حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا سورة الأعراف آية 28 قَالَ : " كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً " . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : لَمَّا أَنْ أَهْلَكَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَهْلَكَ ، مِنْ أَبْرَهَةَ الْحَبَشِيِّ ، صَاحِبِ الْفِيلِ ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِ الطَّيْرَ الأَبَابِيلَ ، عَظَّمَتْ جَمِيعُ الْعَرَبِ قُرَيْشًا وَأَهْلَ مَكَّةَ ، وَقَالُوا : أَهْلُ اللَّهِ ، قَاتَلَ عَنْهُمْ ، وَكَفَاهُمْ مُؤْنَةَ عَدُوِّهِمْ . ، فَازْدَادُوا فِي تَعْظِيمِ الْحَرَمِ وَالْمَشَاعِرِ الْحَرَامِ ، وَالشَّهْرِ الْحَرَامِ ، وَوَقَّرُوهَا ، وَرَأَوْا أَنَّ دِينَهُمْ خَيْرُ الأَدْيَانِ ، وَأَحَبُّهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَأَهْلُ مَكَّةَ : نَحْنُ أَهْلُ اللَّهِ ، وَبَنُو إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ ، وَوُلاةُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، وَسُكَّانُ حَرَمِهِ وَقُطَّانُهُ ، فَلَيْسَ لأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ مِثْلُ حَقِّنَا ، وَلا مِثْلُ مَنْزِلَتِنَا ، وَلا تَعْرِفُ الْعَرَبُ لأَحَدٍ مِثْلَ مَا تَعْرِفُ لَنَا . فَابْتَدَعُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَحْدَاثًا فِي دِينِهِمْ ، أَدَارُوهَا بَيْنَهُمْ ، فَقَالُوا : لا تُعَظِّمُوا شَيْئًا مِنَ الْحِلِّ كَمَا تُعَظِّمُونَ الْحَرَمَ ، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ اسْتَخَفَّتِ الْعَرَبُ بِحَرَمِكُمْ . وَقَالُوا : قَدْ عَظَّمُوا مِنَ الْحِلِّ مِثْلَ مَا عَظَّمُوا مِنَ الْحَرَمِ ، فَتَرَكُوا الْوُقُوفَ عَلَى عَرَفَةَ وَالإِفَاضَةَ مِنْهَا ، وَهُمْ يَعْرِفُونَ وَيُقِرُّونَ أَنَّهَا مِنَ الْمَشَاعِرِ وَالْحَجِّ وَدِينِ إِبْرَاهِيمَ ، وَيُقِرُّونَ لِسَائِرِ الْعَرَبِ أَنْ يَقِفُوا عَلَيْهَا ، وَأَنْ يُفِيضُوا مِنْهَا ، إِلا أَنَّهُمْ قَالُوا : نَحْنُ الْحُمْسُ ، أَهْلُ الْحَرَمِ ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ ، وَلا نُعَظِّمَ غَيْرَهُ . ثُمَّ جَعَلُوا لِمَنْ وُلِدُوا مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ مِنْ سُكَّانِ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ مِثْلَ الَّذِي لَهُمْ بِوِلادَتِهِمْ إِيَّاهُمْ ، يَحِلُّ لَهُمْ مَا يَحِلُّ لَهُمْ ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ . وَكَانَتْ خُزَاعَةُ وَكِنَانَةُ قَدْ دَخَلُوا مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ ، ثُمَّ ابْتَدَعُوا فِي ذَلِكَ أُمُورًا لَمْ تَكُنْ ، حَتَّى قَالُوا : لا يَنْبَغِي لِلْحُمْسِ أَنْ يَأْقِطُوا الأَقِطَ ، وَلا يَسْلَئُوا السَّمْنَ وَهُمْ حُرُمٌ ، وَلا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ شَعْرٍ ، وَلا يَسْتَظِلُّوا - إِنِ اسْتَظَلُّوا - إِلا فِي بُيُوتِ الأَدَمِ ، مَا كَانُوا حُرُمًا ، ثُمَّ رَفَعُوا فِي ذَلِكَ ، فَقَالُوا : لا يَنْبَغِي لأَهْلِ الْحِلِّ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ طَعَامٍ جَاءُوا بِهِ مَعَهُمْ مِنَ الْحِلِّ فِي الْحَرَمِ ، إِذَا كَانُوا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا ، وَلا يَأْكُلُونَ فِي الْحَرَمِ إِلا مِنْ طَعَامِ أَهْلِ الْحَرَمِ ، إِمَّا قِرَاءً وَإِمَّا شِرَاءً ، وَكَانُوا مِمَّا سَنُّوا بِهِ أَنَّهُ إِذَا حَجَّ الصَّرُورَةُ مِنْ غَيْرِ الْحُمْسِ - وَالْحُمْسُ أَهْلُ مَكَّةَ : قُرَيْشٌ ، وَكِنَانَةُ ، وَخُزَاعَةُ ، وَمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ ، مِمَّنْ وُلِدُوا مِنْ حُلَفَائِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ سَاكِنِي الْحِلِّ ، وَالأَحْمَسِيُّ الْمُشَدِّدُ فِي دِينِهِ - فَإِذَا حَجَّ الصَّرُورَةُ مِنْ غَيْرِ الْحُمْسِ رَجُلا كَانَ أَوِ امْرَأَةً ، لا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِلا عُرْيَانًا - الصَّرُورَةُ أَوَّلُ مَا يَطُوفُ - إِلا أَنْ يَطُوفَ فِي ثَوْبٍ أَحْمَسِيٍّ ، إِمَّا إِعَارَةً وَإِمَّا إِجَارَةً ، يَقِفُ أَحَدُهُمْ بِبَابِ الْمَسْجِدِ ، فَيَقُولُ : مَنْ يُعِيرُ مَصُونًا ؟ مَنْ يُعِيرُ ثَوْبًا ؟ فَإِنْ أَعَارَهُ أَحْمَسِيٌّ ثَوْبًا أَوْ أَكْرَاهُ ، طَافَ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُعِرْهُ أَلْقَى ثِيَابَهُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مِنْ خَارِجٍ ، ثُمَّ دَخَلَ الطَّوَافَ وَهُوَ عُرْيَانٌ ، يَبْدَأُ بِإِسَافٍ فَيَسْتَلِمُهُ ، ثُمَّ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ ، ثُمَّ يَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَطُوفُ ، وَيَجْعَلُ الْكَعْبَةَ عَنْ يَمِينِهِ ، فَإِذَا خَتَمَ طَوَافَهُ سَبْعًا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ ، ثُمَّ اسْتَلَمَ نَائِلَةَ ، فَيَخْتِمُ بِهَا طَوَافَهُ ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَجِدُ ثِيَابَهُ كَمَا تَرَكَهَا ، لَمْ تُمَسَّ ، فَيَأْخُذُهَا فَيَلْبَسُهَا ، وَلا يَعُودُ إِلَى الطَّوَافِ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا . وَلَمْ يَكُنْ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ إِلا الصَّرُورَةُ مِنْ غَيْرِ الْحُمْسِ ، فَأَمَّا الْحُمْسُ ، فَكَانَتْ تَطُوفُ فِي ثِيَابِهَا ، فَإِنْ تَكَرَّمَ مُتَكَرِّمٌ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ الْحُمْسِ ، وَلَمْ يَجِدْ ثِيَابَ أَحْمَسِيٍّ يَطُوفُ فِيهَا ، وَمَعَهُ فَضْلُ ثِيَابٍ يَلْبَسُهَا غَيْرُ ثِيَابِهِ الَّتِي عَلَيْهِ ، فَطَافَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مِنَ الْحِلِّ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ نَزَعَ ثِيَابَهُ ، ثُمَّ جَعَلَهَا لَقًا ، يَطْرَحُهَا بَيْنَ إِسَافٍ وَنَائِلَةَ ، فَلا يَمَسُّهَا أَحَدٌ ، وَلا يَنْتَفِعُ بِهَا ، حَتَّى تَبْلَى مِنْ وَطْءِ الأَقْدَامِ ، وَمِنَ الشَّمْسِ وَالرِّيَاحِ وَالْمَطَرِ . وَقَالَ الشَّاعِرُ يَذْكُرُ ذَلِكَ اللَّقَا : كَفَى حَزَنًا كَرَّى عَلَيْهِ كَأَنَّهُ لَقًا بَيْنَ أَيْدِي الطَّائِفِينَ حَرِيمُ يَقُولُ : لا يُمَسُّ . فَصَارَ هَذَا كُلُّهُ سُنَّةً فِيهِمْ ، وَذَلِكَ مِنْ صُنْعِ إِبْلِيسَ ، وَتَزْيِينِهِ لَهُمْ مَا يُلَبِّسُ عَلَيْهِمْ مِنْ تَغْيِيرِ الْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ يَوْمًا وَكَانَ لَهَا جَمَالٌ وَهَيْئَةٌ ، فَطَلَبَتْ ثِيَابًا عَارِيَةً ، فَلَمْ تَجِدْ مَنْ يُعِيرُهَا ، فَلَمْ تَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ تَطُوفَ عُرْيَانَةً ، فَنَزَعَتْ ثِيَابَهَا بِبَابِ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ دَخَلَتِ الْمَسْجِدَ عُرْيَانَةً ، فَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى فَرْجِهَا ، وَجَعَلَتْ تَقُولُ : الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ قَالَ : فَجَعَلَ فِتْيَانُ مَكَّةَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا ، وَكَانَ لَهَا حَدِيثٌ طَوِيلٌ ، وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فِي قُرَيْشٍ . قَالَ : وَجَاءَتِ امْرَأَةٌ أَيْضًا تَطُوفُ عُرْيَانَةً وَكَانَ لَهَا جَمَالٌ ، فَرَآهَا رَجُلٌ فَأَعْجَبَتْهُ ، فَدَخَلَ الطَّوَافَ ، وَطَافَ فِي جَنْبِهَا لأَنْ يَمَسَّهَا ، فَأَدْنَى عَضُدَهُ مِنْ عَضُدِهَا ، فَالْتَزَقَتْ عَضُدُهُ ، فَخَرَجَا مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْ نَاحِيَةِ بَنِي سَهْمٍ هَارِبَيْنِ عَلَى وُجُوهِهِمَا ، فَزِعَيْنِ لِمَا أَصَابَهُمَا مِنَ الْعُقُوبَةِ ، فَلَقِيَهُمَا شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ ، فَسَأَلَهُمَا عَنْ شَأْنِهِمَا ، فَأَخْبَرَاهُ بِقَضِيَّتِهِمَا ، فَأَفْتَاهُمَا أَنْ يَعُودَا ، فَرَجَعَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَهُمَا فِيهِ مَا أَصَابَهُمَا ، فَيَدْعُوَانِ وَيُخْلِصَانِ أَنْ لا يَعُودَا ، فَرَجَعَا إِلَى مَكَانِهِمَا ، فَدَعَوُا اللَّهَ سُبْحَانَهُ ، وَأَخْلَصَا إِلَيْهِ أَنْ لا يَعُودَا ، فَافْتَرَقَتْ أَعْضَادُهُمَا ، فَذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَاحِيَةٍ " .