العسل والزيتون والخضر


تفسير

رقم الحديث : 906

فَأَمَّا مَالِكٌ ، فَإِنَّ ابْنَ بُكَيْرٍ حَدَّثَنِي عَنْهُ , أَنَّهُ قَالَ : " لَيْسَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ إِذَا قَبَضَهُ , وَإِنْ مَكَثَ غَائِبًا عَنْهُ سِنِينَ , إِلا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ " , قَالَ : " وَذَلِكَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالٍ سِوَاهُ " , قَالَ : " وَهَكَذَا التَّاجِرُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْبِضَاعَةُ سِنِينَ ، ثُمَّ يَبِيعُهَا ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلا زَكَاةُ ثَمَنِهَا بَعْدَ الْبَيْعِ " , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَإِنْ قَبَضَ مِنَ الدَّيْنِ شَيْئًا لا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ ، زَكَّاهُ مَعَ مَالِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الدَّيْنِ شَيْءٌ تَتِمُّ بِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ , وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ , وَأَهْلِ الْعِرَاقِ ، فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ الزَّكَاةَ وَاجِبَةً عَلَيْهِ , إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ ، إِذَا كَانَ الدَّيْنُ فِي مَوْضِعِ الْمَلاءَةِ وَالثِّقَةِ ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَيْسَ بِمَرْجُوٍّ ، كَالْغَرِيمِ يَجْحَدُهُ صَاحِبُهُ مَا عَلَيْهِ ، أَوْ يُضَيِّعُ الْمَالَ ، فَلا يَصِلُ إِلَيْهِ رَبُّهُ ، وَلا يَعْرِفُ مَكَانَهُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ مَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَإِنِّي لا أَحْفَظُ قَوْلَ سُفْيَانَ فِي هَذَا بِعَيْنِهِ ، إِلا أَنَّ جُمْلَةَ قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ , أَنَّهُ لا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ لِشَيْءٍ مِمَّا مَضَى مِنَ السِّنِينَ ، وَلا زَكَاةَ سَنَتِهِ أَيْضًا ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ كَالْمَالِ الْمُسْتَفَادِ يَسْتَأْنِفُ بِهِ صَاحِبُهُ الْحَوْلَ , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَأَمَّا الَّذِي أَخْتَارُهُ مِنْ هَذَا ، فَالأَخْذُ بِالأَحَادِيثِ الْعَالِيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ عُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، وَجَابِرٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، ثُمَّ قَوْلِ التَّابِعِينَ بَعْدَ ذَلِكَ : الْحَسَنِ ، وَإِبْرَاهِيمَ ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ , أَنَّهُ يُزَكِّيهِ فِي كُلِّ عَامٍ مَعَ مَالِهِ الْحَاضِرِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الأَمْلِيَاءِ الْمَأْمُونِينَ , لأَنَّ هَذَا حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ مَا بِيَدِهِ وَفِي بَيْتِهِ ، وَإِنَّمَا اخْتَارُوا أَوْ مَنِ اخْتَارَ مِنْهُمْ تَزْكِيَةَ الدَّيْنِ مَعَ عَيْنِ الْمَالِ , لأَنَّ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ حَتَّى يَصِيرَ إِلَى الْقَبْضِ لَمْ يَكَدْ يَقِفُ مِنْ زَكَاةِ دِينِهِ عَلَى حَدٍّ ، وَلَمْ يَقُمْ بِأَدَائِهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ رُبَّمَا اقْتَضَاهُ رَبُّهُ مُتَقَطِّعًا كَالدَّرَاهِمِ الْخَمْسَةِ وَالْعَشَرَةِ ، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَأَقَلَّ ، فَهُوَ يَحْتَاجُ فِي كُلِّ دِرْهَمٍ يَقْتَضِيهِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا غَابَ عَنْهُ مِنَ السِّنِينَ , وَالشُّهُورِ , وَالأَيَّامِ ، ثُمَّ يُخْرِجُ مِنْ زَكَاتِهِ بِحِسَابِ مَا يُصِيبُهُ ، وَفِي أَقَلَّ مِنْ هَذَا مَا تَكُونُ الْمَلالَةُ وَالتَّفْرِيطُ , فَلِهَذَا أَخَذُوا لَهُ بِالاحْتِيَاطِ ، فَقَالُوا : يُزَكِّيهِ مَعَ جُمْلَةِ مَالِهِ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ , وَهُوَ عِنْدِي وَجْهُ الأَمْرِ ، فَإِنْ أَطَاقَ ذَلِكَ الْوَجْهَ الآخَرَ مُطِيقٌ حَتَّى لا يَشِذَّ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَاسِعٌ لَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَهَذَا كُلُّهُ فِي الدَّيْنِ الْمَرْجُوِّ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الثِّقَاتِ , فَأَمَّا إِذَا كَانَ الأَمْرُ عَلَى خِلافِ ذَلِكَ ، وَكَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ يَائِسًا مِنْهُ أَوْ كَالْيَائِسِ ، فَالْعَمَلُ فِيهِ عِنْدِي عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ فِي الدَّيْنِ الظَّنُونِ ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي الدَّيْنِ الَّذِي لا يَرْجُوهُ : أَنَّهُ لا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْعَاجِلِ ، فَإِذَا قَبَضَهُ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قَوْلِ مَنْ لا يَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا ، وَمِنْ قَوْلِ مَنْ يَرَى عَلَيْهِ زَكَاةَ عَامِهِ , وَذَلِكَ لأَنَّ هَذَا الْمَالَ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ غَيْرَ رَاجٍ لَهُ ، وَلا طَامِعٍ فِيهِ , فَإِنَّهُ مَالُهُ وَمِلْكُ يَمِينِهِ ، مَتَى مَا ثَبَتَهُ عَلَى غَرِيمِهِ بِالْبَيِّنَةِ ، أَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ إِعْدَامٍ ، كَانَ حَقُّهُ جَدِيدًا عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ لَهُ فِي الآخِرَةِ ، وَكَذَلِكَ إِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الضَّيَاعِ , كَانَ لَهُ دُونَ النَّاسِ ، فَلا أَرَى مِلْكَهُ زَالَ عَنْهُ عَلَى حَالٍ ، وَلَوْ كَانَ زَالَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ الْوُجْدَانِ ، فَكَيْفَ يَسْقُطُ حَقُّ اللَّهِ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَالِ ، وَمِلْكُهُ لَمْ يَزَلْ عَنْهُ ؟ أَمْ كَيْفَ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ إِنْ كَانَ غَيْرَ مَالِكٍ لَهُ ؟ فَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي دَاخِلٌ عَلَى مَنْ رَآهُ مَالا مُسْتَفَادًا ، وَأَمَّا الدَّاخِلُ عَلَى مَنْ رَأَى عَلَيْهِ زَكَاةَ عَامٍ وَاحِدٍ ، فَأَنْ يُقَالَ لَهُ : لَيْسَ يَخْلُوا هَذَا الْمَالُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَالْمَالِ يُفِيدُهُ تِلْكَ السَّاعَةَ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، فَيَلْزَمُكَ مِنْ ذَلِكَ , مَا لَزِمَهُمْ مِنَ الْقَوْلِ ، أَوْ أَنْ يَكُونَ كَسَائِرِ مَالِهِ الَّذِي لَهُ ، فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ ، كَقَوْلِ عَلِيٍّ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ , فَأَمَّا زَكَاةُ عَامٍ وَاحِدٍ فَلا نَعْرِفُ لَهَا وَجْهًا ، وَلَيْسَ الْقَوْلُ عِنْدِي إِلا عَلَى مَا قَالا : إِنَّهُ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ تَعْجِيلُ إِخْرَاجِهَا مِنْ مَالِهِ فِي كُلِّ عَامٍ , لأَنَّهُ كَانَ يَائِسًا مِنْهُ ، فَأَمَّا وُجُوبُهَا فِي الأَصْلِ , فَلا يُسْقِطُهُ شَيْءٌ مَا دَامَ لِذَلِكَ الْمَالِ رَبًّا , فَهَذَا مَا فِي تَزْكِيَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ , فَإِنْ لَمْ يُرِدْ صَاحِبُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الأَدَاءِ ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ تَرْكَ الدَّيْنِ لِلَّذِي هُوَ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يَحْسِبَهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ أَرْخَصَ فِيهِ بَعْضُ التَّابِعِينَ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.