أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ : وَقَالَ مَالِكٌ : إِنَّمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يَوْمَ يُصَدِّقُ مَالَهُ ، فَإِنْ هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ قَبْلَ ذَلِكَ , لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ مِمَّا هَلَكَ شَيْءٌ ، إِنَّمَا يُؤْخَذُ بِمَا وَجَدَهُ الْمُصَدِّقُ فِي يَدِهِ ، وَكَذَلِكَ إِنْ نَمَتِ الْمَاشِيَةُ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ مَا يَكُونُ عِنْدَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ " , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا أَشْبَهُ عِنْدِي بِسُنَّةِ الصَّدَقَةِ , لأَنَّهَا جَاءَتْ مُطْلَقَةً فِي كَذَا وَكَذَا مِنَ الإِبِلِ كَذَا وَكَذَا , وَهَذَا إِنَّمَا يَقَعُ مَعْنَاهُ عَلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَلَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الصَّدَقَةِ , أَنَّ أَهْلَ الْمَاشِيَةِ يُحَاسَبُونَ بِمَا كَانُوا يَمْلِكُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ هَلَكَ ، وَلا يُسْأَلُونَ عَمَّا ضَاعَ مِنْهَا , وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ ، فَإِنَّهُمْ أَنْزَلُوا الصَّدَقَةَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ إِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ ، وَلَوْ كَانَتِ الصَّدَقَةُ تَحِلُّ الدَّيْنَ ، لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى رَبِّ الْمَاشِيَةِ فِي هَذِهِ الْخَمْسِ الَّتِي هَلَكَتْ إِحْدَاهُنَّ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ الشَّاةُ كُلُّهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَتْ إِبِلُهُ مِنْ عِنْدِ آخِرِهَا , لأَنَّهُ لا يُسْقِطُ هَلاكُهَا عَنْهُ دَيْنًا قَدْ لَزِمَهُ مَرَّةً , وَلَيْسَ الأَمْرُ عِنْدِي فِيهَا إِلا عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ , لِمُوَافَقَتِهِ تَأْوِيلَ الآثَارِ وَالسُّنَّةِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَاعَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ شَيْءٌ ، وَلَكِنْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلانِ اثْنَانِ ، وَهِيَ خَمْسٌ تَامَّةٌ ، ثُمَّ جَاءَ الْمُصَدِّقُ ، فَإِنَّ سُفْيَانَ يُرْوَى عَنْهُ , أَنَّهُ قَالَ : عَلَيْهِ فِيهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ لِلسَّنَةِ الأُولَى ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلثَّانِيَةِ شَيْءٌ , وَقَالَ مَالِكٌ : عَلَيْهِ شَاتَانِ ، لِكُلِّ سَنَةٍ وَاحِدَةٌ , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَذْهَبِهِ هَذَا الْقَوْلَ , لِأَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي الْعَامِ الْمَاضِي ، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ الثَّانِي ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِخَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ ، لِمَكَانِ الدَّيْنِ الَّذِي لَزِمَهُ مِنْ تِلْكِ الشَّاةِ ، فَصَارَتْ لَهُ خَمْسٌ غَيْرُ قِيمَةِ شَاةٍ ، فَأَسْقَطَ عَنْهُ الصَّدَقَةَ لِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ , وَكَانَ مَالِكٌ لا يَلْتَفِتُ إِلَى الدَّيْنِ الَّذِي لَزِمَهُ ، وَيَقُولُ : إِنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى مَا وَجَدَ الْمُصَدِّقُ فِي أَيْدِيهِمْ قَائِمًا بَعْدَ مُضِيِّ الأَحْوَالِ عَلَى الْمَاشِيَةِ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَكَذَلِكَ هَذَا عِنْدِي , لِمَا تَأَوَّلْنَا فِيهِ مِنَ الْحَدِيثِ : أَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ أَعْيَانِ الْمَاشِيَةِ إِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ أَوْ أَكْثَرُ ، وَلا يُحَاسَبُ أَحَدٌ بِمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ، وَلا تَعُودُ الصَّدَقَةُ دَيْنًا يَتَّسِعُ بِهِ صَاحِبُهَا , وَهَذَا كُلُّهُ مَعْنَاهُ إِذَا كَانَتِ الْمَاشِيَةُ إِنَّمَا هَلَكَتْ مِنْ حَادِثٍ يَحْدُثُ بِهَا غَيْرُ اسْتِهْلاكٍ مِنْ رَبِّ الْمَالِ , لَهَا بِبَيْعٍ , أَوْ نَحْرٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِذَا كَانَ هُوَ الْجَانِيَ عَلَيْهَا , لَزِمَهُ الضَّمَانُ فِي الأَقْوَالِ كُلِّهَا , وَمِمَّا يُقَوِّي مَا تَأَوَّلْنَا : أَنَّهُ إِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى مَا كَانَ حَيًّا حَاضِرًا يَوْمَ يَأْتِي الْمُصَدِّقُ , حَدِيثَ عُمَرَ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |