ هَمَمْتَ لِهَذَا الْبَيْتِ بِشَيْءٍ ؟ قَالَ : أَرَدْتُ أَنْ أَهْدِمَهُ . قَالُوا : فَانْوِ لَهُ خَيْرًا أَنْ تَكْسُوَهُ ، وَتَنْحَرَ عِنْدَهُ ، فَفَعَلَ ، فَانْجَلَتْ عَنْهُمُ الظُّلْمَةُ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الدُّفَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : فَسَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالدُّفِّ مِنْ جُمْدَانَ ، بَيْنَ أَمَجَ وَعُسْفَانَ ، دَفَّتْ بِهِمُ الأَرْضُ ، وَغَشِيَتْهُمْ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ ، وَرِيحٌ ، فَدَعَا أَحْبَارًا كَانُوا مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَسَأَلَهُمْ ، فَقَالُوا : هَلْ هَمَمْتَ لِهَذَا الْبَيْتِ بِسُوءٍ ؟ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ لَهُ الْهُذَلِيُّونَ ، وَبِمَا أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ ، فَقَالَتِ الأَحْبَارُ : وَاللَّهِ مَا أَرَادُوا إِلا هَلاكَكَ ، وَهَلاكَ قَوْمِكَ ، إِنَّ هَذَا بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ ، وَلَمْ يُرِدْهُ أَحَدٌ قَطُّ بِسُوءٍ إِلا هَلَكَ . قَالَ : فَمَا الْحِيلَةُ ؟ قَالُوا : تَنْوِي لَهُ خَيْرًا ، أَنْ تُعَظِّمَهُ ، وَتَكْسُوَهُ ، وَتَنْحَرَ عِنْدَهُ ، وَتُحْسِنَ إِلَى أَهْلِهِ . فَفَعَلَ ، فَانْجَلَتْ عَنْهُمُ الظُّلْمَةُ ، وَسَكَنَتِ الرِّيحُ ، وَانْطَلَقَتْ بِهِمْ رِكَابُهُمْ وَدَوَابُّهُمْ ، فَأَمَرَ تُبَّعٌ بِالْهُذَلِيِّينَ ، فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ ، وَصَلَبَهُمْ . وَإِنَّمَا كَانُوا فَعَلُوا ذَلِكَ حَسَدًا لِقُرَيْشٍ عَلَى وِلايَتِهِمُ الْبَيْتَ ، ثُمَّ سَارَ تُبَّعٌ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ ، فَكَانَتْ سِلاحَهُ بِقُعَيْقِعَانَ ، فَيُقَالُ : فَبِذَلِكَ سُمِّيَ قُعَيْقِعَانَ ، وَكَانَتْ خَيْلُهُ بِأَجْيَادٍ ، وَيُقَالُ : إِنَّمَا سُمِّيَتْ أَجْيَادٌ أَجْيَادًا بِجِيَادِ خَيْلِ تُبَّعٍ ، وَكَانَتْ مَطَابِخُهُ فِي الشِّعْبِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ : شِعْبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ ؛ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ الشِّعْبُ : الْمَطَابِخَ ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ أَيَّامًا ، يَنْحَرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ بَدَنَةٍ ، لا يَرْزَأُ هُوَ وَلا أَحَدٌ مِمَّنْ فِي عَسْكَرِهِ مِنْهَا شَيْئًا ، يَرِدُهَا النَّاسُ ، فَيَأْخُذُونَ مِنْهَا حَاجَتَهُمْ ، ثُمَّ تَقَعُ الطَّيْرُ ، فَتَأْكُلُ ، ثُمَّ تَنْتَابُهَا السِّبَاعُ إِذَا أَمْسَتْ ، لا يُصَدُّ عَنْهَا شَيْءٌ مِنَ الأَشْيَاءِ إِنْسَانٌ ، وَلا طَائِرٌ ، وَلا سَبْعٌ ، يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ ، مَقَامَهُ أَجْمَعَ ، ثُمَّ كَسَا الْبَيْتَ كِسْوَةً كَامِلَةً ، كَسَاهُ الْعَصْبَ ، وَجَعَلَ لَهُ بَابًا يُغْلَقُ بِضَبَّةٍ فَارِسِيَّةٍ . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : كَانَ تُبَّعٌ أَوَّلَ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ كِسْوَةً كَامِلَةً ، أُرِيَ فِي الْمَنَامِ أَنْ يَكْسُوَهَا ، فَكَسَاهَا الأَنْطَاعَ ، ثُمَّ أُرِيَ أَنْ يَكْسُوَهَا ، فَكَسَاهَا الْوَصَائِلَ ، ثِيَابَ حِبَرَةٍ مِنْ عَصْبِ الْيَمَنِ ، وَجَعَلَ لَهَا بَابًا يُغْلَقُ ، وَلَمْ يَكُنْ يُغْلَقُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَقَالَ تُبَّعٌ فِي ذَلِكَ ، وَفِي مَسِيرِهِ شِعْرًا : وَكَسَوْنَا الْبَيْتَ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ مُلاءً مُعْصَبًا وَبُرُودَا وَأَقَمْنَا بِهِ مِنَ الشَّهْرِ عَشْرًا وَجَعَلْنَا لِبَابِهِ إِقْلِيدَا وَخَرَجْنَا مِنْهُ نَؤُمُّ سُهَيْلا قَدْ رَفَعْنَا لِوَاءَنَا مَعْقُودَا .