باب صدقة مال اليتيم وما فيها من السنة والاختلاف


تفسير

رقم الحديث : 1008

قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنِ الأَجْلَحِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : " الصَّدَقَةُ فِي الْبُرِّ , وَالشَّعِيرِ , وَالتَّمْرِ " , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ بِمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ ، فَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يَرَوُا الصَّدَقَةَ إِلا فِي الْحِنْطَةِ ، وَالشَّعِيرِ ، وَالنَّخْلِ ، وَالْعِنَبِ ، فَإِنَّهُمْ قَصَدُوا قَصْدَ الأَثَرِ ، فَاتَّبِعُوهُ , وَلَمْ يَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ بِزِيَادَةٍ ، وَلا نُقْصَانٍ ، وَأَمَّا الَّذِينَ زَادُوا فِيهَا السُّلْتَ وَالذُّرَةَ خَاصَّةً ، فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ الْحِنْطَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ لَهَا فَضِيلَةٌ عَلَيْهِمَا فِي الطَّعْمِ , يُحَقِّقُ ذَلِكَ لَهُمْ , مَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ السُّلْتِ بِالْبَيْضَاءِ ، فَكَرِهَهُ , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ : لا يَجُوزُ بَيْعُ السُّلْتِ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ ، إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ , لأَنَّهَا ثَلاثَتَهَا عِنْدَهُمْ نَوْعٌ وَاحِدٌ , وَكَذَلِكَ الذُّرَةُ عِنْدَ نَاسٍ مِنَ النَّاسِ ، هِيَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْحِنْطَةِ , لأَنَّهَا قُوتُ كَثِيرٍ مِنْ هَذَا الْخَلْقِ ، مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ ، لا يُعَيِّشُهُمْ سِوَاهُ , وَأَمَّا الَّذِينَ أَوْجَبُوهَا فِي الْحُبُوبِ كُلِّهَا , فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ ذَكَرَ أَبْوَابَ الرِّبَا , إِنَّمَا سَمَّى مِنْهَا سِتَّةَ أَشْيَاءَ : الذَّهَبَ ، وَالْفِضَّةَ ، وَالْحِنْطَةَ ، وَالشَّعِيرَ ، وَالتَّمْرَ ، وَالْمِلْحَ , قَالُوا : فَقَاسَتِ الْعُلَمَاءُ سَائِرَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ بِهَذِهِ السُّنَّةِ , يَقُولُونَ : فَكَذَلِكَ لَمَّا رَأَيْنَا سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ , أَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ بِهَا إِلَى هَذِهِ الأَصْنَافِ الأَرْبَعَةِ : الْبُرِّ ، وَالشَّعِيرِ ، وَالتَّمْرِ ، وَالزَّبِيبِ ، الَّتِي يَدَّخِرُهَا النَّاسُ لِقُوتِهِمْ وَطَعَامِهِمْ ، أَلْحَقْنَا بِهَا مَا كَانَ لَهَا مُضَاهِئًا مِنْ كُلِّ ثَمَرَةٍ بَاقِيَةٍ مِنْ طَعَامِ النَّاسِ ، يَكُونُ حُكْمُهَا الْكَيْلَ كَحُكْمِ تِلْكَ الأَرْبَعَةِ , وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ " , قَالُوا : وَالْوَسْقُ يَقَعُ مَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يُكَالُ مِمَّا يُؤْكَلُ , وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يُوجِبُوهَا إِلا فِي الْحِنْطَةِ ، وَالشَّعِيرِ ، وَالتَّمْرِ ، وَأَسْقَطُوا الزَّبِيبَ مِنْهَا ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِنَّمَا حَكَمَ عَلَى الْعَرَبِ فِي صَدَقَاتِهَا بِمَا يُعْرَفُ مِنْ أَقْوَاتِهَا مِمَّا هُوَ طَعَامٌ لَهَا فِي حَاضِرَتِهَا وَبَادِيَتِهَا ، فَلَمْ تَكُنْ إِلا هَذِهِ الأَصْنَافَ الثَّلاثَةَ ، فَكَانَتِ الْحِنْطَةُ , وَالشَّعِيرُ : لأَهْلِ الْمَدَرِ ، وَكَانَ التَّمْرُ : لأَهْلِ الْوَبَرِ ، وَخَرَجَ الزَّبِيبُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى , يَقُولُونَ : فَإِنَّمَا وَجَبَتِ الصَّدَقَةُ لِلْفُقَرَاءِ عَلَى الأَغْنِيَاءِ فِي مَا لا حَيَاةَ لَهُمْ بَعْدَ اللَّهِ , إِلا بِهِ لِيَعِيشُوا مَعَهُمْ ، كَالإِبِلِ , وَالْبَقَرِ , وَالْغَنَمِ الَّتِي خَصَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ سَوَائِمِ الْخَيْلِ , وَالْبِغَالِ , وَالْحَمِيرِ ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَلْبَانَ تِلْكَ , وَلُحُومَهَا مَعَاشًا لِلنَّاسِ دُونَ هَذِهِ , فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ فِي تِلْكَ الصَّدَقَةُ دُونَ الأُخْرَى , فَيَقُولُونَ : فَكَذَلِكَ هَذِهِ الأَصْنَافُ الثَّلاثَةُ مِنَ الطَّعَامِ : الْبُرُّ ، وَالشَّعِيرُ ، وَالتَّمْرُ ، هِيَ قُوتُ النَّاسِ , وَمَعَاشُهُمْ عِنْدَ الْعَرَبِ , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَكُلُّ هَؤُلاءِ قَدْ تَوَخَّى مَذْهَبًا وَجَدَ فِيهِ مَسَاغًا فِي مَا تَأَوَّلْنَاهُ عَلَيْهِمْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادُوا , إِلا أَنَّ الَّذِي أَخْتَارُ مِنْ ذَلِكَ الاتِّبَاعُ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ لا صَدَقَةَ إِلا فِي الأَصْنَافِ الأَرْبَعَةِ الَّتِي سَمَّاهَا وَسَنَّهَا ، مَعَ قَوْلِ : مَنْ قَالَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ , وَالتَّابِعِينَ ، ثُمَّ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى , وَسُفْيَانَ إِيَّاهُ , وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَصَّ هَذِهِ بِالصَّدَقَةِ , وَأَعْرَضَ عَمَّا سِوَاهَا ، قَدْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ لِلنَّاسِ أَمْوَالا مِمَّا تُخْرِجُ الأَرْضُ ، فَكَانَ تَرْكُهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا عَفْوًا مِنْهُ ، كَعَفْوِهِ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ , وَالرَّقِيقِ ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى النَّظَرِ وَالتَّشْبِيهِ , وَالتَّمْثِيلِ , إِذَا لَمْ تُوجَدْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ ، فَإِذَا وَجِدَتِ السُّنَّةُ لَزِمَ النَّاسَ اتِّبَاعُهَا , فَكَانَ حَدِيثُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ مَعَ هَذَا , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْنَدًا لَنَا إِمَامًا مَعَ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، إِذَا لَمْ نَجِدْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ , وَأَتَمُّ إِسْنَادًا .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.