حَدَّثَنِي جَدِّي ، قَالَ " كَانَتِ الْكَعْبَةُ تُكْسَى فِي كُلِّ سَنَةً كِسْوَتَيْنِ : كِسْوَةَ دِيبَاجٍ ، وَكِسْوَةَ قَبَاطِيٍّ ، فَأَمَّا الدِّيبَاجُ ، فَتُكْسَاهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ، فَيُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْقَمِيصُ ، وَيُدَلَّى وَلا يُخَاطُ ، فَإِذَا صَدَرَ النَّاسُ مِنْ مِنًى ، خِيطَ الْقَمِيصُ ، وَتُرِكَ الإِزَارُ حَتَّى تَذْهَبَ الْحُجَّاجُ ؛ لِئَلا يَخْرِقُوهُ ، فَإِذَا كَانَ الْعَاشُورَاءُ ، عُلِّقَ عَلَيْهَا الإِزَارُ ، فَوُصِلَ بِالْقَمِيصِ ، فَلا تَزَالُ هَذِهِ الْكِسْوَةُ الدِّيبَاجُ عَلَيْهَا ، حَتَّى يَوْمِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَتُكْسَى الْقَبَاطِيَّ لِلْفِطْرِ ، فَلَمَّا كَانَتْ خِلافَةُ الْمَأْمُونِ ، رُفِعَ إِلَيْهِ أَنَّ الدِّيبَاجَ يَبْلَى وَيَتَخَرَّقُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْفِطْرَ ، وَيُرْقَعُ حَتَّى يَسْمُجَ ، فَسَأَلَ مُبَارَكًا الطَّبَرِيَّ - مَوْلاهُ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى بَرِيدِ مَكَّةَ وَصَوَافِيهَا : فِي أَيِّ الْكِسْوَةِ الْكَعْبَةُ أَحْسَنُ ؟ فَقَالَ لَهُ : فِي الْبَيَاضِ . فَأَمَرَ بِكِسْوَةٍ مِنْ دِيبَاجٍ أَبْيَضَ فَعُمِلَتْ ، فَعُلِّقَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ ، وَأَرْسَلَ بِهَا إِلَى الْكَعْبَةِ ، فَصَارَتِ الْكَعْبَةُ تُكْسَى ثَلاثَ كُسًا : الدِّيبَاجَ الأَحْمَرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ، وَتُكْسَى الْقَبَاطِيَّ يَوْمَ هِلالِ رَجَبٍ ، وَجُعِلَتْ كِسْوَةُ الدِّيبَاجِ الأَبْيَضِ الَّتِي أَحْدَثَهَا الْمَأْمُونُ يَوْمَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْفِطْرِ ، وَهِيَ تُكْسَى إِلَى الْيَوْمِ ثَلاثَ كُسًا . ثُمَّ رُفِعَ إِلَى الْمَأْمُونِ أَيْضًا ، أَنَّ إِزَارَ الدِّيبَاجِ الأَبْيَضِ الَّذِي كَسَاهَا ، يَتَخَرَّقُ وَيَبْلَى فِي أَيَّامِ الْحَجِّ ، مِنْ مَسِّ الْحُجَّاجِ قَبْلَ أَنْ يُخَاطَ عَلَيْهَا إِزَارُ الدِّيبَاجِ الأَحْمَرِ ، الَّذِي يُخَاطُ فِي الْعَاشُورَاءِ ، فَبَعَثَ بِفَضْلِ إِزَارِ دِيبَاجٍ أَبْيَضَ ، تُكْسَاهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَوْ يَوْمَ السَّابِعِ ، فَيُسْتَرُ بِهِ مَا تَخَرَّقَ مِنَ الإِزَارِ الَّذِي كُسِيَتْهُ لِلْفِطْرِ ، إِلَى أَنْ يُخَاطَ عَلَيْهَا إِزَارُ الدِّيبَاجِ الأَحْمَرِ فِي الْعَاشُورَاءِ . ثُمَّ رُفِعَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ جَعْفَرٍ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ ، أَنَّ إِزَارَ الدِّيبَاجِ الأَحْمَرِ يَبْلَى قَبْلَ هِلالِ رَجَبٍ ، مِنْ مَسِّ النَّاسِ وَتَمَسُّحِهِمْ بِالْكَعْبَةِ ، فَزَادَهَا إِزَارَيْنِ مَعَ الإِزَارِ الأَوَّلِ ، فَأَذَالَ قَمِيصَهَا الدِّيبَاجَ الأَحْمَرَ ، وَأَسْبَلَهُ حَتَّى بَلَغَ الأَرْضَ " ، سُئِلَ أَبُو الْوَلِيدِ عَنْ أَذَالَ ، فَقَالَ : أَسْبَلَ ، وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ : عَلَى ابْنِ أَبِي الْعَاصِي دِلاصٌ حَصِينَةٌ أَجَادَ الْمُسَدِّي سَرْدَهَا فَأَذَالَهَا ثُمَّ جَعَلَ فَوْقَهُ فِي كُلِّ شَهْرَيْنِ إِزَارًا ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ ، لِكِسْوَةِ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ ، ثُمَّ نَظَرَ الْحَجَبَةُ ، فَإِذَا الإِزَارُ الثَّانِي لا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ ؛ فَوُضِعَ فِي تَابُوتِ الْكَعْبَةِ ، وَكَتَبُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنَّ إِزَارًا وَاحِدًا مَعَ مَا أُذِيلَ مِنْ قُمُصِهَا يُجْزِيهَا ، فَصَارَ يَبْعَثُ بِإِزَارٍ وَاحِدٍ ، فَتُكْسَاهُ بَعْدَ ثَلاثَةِ أَشْهُرٍ ، وَيَكُونُ الذَّيْلُ ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ . ثُمَّ أَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ جَعْفَرٌ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِإِزالَةِ الْقَمِيصِ الْقَبَاطِيِّ ، حَتَّى بَلَغَ الشَّاذَرْوَانَ الَّذِي تَحْتَ الْكَعْبَةِ فِي سَنَةِ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ " .