حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ ، قَالَ : " أَسْلَمَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ التُّبَّتِ ، وَكَانَ لَهُ صَنَمٌ مِنْ ذَهَبٍ يَعْبُدُهُ ، فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ ، وَكَانَ عَلَى رَأْسِ الصَّنَمِ تَاجٌ مِنَ الذَّهَبِ ، مُكَلَّلٌ بِخَرَزِ الْجَوْهَرِ ، وَالْيَاقُوتِ الأَحْمَرِ ، وَالأَخْضَرِ ، وَالزَّبَرْجَدِ ، وَكَانَ عَلَى السَّرِيرِ فَرْشَةُ الدِّيبَاجِ ، وَعَلَى أَطْرَافِ الْفُرُشِ أَزْرَارٌ مِنْ ذَهَبٍ ، وَفِضَّةٍ مُرْخَاةٍ ، وَالأَزْرَارُ عَلَى قَدْرِ الْكَرَّيْنِ فِي وَجْهِ السَّرِيرِ ، فَلَمَّا أَسْلَمَ ذَلِكَ الْمَلِكُ ، أَهْدَى السَّرِيرَ وَالصَّنَمَ إِلَى الْكَعْبَةِ ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ اللَّهِ الْمَأْمُونِ هَدِيَّةً لِلْكَعْبَةِ ، وَالْمَأْمُونُ يَوْمَئِذٍ بِمَرْوَ مِنْ خُرَاسَانَ ، فَبَعَثَ بِهِ الْمَأْمُونُ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ بِوَاسِطَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ إِلَى الْكَعْبَةِ ، فَبَعَثَ بِهِ مَعَ نُصَيْرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الأَعْجَمِيِّ - رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَلْخَ ، مِنَ الْقُوَّادِ - فَقَدِمَ بِهِ مَكَّةَ ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ تِلْكَ السَّنَةَ ، إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيسَى بْنِ مُوسَى ، فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ مِنْ مِنًى ، نَصَبَ نُصَيْرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّرِيرَ ، وَمَا عَلَيْهِ مِنَ الْفَرْشَةِ وَالصَّنَمِ ، فِي وَسَطِ رَحَبَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، فَمَكَثَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مَنْصُوبًا ، وَمَعَهُمْ لَوْحٌ مِنْ فِضَّةٍ مَكْتُوبٌ فِيهِ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، هَذَا سَرِيرُ فُلانِ ابْنِ فُلانٍ ، مَلِكِ التُّبَّتِ أَسْلَمَ ، وَبَعَثَ بِهَذَا السَّرِيرِ هَدِيَّةً إِلَى الْكَعْبَةِ ، فَاحْمَدُوا اللَّهَ الَّذِي هَدَاهُ لِلإِسْلامِ . وَكَانَ يَقِفُ عَلَى السَّرِيرِ ، مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ ابْنُ أُخْتِ نُصَيْرٍ الأَعْجَمِيِّ ، فَيَقْرَأُهُ عَلَى النَّاسِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي هَدَى مَلِكَ التُّبَّتِ إِلَى الإِسْلامِ ، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى الْحَجَبَةِ ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمْ بِقَبْضِهِ ، فَجَعَلُوهُ فِي خِزَانَةِ الْكَعْبَةِ ، فِي دَارِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ ، حَتَّى اسْتَخْلَفَ حَمْدُونُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ ، يَزِيدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْظَلَةَ الْمَخْزُومِيَّ الْعَلَوِيَّ إِلَى مَكَّةَ ، مُقْبِلا مِنَ الْيَمَنِ ، فَسَمِعَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فَخَنْدَقَ عَلَى مَكَّةَ ، وَسَكَّهَا بِالْبُنْيَانِ مِنْ أَنْقَابِهَا ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْحَجَبَةِ ، فَأَخَذَ السَّرِيرَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْهُمْ ، فَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى حَرْبِهِ ، وَقَالَ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُخْلِفُهُ لَهَا ، وَضَرَبَهُ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ . وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ ، فَبَقِيَ التَّاجُ وَاللَّوْحُ فِي الْكَعْبَةِ إِلَى الْيَوْمِ " .