حَدَّثَنِي جَدِّي ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، أَنَّهُ قَالَ : " لَمَّا ظَهَرَتِ الْحَبَشَةُ عَلَى أَرْضِ الْيَمَنِ كَانَ مُلْكُهُمْ إِلَى أَرْيَاطَ ، وَأَبْرَهَةَ ، وَكَانَ أَرْيَاطُ فَوْقَ أَبْرَهَةَ ، فَأَقَامَ أَرْيَاطُ بِالْيَمَنِ سَنَتَيْنِ فِي سُلْطَانِهِ ، لا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ ، ثُمَّ نَازَعَهُ أَبْرَهَةُ الْحَبَشِيُّ الْمُلْكَ ، وَكَانَ فِي جُنْدٍ مِنَ الْحَبَشَةِ ، فَانْحَازَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْحَبَشَةِ طَائِفَةٌ ، ثُمَّ سَارَ أَحَدُهُمَا إِلَى الآخَرِ ، فَكَانَ أَرْيَاطُ يَكُونُ بِصَنْعَاءَ ، وَمَخَالِيفِهَا ، وَكَانَ أَبْرَهَةُ يَكُونُ بِالْجَنَدِ ، وَمَخَالِيفِهَا ، فَلَمَّا تَقَارَبَ النَّاسُ ، وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ، أَرْسَلَ أَبْرَهَةُ إِلَى أَرْيَاطَ : إِنَّكَ لا تَصْنَعُ بِأَنْ تُلْقِيَ الْحَبَشَةَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ، فَتُفْنِيَهَا بَيْنَنَا ، فَابْرُزْ لِي ، وَأَبْرُزُ لَكَ ، فَأَيُّنَا مَا أَصَابَ صَاحِبَهُ ، انْصَرَفَ إِلَيْهِ جُنْدُهُ . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَرْيَاطٌ : قَدْ أَنْصَفْتَ . فَخَرَجَ أَرْيَاطُ ، وَكَانَ رَجُلا عَظِيمًا ، طَوِيلا وَسِيمًا ، وَفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ لَهُ ، وَخَرَجَ لَهُ أَبْرَهَةُ ، وَكَانَ رَجُلا قَصِيرًا ، حَادِرًا ، لَحِيمًا ، دَحْدَاحًا ، وَكَانَ ذَا دِينٍ فِي النَّصْرَانِيَّةِ ، وَخَلَّفَ أَبْرَهَةُ عَبْدًا لَهُ يَحْمِي ظَهْرَهُ ، يُقَالُ لَهُ : عَتُودَةُ ، فَلَمَّا دَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ ، رَفَعَ أَرْيَاطُ الْحَرْبَةَ ، فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ أَبْرَهَةَ ، يُرِيدُ يَافُوخَهُ ، فَوَقَعَتِ الْحَرْبَةُ عَلَى جَبْهَةِ أَبْرَهَةَ ، فَشَرَمَتْ حَاجِبَهُ ، وَعَيْنَهُ ، وَأَنْفَهُ ، وَشَفَتَيْهِ ؛ فَبِذَلِكَ سُمِّيَ : أَبْرَهَةَ الأَشْرَمَ ، وَحَمَلَ غُلامُ أَبْرَهَةَ عَتُودَةُ عَلَى أَرْيَاطَ ، مِنْ خَلْفِ أَبْرَهَةَ ، فَزَرَقَهُ بِالْحَرْبَةِ فَقَتَلَهُ ، فَانْصَرَفَ جُنْدُ أَرْيَاطَ إِلَى أَبْرَهَةَ ، فَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْحَبَشَةُ بِالْيَمَنِ ، وَكَانَ مَا صَنَعَ أَبْرَهَةُ ، مِنْ قَتْلِهِ أَرْيَاطَ ، بِغَيْرِ عِلْمِ النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ بِأَرْضِ أُكْسُومٍ مِنْ بِلادِ الْحَبَشِ ، فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا ، وَقَالَ : عَدَا عَلَى أَمِيرِي بِغَيْرِ أَمْرِي ، فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ حَلَفَ النَّجَاشِيُّ لا يَدَعُ أَبْرَهَةَ حَتَّى يَطَأَ أَرْضَهُ ، وَيَجُزَّ نَاصِيَتَهُ . فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أَبْرَهَةَ ، حَلَقَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ مَلأَ جِرَابًا مِنْ تُرَابِ أَرْضِ الْيَمَنِ ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إِنَّمَا كَانَ أَرْيَاطُ عَبْدَكَ ، وَأَنَا عَبْدُكَ ، اخْتَلَفْنَا فِي أَمْرِكَ ، وَكُلُّنَا طَاعَتُهُ لَكَ ، إِلا إِنِّي كُنْتُ أَقْوَى عَلَى أَمْرِ الْحَبَشَةِ مِنْهُ ، وَأَضْبَطُ ، وَأَسْوَسُ لَهُمْ مِنْهُ ، وَقَدْ حَلَقْتُ رَأْسِي كُلَّهُ حِينَ بَلَغَنِي قَسَمُ الْمَلِكِ ، وَبَعَثْتُ بِهِ إِلَيْهِ مَعَ جِرَابٍ مِنْ تُرَابِ أَرْضِي ؛ لِيَضَعَهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ، فَيَبِرَّ بِذَلِكَ قَسَمَهُ . فَلَمَّا انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى النَّجَاشِيِّ رَضِيَ عَنْهُ ، وَكَتَبَ لَهُ : أَنِ اثْبُتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي . فَأَقَامَ أَبْرَهَةُ بِالْيَمَنِ ، وَبَنَى أَبْرَهَةُ عِنْدَ ذَلِكَ الْقُلَّيْسِ بِصَنْعَاءَ إِلَى جَنْبِ غُمْدَانَ ، وَبَنَى كَنِيسَةً وَأَحْكَمَهَا ، وَسَمَّاهَا : الْقُلَّيْسَ ، وَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ : إِنِّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ كَنِيسَةً لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا لِمَلِكٍ كَانَ قَبْلَكَ ، وَلَسْتُ بِمُنْتَهٍ حَتَّى أَصْرِفَ حَاجَّ الْعَرَبِ إِلَيْهَا " .