قَالَ : وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيِّ ، قَالَ : " لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الَّتِي تَحْرُثُ الأَرْضَ صَدَقَةٌ , لأَنَّ فِي الْقَمْحِ صَدَقَةً ، وَإِنَّمَا الْقَمْحُ بِالْبَقَرِ " , قَالَ : وَحَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ , عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , أَنَّهُ كَانَ رَأْيُهُ مِثْلَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ كُلِّهَا ، " أَنَّهُ لا صَدَقَةَ فِيهَا " , وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَرَى أَنَّ فِيهَا الصَّدَقَةَ ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ : هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَ مَالِكٍ فِي الْبَقَرِ خَاصَّةً ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ فِي مَا نَرَى إِلَى مَذْهَبِهِ فِي الإِبِلِ , أَنَّ الْجُمْلَةَ جَاءَتْ بِالْبَقَرِ وَالإِبِلِ ، فَحَمَلَ الْمَعْنَى عَلَى الْجَمِيعِ ، حَتَّى أَدْخَلَ فِيهَا الْعَوَامِلَ وَالْحَوَارِثَ ، وَكَانَ هَذَا هُوَ الْوَجْهَ ، لَوْلا أَنْ تَوَاتَرَتْ هَذِهِ الأَحَادِيثُ بِالاسْتِثْنَاءِ فِيهَا خَاصَّةً ، مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَصْحَابِهِ ، وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ ، وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَى الْيَوْمِ ، وَبِهِ يَأْخُذُ أَهْلُ الْعِرَاقِ ، وَهُوَ رَأْيُ سُفْيَانَ , وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ قَوْلُ مَالِكٍ ، فَقَالَ : مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ هَذَا , وَمَعَ أَنَّكَ إِذَا صِرْتَ إِلَى النَّظَرِ وَجَدْتَ الأَمْرَ عَلَى مَا قَالُوا ، أَنَّهُ لا صَدَقَةَ فِي الْعَوَامِلِ مِنْ جِهَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا إِذَا اعْتُمِلَتْ ، وَاسْتَمْتَعَ بِهَا النَّاسُ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الدَّوَابِّ الْمَرْكُوبَةِ ، وَالَّتِي تَحْمِلُ الأَثْقَالَ مِنَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ ، أَشْبَهَتِ الْمَمَالِيكَ وَالأَمْتِعَةَ ، فَفَارَقَ حُكْمُهَا حُكْمَ السَّائِمَةِ لِهَذَا , وَأَمَّا الْجِهَةُ الأُخْرَى فَالَّتِي فَسَّرَهَا ابْنُ شِهَابٍ ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ تَسْنُو وَتَحْرُثُ ، فَإِنَّ الْحَبَّ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ , إِنَّمَا يَكُونُ حَرْثُهُ وَسَقْيُهُ وَدِيَاسُهُ بِهَا ، فَإِذَا صُدِّقَتْ هِيَ أَيْضًا مَعَ الْحَبِّ ، صَارَتِ الصَّدَقَةُ مُضَاعَفَةً عَلَى النَّاسِ , فَهَذِهِ أَحْكَامُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ ، وَهِيَ عَلَى ثَلاثَةِ أَصْنَافٍ , فَأَحَدُهَا : أَنَّهَا إِذْ كَانَتْ بَقَرًا مُبَقَّرَةً وَهِيَ السَّوَائِمُ الَّتِي تُتَّخَذُ لِلنَّسْلِ وَالنَّمَاءِ فَصَدَقَتُهَا عَلَى مَا قَصَصْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنَ التَّبِيعِ وَالْمُسِنَّةِ , وَالصِّنْفُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ يُرَادُ بِهَا التِّجَارَةُ ، فَسُنَّتُهَا فِي الصَّدَقَةِ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ ، فَيُقَوِّمُهَا رَبُّهَا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ ، ثُمَّ يَضُمُّهَا إِلَى مَالِهِ ، وَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالا فَصَاعِدًا ، زَكَّاهُ كَمَا يُزَكِّي الْعَيْنَ وَالْوَرِقَ سَوَاءً ، فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ، وَفِي كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالا نِصْفُ مِثْقَالَ ، وَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ , وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ : هَذِهِ الْعَوَامِلُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، فَلا صَدَقَةَ فِيهَا , وَكَذَلِكَ الإِبِلُ إِذَا كَانَتْ مُؤَبَّلَةً يُبْتَغَى نَسْلُهَا وَنَمَاؤُهَا ، فَصَدَقَتُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ كُتُبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكُتُبِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ ، أَنَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةً ، ثُمَّ عَلَى هَذَا ، فَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَوَامِلَ ، فَلا شَيْءَ فِيهَا , فَأَمَّا الْغَنَمُ : فَإِنَّهَا تُجَامِعُ الْبَقَرَ وَالإِبِلَ فِي السَّائِمَةِ وَالتِّجَارَةِ ، وَتُفَارِقُهُمَا فِي الْعَوَامِلِ , لأَنَّ الْغَنَمَ لا عَوَامِلَ فِيهَا ، وَلَكِنَّ الصِّنْفَ الثَّالِثَ مِنَ الْغَنَمِ الَّذِي تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّدَقَةُ هِيَ الرَّبَائِبُ مَتَى تُتَّخَذُ فِي الْبُيُوتِ بِالأَمْصَارِ وَالْقُرَى ، وَتَكُونُ أَلْبَانُهَا لأَقْوَاتِ النَّاسِ وَطَعَامِهِمْ ، وَلَيْسَتْ لِتِجَارَةٍ وَلا سَائِمَةً ، وَهِيَ الَّتِي , قَالَ فِيهَا إِبْرَاهِيمُ , وَمُجَاهِدٌ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |