واما الخضر


تفسير

رقم الحديث : 1069

قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، عَنِ اللَّيْثِ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : " مَا كَانَ مِنَ الْفَوَاكِهِ وَالْخَضِرِ ، فَإِنَّمَا صَدَقَتُهَا فِي أَثْمَانِهَا حِينَ تُبَاعُ ، صَدَقَةُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ " , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَهَذَا الْقَوْلُ لا أَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَدًا يَقُولُهُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ ، وَلا الْعِرَاقِ ، وَلَيْسَ يُمْكِنُ فِي النَّظَرِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ، وَكَيْفَ تَجِبُ الصَّدَقَةُ فِي الْفَرْعِ ، وَهِيَ سَاقِطَةٌ عَنِ الأَصْلِ ؟ إِنَّمَا الْفُرُوعُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الأُصُولِ ، تَابِعَةٌ لَهَا ؟ وَهَلِ الْخَضِرُ إِذَا كَانَتْ لا يَجِبُ فِيهَا صَدَقَةٌ بِأَعْيَانِهَا إِلا كَالْعُرُوضِ وَالرَّقِيقِ الَّتِي لا صَدَقَةَ فِي شُخُوصِهَا ؟ فَهَلْ تَكُونُ الصَّدَقَةُ فِي أَثْمَانِهَا إِذَا بِيعَتْ إِلا بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ تُقْبَضُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ ؟ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ أَنْ لا صَدَقَةَ فِي أَثْمَانِهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ , فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ , وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونُ عِنْدِي لا صَدَقَةَ فِيهِ مِثْلُهَا , لأَنَّهُ بِهَا أَشْبَهُ مِنْهُ بِالأَطْعِمَةِ الَّتِي سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا الصَّدَقَةَ مِنَ الْبُرِّ ، وَالشَّعِيرِ ، وَالتَّمْرِ ، وَالزَّبِيبِ ، وَلا أَرَاهُ أَيْضًا يُشْبِهُ الْقَطَانِيَّ الَّتِي أَوْجَبَ فِيهَا الصَّدَقَةَ مَنْ أَوْجَبَهَا , لأَنَّ تِلْكَ يَابِسَةٌ تُدَّخَرُ ، وَهَذَا رَطْبٌ يَفْسَدُ وَيَتَغَيَّرُ ، فَإِنْ كَانَ يُشْبِهُ مِنْهَا شَيْئًا , فَلَيْسَ هُوَ بِشَيْءٍ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالسِّمْسِمِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا جَمِيعًا تُؤْكَلُ ثَمْرَتُهُمَا ، وَيُؤْتَدَمُ بِعَصِيرِهِمَا , وَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ , وَهُوَ مَعْدِنُ السِّمْسِمِ , فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ أَمَرَهُ فِي حَبِّهِ ، وَلا دُهْنِهِ بِشَيْءٍ , وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ ، لَمْ يَأْتِنَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِ شَيْئًا ، وَقَدْ كَانَ يَعْرِفُهُ وَيَسْتَحِبُّهُ فِي طَعَامِهِ ، وَيَأْمُرُ بِالادِّهَانِ بِهِ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ ، وَقَدْ نَزَلَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ ، فَلَمْ يَسُنَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةً عَلِمْنَاهَا ، وَلا ذَكَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ صَدَقَاتِهِ حِينَ ذَكَرَ الثِّمَارَ ، وَعُشُورَ الأَرَضِينَ , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَالزَّيْتُونُ عِنْدَنَا مِمَّا عَفَا عَنْهُ ، كَعَفْوِهِ عَنِ الْخَضْرَاوَاتِ وَالْفَوَاكِهِ ، وَلا صَحَّ مَعَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الأَئِمَّةِ بَعْدَهُ فِيهِ شَيْءٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ لا نَرَاهُ مَحْفُوظًا , لأَنَّ اللَّيْثَ يُحَدِّثُهُ عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ، وَلا يَرْفَعُهُ إِلَى عُمَرَ ، وَلَوْ كَانَ أَيْضًا مَحْفُوظًا مَا كَانَ أَيْضًا يَثْبُتُ , لأَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُمَرَ , وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ , وَإِنْ كَانَ أَمْثَلَ إِسْنَادًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ مَقَالا , وَمَعَ هَذَا ، إِنَّ الأَحَادِيثَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ صَدَقَةِ مَا تُخْرِجُ الأَرْضُ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، وَعَنْ شُرَيْحٍ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَإِبْرَاهِيمَ ، وَالْحَسَنِ ، حِينَ ذَكَرُوا الأَصْنَافَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ ، مِمَّا تُخْرِجُ الأَرْضُ ، فَسَمَّوْهَا ، وَأَسْقَطُوا الصَّدَقَةَ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا فِي الزَّيْتُونِ شَيْئًا ، فَصَارَ هَذَا رَأْيَ هَؤُلاءِ جَمِيعًا ، مَعَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ , ثُمَّ هُوَ رَأْيُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَسُفْيَانَ ، عَلَى مَذْهَبِهِمَا , وَكَذَلِكَ قَوْلُ هَؤُلاءِ الْمُسَمَّيْنَ جَمِيعًا فِي الْعَسَلِ أَنَّهُ لا صَدَقَةَ فِيهِ , لأَنَّهُمْ خَصُّوا مَا رَأَوْهَا تَجِبُ فِيهِ ، وَأَلْغَوْا مَا سِوَى ذَلِكَ ، فَالْعَسَلُ مِمَّا أَسْقَطُوهَا عَنْهُ ، مَعَ تَأْوِيلِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمُعَاذٍ , أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ فِي الْعَسَلِ بِشَيْءٍ ، حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ ، وَهِيَ بِلادُ الْعَسَلِ ، فَجَاءَتْ هَذِهِ الآثَارُ بِإِسْقَاطِ الصَّدَقَةِ عَنْهُ ، وَجَاءَتْ تِلْكَ الأُخْرَى الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ بِإِيجَابِهَا فِيهِ ، فَاعْتَدَلَ الْوَجْهَانِ فِي الْعَسَلِ , وَأَشْبَهُ الْوُجُوهِ فِي أَمْرِهِ عِنْدِي , أَنْ يَكُونَ أَرْبَابُهُ يُؤْمَرُونَ بِأَدَاءِ صَدَقَتِهِ ، وَيُحَثُّونَ عَلَيْهَا ، وَيُكْرَهُ لَهُمْ مَنْعُهَا ، وَلا يُؤْمَنُ عَلَيْهِمُ الْمَأْثَمُ فِي كِتْمَانِهَا ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَرْضًا ، كَوُجُوبِ صَدَقَةِ الأَرْضِ وَالْمَاشِيَةِ ، وَلا يُجَاهَدُ أَهْلُهُ عَلَى مَنْعِ صَدَقَتِهِ ، كَمَا يُجَاهَدُ مَانِعُو ذَيْنِكَ الْمَالَيْنِ , وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ كَمَا صَحَّتْ فِيهِمَا ، وَلا وُجِدَتْ فِي كُتُبِ صَدَقَاتِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ بِمَنْزِلَتِهِمَا , قَالَ : وَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ : وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ السُّلْطَانُ قَدْ أَجْبَرَهُ عَلَى نَفَقَتِهِمْ ، فَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ إِجْبَارًا فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَهَذَا تَأْوِيلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَابْنِ دَاوُدَ فِي مَعْنَى الْعِيَالِ ، وَهُمَا مَذْهَبَانِ لِمَنْ شَاءَ , وَالَّذِي أَخْتَارَ فِيهِ سِوَاهُمَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الأَصْلَ فِي هَذَا عِنْدِي , إِنَّمَا هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ عَوْلُهُ فَرْضًا عَلَى الْعَائِلِ وَاجِبًا ، لا يَسَعُهُ تَضْيِيعُهُمْ ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حِينَ ذَكَرَ الصَّدَقَةَ ، فَقَالَ : " ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ " , ثُمَّ جَاءَنَا عَنْهُ ذَلِكَ مُفَسَّرًا ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ رَجُلا , قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عِنْدِي دِينَارٌ , قَالَ : " أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ " , قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ : " أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ " , قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ : " أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ " , قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ : " أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ " , قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ : " أَنْتَ أَبْصَرُ " , أَوْ قَالَ : " أَنْتَ أَعْلَمُ " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.