ما جاء في كسر الاصنام


تفسير

رقم الحديث : 161

حَدَّثَنِي جَدِّي ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : " جَلَسَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فِيهِمْ : حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى ، وَمَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ ، فَتَذَاكَرُوا بُنْيَانَ قُرَيْشٍ الْكَعْبَةَ ، وَمَا هَاجَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، وَذَكَرُوا كَيْفَ كَانَ بِنَاؤُهَا قَبْلَ ذَلِكَ . قَالُوا : كَانَتِ الْكَعْبَةُ مَبْنِيَّةً بِرَضْمٍ يَابِسٍ ، لَيْسَ بِمَدَرٍ ، وَكَانَ بَابُهَا بِالأَرْضِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا سَقْفٌ ، وَإِنَّمَا تُدَلَّى الْكِسْوَةُ عَلَى الْجَدْرِ مِنْ خَارِجٍ ، وَتُرْبَطُ مِنْ أَعْلَى الْجَدْرِ مِنْ بَطْنِهَا ، وَكَانَ فِي بَطْنِ الْكَعْبَةِ عَنْ يَمِينِ مَنْ دَخَلَهَا جُبٌّ ، يَكُونُ فِيهِ مَا يُهْدَى إِلَى الْكَعْبَةِ مِنْ مَالٍ ، وَحِلْيَةٍ ، كَهَيْئَةِ الْخِزَانَةِ ، وَكَانَ يَكُونُ عَلَى ذَلِكَ الْجُبِّ حَيَّةٌ تَحْرُسُهُ ، بَعَثَهُ اللَّهُ مُنْذُ زَمَنِ جُرْهُمٍ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَدَا عَلَى ذَلِكَ الْجُبِّ قَوْمٌ مِنْ جُرْهُمٍ ، فَسَرَقُوا مَالَهَا وَحِلْيَتَهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ، فَبَعَثَ اللَّهُ تِلْكَ الْحَيَّةَ ، فَحَرَسَتِ الْكَعْبَةَ وَمَا فِيهَا خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ ، فَلَمْ تَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بَنَتْ قُرَيْشٌ الْكَعْبَةَ ، وَكَانَ قَرْنَا الْكَبْشِ الَّذِي ذَبَحَهُ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ مُعَلَّقَيْنِ فِي بَطْنِهَا بِالْجَدْرِ ، تِلْقَاءَ مَنْ دَخَلَهَا ، يُخْلَقَانِ ، وَيُطَيَّبَانِ إِذَا طُيِّبَ الْبَيْتُ ، فَكَانَ فِيهَا مَعَالِيقُ مِنْ حِلْيَةٍ كَانَتْ تُهْدَى إِلَى الْكَعْبَةِ ، فَكَانَتْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا ، ثُمَّ إِنَّ امْرَأَةً ذَهَبَتْ تُجَمِّرُ الْكَعْبَةَ ، فَطَارَتْ مِنْ مَجْمَرَتِهَا شَرَارَةٌ ، فَاحْتَرَقَتْ كِسْوَتُهَا ، وَكَانَتِ الْكِسْوَةُ عَلَيْهَا رُكَامًا ، بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ، فَلَمَّا احْتَرَقَتِ الْكَعْبَةُ تَوَهَّنَتْ جُدْرَانُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، وَتَصَدَّعَتْ ، وَكَانَتِ الْخِرَفُ الأَرْبَعَةُ عَلَيْهِمْ مُظَلِّلَةً ، وَالسُّيُولُ مُتَوَاتِرَةً ، وَلِمَكَّةَ سُيُولٌ عَوَارِمُ ، فَجَاءَ سَيْلٌ عَظِيمٌ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، فَدَخَلَ الْكَعْبَةَ ، وَصَدَعَ جُدْرَانَهَا ، وَأَخَافَهُمْ ، فَفَزِعَتْ مِنْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ فَزَعًا شَدِيدًا ، وَهَابُوا هَدْمَهَا ، وَخَشُوا إِنْ مَسُّوهَا أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ . قَالَ : فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ يَتَنَاظَرُونَ وَيَتَشَاوَرُونَ ، إِذْ أَقْبَلَتْ سَفِينَةٌ لِلرُّومِ ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِالشُّعَبيةِ ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ سَاحِلُ مَكَّةَ قَبْلَ جُدَّةَ ، انْكَسَرَتْ ، فَسَمِعَتْ بِهَا قُرَيْشٌ ، فَرَكِبُوا إِلَيْهَا فَاشْتَرَوْا خَشَبَهَا ، وَأَذِنُوا لأَهْلِهَا أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ ، فَيَبِيعُونَ مَا مَعَهُمْ مِنْ مَتَاعِهِمْ عَلَى أَنْ لا يَعْشُرُوهُمْ ، قَالَ : وَكَانُوا يَعْشُرُونَ مَنْ دَخَلَهَا مِنْ تُجَّارِ الرُّومِ ، كَمَا كَانَتِ الرُّومُ تَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ بِلادَهَا ، فَكَانَ فِي السَّفِينَةِ رُومِيٌّ نَجَّارٌ بَنَّاءٌ ، يُسَمَّى : يَاقُوتَ ، فَلَمَّا قَدِمُوا بِالْخَشَبِ مَكَّةَ ، قَالُوا : لَوْ بَنَيْنَا بَيْتَ رَبِّنَا . فَأَجْمَعُوا لِذَلِكَ ، وَتَعَاوَنُوا عَلَيْهِ ، وَتَرَافَدُوا فِي النَّفَقَةِ ، وَرَبَّعُوا قَبَائِلَ قُرَيْشٍ أَرْبَاعًا ، ثُمَّ اقْتَرَعُوا عِنْدَ هُبَلَ فِي بَطْنِ الْكَعْبَةِ ، عَلَى جَوَانِبِهَا ، فَطَاحَ قَدَحُ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، وَبَنِي زُهْرَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فِيهِ الْبَابُ وَهُوَ الشَّرْقِيُّ ، وَقَدَحُ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ، وَبَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ، وَبَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ عَلَى الشِّقِّ الَّذِي يَلِي الْحَجَرَ وَهُوَ الشِّقُّ الشَّامِيُّ ، وَطَارَ قَدَحُ بَنِي سَهْمٍ ، وَبَنِي جُمَحَ ، وَبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ، وَهُوَ الشِّقُّ الْغَرْبِيُّ ، وَطَارَ قَدَحُ بَنِي تَمِيمٍ ، وَبَنِي مَخْزُومٍ ، وَقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ ضُمُّوا مَعَهُمْ عَلَى الشِّقِّ الْيَمَانِيِّ ، الَّذِي يَلِي الصَّفَا وَأَجْيَادًا ، فَنَقَلُوا الْحِجَارَةَ ، وَرَسُولُ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ غُلامٌ ، لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الْحِجَارَةَ عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَبَيْنَا هُوَ يَنْقُلُهَا إِذِ انْكَشَفَتْ نَمِرَةٌ كَانَتْ عَلَيْهِ ، فَنُودِيَ : يَا مُحَمَّدُ ، عَوْرَتَكَ ، وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا نُودِيَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فَمَا رُؤِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَوْرَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَبَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْفَزَعِ حِينَ نُودِيَ ، فَأَخَذَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ ، وَقَالَ : لَوْ جَعَلْتَ بَعْضَ نَمِرَتِكَ عَلَى عَاتِقِكَ تَقِيكَ الْحِجَارَةَ . قَالَ : مَا أَصَابَنِي هَذَا إِلا مِنَ التَّعَرِّي ، فَشَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِزَارَهُ ، وَجَعَلَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ ، وَكَانُوا يَنْقُلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ تَبَرُّرًا ، وَتَبَرُّكًا بِالْكَعْبَةِ وَعَمَلِهَا ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ لَهُمْ مَا يُرِيدُونَ مِنَ الْحِجَارَةِ ، وَالْخَشَبِ ، وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ ، غَدَوْا عَلَى هَدْمِهَا ، فَخَرَجَتِ الْحَيَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِي بَطْنِهَا تَحْرُسُهَا سَوْدَاءُ الظَّهْرِ ، بَيْضَاءُ الْبَطْنِ ، رَأْسُهَا مِثْلُ رَأْسِ الْجَدْيِ ، تَمْنَعُهُمْ كُلَّمَا أَرَادُوا هَدْمَهَا ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ ، اعْتَزَلُوا عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ الْيَوْمَ ، فَقَالَ لَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ : يَا قَوْمِ ، أَلَسْتُمْ تُرِيدُونَ بِهَدْمِهَا الإِصْلاحَ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ لا يُهْلِكُ الْمُصْلِحِينَ ، وَلَكِنْ لا تُدْخِلُوا عِمَارَةَ بَيْتِ رَبِّكُمْ إِلا مِنْ طَيِّبِ أَمْوَالِكُمْ ، وَلا تُدْخِلُوا فِيهِ مَالا مِنْ رِبًا ، وَلا مَالا مِنْ مَيْسِرٍ ، وَلا مَهْرَ بَغِيٍّ ، وَجَنِّبُوهُ الْخَبِيثَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا . فَفَعَلُوا ، ثُمَّ وَقَفُوا عِنْدَ الْمَقَامِ ، فَقَامُوا يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ، وَيَقُولُونَ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لَكَ فِي هَدْمِهَا رِضًا فَأَتِمَّهُ ، وَاشْغَلْ عَنَّا هَذَا الثُّعْبَانَ . فَأَقْبَلَ طَائِرٌ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الْعُقَابِ ، ظَهْرُهُ أَسْوَدُ ، وَبَطْنُهُ أَبْيَضُ ، وَرِجْلاهُ صَفْرَاوَانِ ، وَالْحَيَّةُ عَلَى جَدْرِ الْبَيْتِ ، فَاغِرَةٌ فَاهَا ، فَأَخَذَ بِرَأْسِهَا ، ثُمَّ طَارَ بِهَا حَتَّى أَدْخَلَهَا أَجْيَادًا الصَّغِيرَ ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ رَضِيَ عَمَلَكُمْ ، وَقَبِلَ نَفَقَتَكُمْ ، فَاهْدِمُوهُ ، فَهَابَتْ قُرَيْشٌ هَدْمَهُ ، وَقَالُوا : مَنْ يَبْدَأُ فَيَهْدِمُهُ ؟ فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ : أَنَا أَبْدَؤُكُمْ فِي هَدْمِهِ ، أَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ، فَإِنْ أَصَابَنِي أَمْرٌ كَانَ قَدْ دَنَا أَجَلِي ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ يَرْزَأْنِي ، فَعَلا الْبَيْتَ ، وَفِي يَدِهِ عَتَلَةٌ يَهْدِمُ بِهَا ، فَتَزَعْزَعَ مِنْ تَحْتِ رِجْلِهِ حَجَرٌ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ لَمْ تُرَعْ ، إِنَّمَا أَرَدْنَا الإِصْلاحَ . وَجَعَلَ يَهْدِمُهُ حَجَرًا حَجَرًا بِالْعَتَلَةِ ، فَهَدَمَهُ يَوْمَهُ ذَلِكَ ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ الْعَذَابُ إِذَا أَمْسَى ، فَلَمَّا أَمْسَى لَمْ تَرَ بَأْسًا ، فَأَصْبَحَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ غَادِيًا عَلَى عَمَلِهِ ، فَهَدَمَتْ قُرَيْشٌ مَعَهُ ، حَتَّى بَلَغُوا الأَسَاسَ الأَوَّلَ ، الَّذِي رَفَعَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ، فَأَبْصَرُوا حِجَارَةً كَأَنَّهَا الإِبِلُ ، لا يُطِيقُ الْحَجَرَ مِنْهَا ثَلاثُونَ رَجُلا ، يُحَرَّكُ الْحَجَرُ مِنْهَا فَتَرْتَجُّ جَوَانِبُهَا ، قَدْ تَشَبَّكَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ، فَأَدْخَلَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَتَلَتَهُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ ، فَانْفَلَقَتْ مِنْهُ فَلْقَةٌ عَظِيمَةٌ ، فَأَخَذَهَا أَبُو وَهْبِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ ، فَنَزَتْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى عَادَتْ فِي مَكَانِهَا ، وَطَارَتْ مِنْ تَحْتِهَا بَرْقَةٌ كَادَتْ أَنْ تَخْطَفَ أَبْصَارَهُمْ ، وَرَجَفَتْ مَكَّةُ بِأَسْرِهَا ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ أَمْسَكُوا عَنْ أَنْ يَنْظُرُوا مَا تَحْتَ ذَلِكَ ، فَلَمَّا جَمَعُوا مَا أَخْرَجُوا مِنَ النَّفَقَةِ ، قَلَّتِ النَّفَقَةُ عَنْ أَنْ تَبْلُغَ لَهُمْ عِمَارَةَ الْبَيْتِ كُلِّهِ ، فَتَشَاوَرُوا فِي ذَلِكَ ، فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَقْصُرُوا عَنِ الْقَوَاعِدِ ، وَيَحْجُرُوا مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ ، وَيَتْرُكُوا بَقِيَّتَهُ فِي الْحِجْرِ ، عَلَيْهِ جِدَارٌ مُدَارٍ يَطُوفُ النَّاسُ مِنْ وَرَائِهِ ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ ، وَبَنَوْا فِي بَطْنِ الْكَعْبَةِ أَسَاسًا يَبْنُونَ عَلَيْهِ مِنْ شِقِّ الْحِجْرِ ، وَتَرَكُوا مِنْ وَرَائِهِ مِنْ فِنَاءِ الْبَيْتِ فِي الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ وَشِبْرًا ، فَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ ، فَلَمَّا وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي بِنَائِهَا ، قَالُوا : ارْفَعُوا بَابَهَا مِنَ الأَرْضِ وَاكْبِسُوهَا ؛ حَتَّى لا تَدْخُلَهَا السُّيُولُ ، وَلا تُرْقَى إِلا بِسُلَّمٍ ، وَلا يَدْخُلَهَا إِلا مَنْ أَرَدْتُمْ ، إِنْ كَرِهْتُمْ أَحَدًا دَفَعْتُمُوهُ . فَفَعَلُوا ذَلِكَ ، وَبَنَوْهَا بِسَافٍ مِنْ حِجَارَةٍ ، وَسَافٍ مِنْ خَشَبٍ بَيْنَ الْحِجَارَةِ ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَوْضِعِ الرُّكْنِ ، فَاخْتَلَفُوا فِي وَضْعِهِ ، وَكَثُرَ الْكَلامُ فِيهِ ، وَتَنَافَسُوا فِي ذَلِكَ ، فَقَالَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ وَزُهْرَةَ : هُوَ فِي الشِّقِّ الَّذِي وَقَعَ لَنَا . وَقَالَتْ تَيْمٌ وَمَخْزُومٌ : هُوَ فِي الشِّقِّ الَّذِي وَقَعَ لَنَا . وَقَالَتْ سَائِرُ الْقَبَائِلِ : لَمْ يَكُنِ الرُّكْنُ مِمَّا اسْتَهَمْنَا عَلَيْهِ . فَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ الْمُغِيرَةِ : يَا قَوْمِ ، إِنَّمَا أَرَدْنَا الْبِرَّ ، وَلَمْ نُرِدِ الشَّرَّ ، فَلا تَحَاسَدُوا ، وَلا تَنَافَسُوا ، فَإِنَّكُمْ إِذَا اخْتَلَفْتُمْ تَشَتَّتَتْ أُمُورُكُمْ ، وَطَمِعَ فِيكُمْ غَيْرُكُمْ ، وَلَكِنْ حَكِّمُوا بَيْنَكُمْ أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ . قَالُوا : رَضِينَا وَسَلَّمْنَا . فَطَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : هَذَا الأَمِينُ ، قَدْ رَضِينَا بِهِ . فَحَكَّمُوهُ ، فَبَسَطَ رِدَاءَهُ ، ثُمَّ وَضَعَ فِيهِ الرُّكْنَ ، فَدَعَا مِنْ كُلِّ رُبْعٍ رَجُلا ، فَأَخَذُوا بِأَطْرَافِ الثَّوْبِ ، فَكَانَ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَكَانَ فِي الرُّبُعِ الثَّانِي أَبُو زَمْعَةَ بْنُ الأَسْوَدِ ، وَكَانَ أَسَنَّ الْقَوْمِ ، وَفِي الرُّبُعِ الثَّالِثِ الْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ ، وَفِي الرُّبُعِ الرَّابِعِ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، فَرَفَعَ الْقَوْمُ الرُّكْنَ ، وَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجَدْرِ ، ثُمَّ وَضَعَهُ بِيَدِهِ ، فَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ لِيُنَاوِلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَرًا لِيَشُدَّ بِهِ الرُّكْنَ ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ : لا . فَنَاوَلَ الْعَبَّاسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَرًا ، فَشَدَّ بِهِ الرُّكْنَ ، فَغَضِبَ النَّجْدِيُّ حَيْثُ نُحِّيَ ، فَقَالَ النَّجْدِيُّ : وَاعَجَبَاهُ لِقَوْمٍ أَهْلِ شَرَفٍ ، وَعُقُولٍ ، وَسِنٍّ ، وَأَمْوَالٍ ، عَمَدُوا إِلَى أَصْغَرِهِمْ سِنًّا ، وَأَقَلِّهِمْ مَالا ، فَرَأَسُوهُ عَلَيْهِمْ فِي مَكْرَمَتِهِمْ ، وَحَوْزِهِمْ ، كَأَنَّهُمْ خَدَمٌ لَهُ ، أَمَا وَاللَّهِ لَيَفُوتَنَّهُمْ سَبْقًا ، وَلَيَقْسِمَنَّ عَلَيْهِمْ حُظُوظًا وَجُدُودًا . وَيُقَالُ : إِنَّهُ إِبْلِيسُ . فَبَنَوْا حَتَّى رَفَعُوا أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ ، وَشِبْرًا ، ثُمَّ كَبَسُوهَا ، وَوَضَعُوا بَابَهَا مُرْتَفِعًا عَلَى هَذَا الذَّرْعِ ، وَرَفَعُوهَا بِمِدْمَاكِ خَشَبٍ ، وَمِدْمَاكِ حِجَارَةٍ ، حَتَّى بَلَغُوا السَّقْفَ ، فَقَالَ لَهُمْ بَاقُومُ الرُّومِيُّ : أَتُحِبُّونَ أَنْ تَجْعَلُوا سَقْفَهَا مُكَبَّسًا ، أَوْ مُسَطَّحًا ؟ فَقَالُوا : بَلِ ابْنِ بَيْتَ رَبِّنَا مُسَطَّحًا . قَالَ : فَبَنَوْهُ مُسَطَّحًا ، وَجَعَلُوا فِيهِ سِتَّ دَعَائِمَ فِي صَفَّيْنِ ، فِي كُلِّ صَفٍّ ثَلاثُ دَعَائِمَ مِنَ الشِّقِّ الشَّامِيِّ الَّذِي يَلِي الْحَجَرَ إِلَى الشِّقِّ الْيَمَانِيِّ ، وَجَعَلُوا ارْتِفَاعَهَا مِنْ خَارِجِهَا ، مِنَ الأَرْضِ إِلَى أَعْلاهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا ، وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ ، فَزَادَتْ قُرَيْشٌ فِي ارْتِفَاعِهَا فِي السَّمَاءِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ أُخَرَ ، وَبَنَوْهَا مِنْ أَعْلاهَا إِلَى أَسْفَلِهَا بِمِدْمَاكٍ مِنْ حِجَارَةٍ وَمِدْمَاكٍ مِنْ خَشَبٍ ، وَكَانَ الْخَشَبُ خَمْسَةَ عَشَرَ مِدْمَاكًا ، وَالْحِجَارَةُ سِتَّةَ عَشَرَ مِدْمَاكًا ، وَجَعَلُوا مِيزَابَهَا يَسْكُبُ فِي الْحِجْرِ ، وَجَعَلُوا دَرَجَةً مِنْ خَشَبٍ فِي بَطْنِهَا فِي الرُّكْنِ الشَّامِيِّ ، يُصْعَدُ مِنْهَا إِلَى ظَهْرِهَا ، وَزَوَّقُوا سَقْفَهَا وَجُدْرَانَهَا مِنْ بَطْنِهَا ، وَدَعَائِمِهَا ، وَجَعَلُوا فِي دَعَائِمِهَا صُوَرَ الأَنْبِيَاءِ ، وَصُوَرَ الشَّجَرِ ، وَصُوَرَ الْمَلائِكَةِ ، فَكَانَ فِيهَا صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ : شَيْخٍ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلامِ ، وَصُورَةُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وَأُمِّهِ ، وَصُورَةُ الْمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أَجْمَعِينَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَرْسَلَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ بْنِ الْمُطَّلِبِ ، فَجَاءَ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ أَمَرَ بِثَوْبٍ قبل بِالْمَاءِ ، وَأَمَرَ بِطَمْسِ تِلْكَ الصُّوَرِ ، فَطُمِسَتْ . قَالَ : وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى صُورَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأُمِّهِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ ، وَقَالَ : " امْحُوا جَمِيعَ الصُّوَرِ إِلا مَا تَحْتَ يَدَيَّ " ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأُمِّهِ ، وَنَظَرَ إِلَى صُورَةِ إِبْرَاهِيمَ ، فَقَالَ : " قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ، جَعَلُوهُ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلامِ ، مَا لإِبْرَاهِيمَ وَلِلأَزْلامِ " ، وَجَعَلُوا لَهَا بَابًا وَاحِدًا ، فَكَانَ يُغْلَقُ وَيُفْتَحُ ، وَكَانُوا قَدْ أَخْرَجُوا مَا كَانَ فِي الْبَيْتِ مِنْ حِلْيَةٍ وَمَالٍ وَقَرْنَيِ الْكَبْشِ ، وَجَعَلُوهُ عِنْدَ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ ، وَأَخْرَجُوا هُبَلَ ، وَكَانَ عَلَى الْجُبِّ الَّذِي فِيهِ نَصَبَهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ هُنَالِكَ ، وَنَصَبَ عِنْدَ الْمَقَامِ ، حَتَّى فَرَغُوا مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ ، فَرَدُّوا ذَلِكَ الْمَالَ فِي الْجُبِّ ، وَعَلَّقُوا فِيهِ الْحِلْيَةَ ، وَقَرْنَيِ الْكَبْشِ ، وَرَدُّوا الْجُبَّ فِي مَكَانِهِ فِيمَا يَلِي الشِّقَّ الشَّامِيَّ ، وَنَصَبُوا هُبَلَ عَلَى الْجُبِّ كَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَجَعَلُوا لَهُ سُلَّمًا يُصْعَدُ عَلَيْهِ إِلَى بَطْنِهَا ، وَكَسَوْهَا حِينَ فَرَغُوا مِنْ بِنَائِهَا حِبَرَاتٍ يَمَانِيَةً " .

الرواه :

الأسم الرتبة
أَبِيهِ

ثقة

ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ

ثقة

مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ

صدوق كثير الأوهام

جَدِّي

ثقة

Whoops, looks like something went wrong.