باب ذكر اهل الصدقة الذين يطيب لهم اخذها وفرق بين من تحل له الصدقة او تحرم عليه


تفسير

رقم الحديث : 1144

يُحَدَّثُ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ , أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ , يَقُولُ : لَوْلا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَيَمْنَعُ الدِّينَ بِنَصَارَى مِنْ رَبِيعَةَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ " , مَا تَرَكْتُ عَرَبِيًّا إِلا قَتَلْتُهُ , أَوْ يُسْلِمَ فَلِذَلِكَ رَضِيَ بِأَمْوَالِهِمْ دُونَ دِمَائِهِمْ , فَهَذَا أَحَدُ حُكْمَيْهِ , وَأَمَّا الآخَرُ ، فَإِنَّهُ حِينَ دَرَأَ عَنْهُمُ الْقَتْلَ ، وَقَبِلَ مِنْهُمُ الأَمْوَالَ ، لَمْ يَجْعَلْهَا جِزْيَةً كَسَائِرِ مَا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَلَكِنْ جَعَلَهَا صَدَقَةً مُضَاعَفَةً ، وَإِنَّمَا اسْتَجَازَهَا فِي مَا نَرَى , وَتَرَكَ الْجِزْيَةَ مِمَّا رَأَى مِنْ نِفَارِهِمْ وَأَنَفِهِمْ مِنْهَا ، فَلَمْ يَأْمَنْ شِقَاقَهُمْ وَاللِّحَاقَ بِالرُّومِ ، فَيَكُونُوا ظَهِيرًا لَهُمْ عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لا ضَرَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ إِسْقَاطِ ذَلِكَ الاسْمِ عَنْهُمْ ، مَعَ اسْتِبْقَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجِزْيَةِ ، فَأَسْقَطَهَا عَنْهُمْ ، وَاسْتَوْفَاهَا مِنْهُمْ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ حِينَ ضَاعَفَهَا عَلَيْهِمْ ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ رَتْقُ مَا خَافَ مِنْ فَتْقِهِمْ مَعَ الاسْتِبْقَاءِ لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ فِي رِقَابِهِمْ , وَكَانَ مُسَدَّدًا , كَمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ضَرَبَ بِالْحَقِّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ , وَقَلْبِهِ " , وَكَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ فِيهِ : " مَا رَأَيْتُ عُمَرَ قَطُّ , إِلا وَكَأَنَّ مَلَكًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ يُسَدِّدُهُ " , وَمِثْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ : " مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ " , وَكَقَوْلِ عَائِشَةَ فِيهِ : " كَانَ وَاللَّهِ أَحْوَزِيًّا ، نَسِيجَ وَحْدِهِ ، وَقَدْ أَعَدَّ لِلأُمُورِ أَقْرَانَهَا " , فَكَانَتْ فَعْلَتُهُ هَذِهِ مِنْ تِلْكِ الأَقْرَانِ الَّتِي أَعَدَّ ، فِي كَثِيرٍ مِنْ مَحَاسِنِهِ لا تُحْصَى , فَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ , وَإِنْ كَانَ يُسَمَّى صَدَقَةً فَلَيْسَ بِصَدَقَةٍ , لِمَا أَعْلَمْتُكَ ، وَلا يُوضَعُ فِي الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ ، وَإِنَّمَا مَوْضِعُهَا مَوْضِعُ الْجِزْيَةِ , وَقَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ قَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْعَرَبِ كَيْفَ كَانَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ ، وَالْفَرْقَ بَيْنَهُمْ , وَبَيْنَ الْعَجَمِ فِيهَا , وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , خَصَّ عَرَبَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْجِزْيَةِ دُونَ مَنْ لا كِتَابَ لَهُ مِنْهُمْ ، ثُمَّ لَمْ يَرْضَ مِنْ سَائِرِهِمْ إِلا بِالإِسْلامِ , أَوِ الْقَتْلِ ، وَعَمَّ الْعَجَمَ مِنْ ذَوِي الْكُتُبِ , وَمَنْ لا كِتَابَ لَهُ بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ ، وَهُمُ الْمَجُوسُ , فَقَالَ قَائِلُونَ : لَمْ يَقْبَلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ , إِلا وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ , وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى : قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ سورة التوبة آية 29 , وَرَوَوْهُ عَنْ عَلِيٍّ , أَنَّهُ قَالَ : هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ , وَقَدْ عَرَفْنَا الْوَجْهَ الَّذِي رُوِيَ هَذَا مِنْهُ ، وَلَيْسَ مِثْلُهُ يُحْتَجُّ بِهِ ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ ، وَالَّذِي عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ عَنْ عَلِيٍّ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ , مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَائِحَهُمْ , وَلا مُنَاكَحَتَهُمْ ، وَلَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِعِلْمِ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ هَذَا بِخِلافٍ لِلْكِتَابِ ، وَلا بَيْنَ حُكْمِ اللَّهِ , وَبَيْنَ حُكْمِ رَسُولِهِ فِي التَّحْلِيلِ , وَالتَّحْرِيمِ فَرْقٌ فِي شَيْءٍ ، وَلا كَانَ يَحْكُمُ بِحُكْمٍ يَدُلُّ الْكِتَابُ عَلَى شَيْءٍ سِوَاهُ ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْمُفَسِّرَةُ لِلتَّنْزِيلِ ، وَالْمُوَضِّحَةُ لِحُدُودِهِ وَشَرَائِعِهِ ، أَلا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ حِينَ ذَكَرَ الْحُدُودَ ، فَقَالَ : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ سورة النور آية 2 , فَجَعَلَهُ حُكْمًا عَامًّا فِي الظَّاهِرِ عَلَى كُلِّ مَنْ زَنَى ، ثُمَّ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّيِّبَيْنِ بِالرَّجْمِ ؟ وَلَيْسَ هَذَا بِخِلافِ الْكِتَابِ ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ , إِنَّمَا عَنَى بِالآيَةِ الْبِكْرَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا , وَكَذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ الْفَرَائِضَ ، فَقَالَ : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ سورة النساء آية 11 , فَكَانَتِ الآيَةُ شَامِلَةً لِكُلِّ وَلَدٍ ، فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ ، وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ " ، لَمْ يَكُنْ هَذَا خِلافَ التَّنْزِيلِ ، وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ : إِنَّمَا عَنَى بِالْمُوَارَثَةِ أَهْلَ الدِّينِ الْوَاحِدِ ، دُونَ أَهْلِ الدِّينَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ , وَكَذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ الْوُضُوءَ ، فَقَالَ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ سورة المائدة آية 6 ، " ثُمَّ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَأَمَرَ بِهِ " ، فَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ اللَّهَ , إِنَّمَا عَنَى بِغُسْلِ الأَرْجُلِ إِذَا كَانَتِ الأَقْدَامُ بَادِيَةً لا خِفَافَ عَلَيْهَا , وَكَذَلِكَ شَرَائِعُ الْقُرْآنِ كُلُّهَا , إِنَّمَا نَزَلَتْ جُمَلا ، حَتَّى فَسَّرَتْهَا السُّنَّةُ , فَعَلَى هَذَا كَانَ أَخْذُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْعَجَمِ كَافَّةً ، إِنْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ , أَوْ لَمْ يَكُونُوا ، وَتَرْكُهُ أَخْذَهَا مِنَ الْعَرَبِ , إِلا أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَدْلَلْنَا بِفِعْلِهِ عَلَى أَنَّ الآيَةَ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا شَرْطُ الْكِتَابِ عَلَى أَهْلِ الْجِزْيَةِ ، إِنَّمَا كَانَتْ خَاصَّةً لِلْعَرَبِ ، وَأَنَّ الْعَجَمَ يُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ , وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ إِجْمَاعُ الأُمَّةِ عَلَى قَبُولِهَا مِنَ الصَّابِئِينَ بَعْدَهُ ، وَلَيْسَ يَشْهَدُ لَهُمُ الْقُرْآنُ بِكِتَابٍ ، وَإِنَّمَا نَرَى النَّاسَ فَعَلُوا ذَلِكَ وَاسْتَجَازُوهُ اسْتِنَانًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ الْمَجُوسِ ، وَتَشْبِيهًا بِهِمْ , لأَنَّ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ أَكْثَرَهُمْ عَلَى كَرَاهِيَةِ ذَبَائِحِهِمْ , وَمُنَاكَحَتِهِمْ , لأَنَّهُمْ فِي حَدِّ الْمَجُوسِ , وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ .

الرواه :

الأسم الرتبة
عُمَرَ

صحابي

جَدِّهِ

صحابي

أَبِيهِ

لم يثبت له صحبة

سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ

ثقة

Whoops, looks like something went wrong.