قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ بَهْزِ بْنُ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " فِي كُلِّ إِبِلٍ سَائِمَةٍ ، فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْهَا ابْنَةُ لَبُونٍ ، وَلا تُفَرَّقُ عَنْ حِسَابِهَا " , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الأَرْبَعُونَ مِنَ الإِبِلِ بَيْنَ خُلَطَاءَ ثَمَانِيَةٍ ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسٌ ، فَإِنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ مَنْ نَظَرَ إِلَى الْمِلْكِ ثَمَانٍ مِنَ الْغَنَمِ ، عَنْ كُلِّ رَجُلٍ شَاةٌ , وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ ، لا تُفَرَّقُ عَنْ حِسَابِهَا " ، فَأَيُّ تَفْرِيقٍ أَشَدُّ مِنْ نَقْلِهَا مِنْ أَسْنَانِ الإِبِلِ إِلَى الْغَنَمِ ؟ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي حَدِيثِهِ , إِذَا كَانَتْ مِلْكَ وَاحِدٍ وَلا أَكْثَرَ مِنْهُ ، إِنَّمَا ذَكَرَ عَدَدَهَا مُجْتَمِعَةً ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ مَنْ نَظَرَ فِي الْمِلْكِ تَشْبِيهًا بِصَدَقَةِ الذَّهَبِ , وَالْوَرِقِ , وَالْحَبِّ , وَالثِّمَارِ ، وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ فِي الْمَاشِيَةِ بِخُصُوصِيَّةٍ لَهَا دُونَ غَيْرِهَا ، أَلا تَرَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَمْ يَشْتَرِطِ النَّهْيَ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَفَرِّقِ ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِتَرَاجُعِ الْخَلِيطَيْنِ إِلا فِي الْمَوَاشِي خَاصَّةً ، فَإِذَا صُيِّرَتْ سُنَّتُهَا كَسُنَّةِ غَيْرِهَا بَطَلَ شَرْطُهُ فِيهَا ، وَلِمَا سَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى , وَلَيْسَ لأَحَدٍ إِبْطَالُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ سُنَّتِهِ ، وَلا تُقَاسُ السُّنَنُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ، وَلَكِنْ تَمْضِي كُلُّ سُنَّةٍ عَلَى جِهَتِهَا , وَكُلُّ هَذَا الَّذِي حَكَيْنَا عَنْهُمْ فِي أَمْرِ الْخُلَطَاءِ , فَإِنَّمَا ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَلِيطَيْنِ مَالِكًا لأَرْبَعِينَ شَاةً فَصَاعِدًا , فَأَمَّا إِذَا كَانَ أَحَدُ الْخَلِيطَيْنِ لا يَبْلُغُ مِلْكُهُ أَرْبَعِينَ ، فَإِنَّ الأَوْزَاعِيَّ ، وَسُفْيَانَ ، وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ , اجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا صَدَقَةَ عَلَيْهِ ، قَالُوا : وَتَكُونُ الصَّدَقَةُ عَلَى الآخَرِ الْمَالِكِ لِلأَرْبَعِينَ فَمَا زَادَتْ , وَلا مَرْجِعَ لَهُ عَلَى الآخَرِ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِهِمْ , وَخَالَفَهُمُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، فَقَالَ : إِذَا كَمَلَتِ الأَرْبَعُونَ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ ، فَفِيهَا شَاةٌ عَلَيْهِمَا , قَالَ : وَهُوَ تَأْوِيلُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ " ، وَتَكُونُ هَذِهِ الشَّاةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمَا مِنَ الْغَنَمِ , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ : أَنْ يَكُونَ لأَحَدِهِمَا ثَلاثُونَ شَاةً ، وَلِلآخَرِ عَشْرٌ ، فَتَجِبُ عَلَيْهِمَا شَاةٌ ، ثُمَّ يَتَرَاجَعَانِ ، وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ صَاحِبُ الْعَشْرِ عَلَى رَبِّ الثَّلاثِينَ بِرُبُعِ قِيمَةِ الشَّاةِ ، حَتَّى يَكُونَ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ رُبْعُهَا , ويَلْزَمُ الآخَرَ ثَلاثَةُ أَرْبَاعِهَا ، عَلَى قَدْرِ أَمْوَالِهِمَا ، فَإِنْ كَانَتِ الشَّاةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الْعَشْرِ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِ الثَّلاثِينَ بِثَلاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الثَّلاثِينَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِ الْعَشْرِ بِرُبُعِ قِيمَتِهَا ، فِي مَذْهَبِ اللَّيْثِ وَتَفْسِيرِهِ , فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ : " وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ , فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ " ، فِي مَذْهَبِ قَوْلِ اللَّيْثِ , وَأَمَّا الأَوْزَاعِيُّ , وَمَالِكٌ , فَذَهَبَا إِلَى أَنَّ مَعْنَى هَذَا : إِنَّمَا هُوَ إِذَا بَلَغَ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ فَزَائِدًا ، وَذَلِكَ كَخَلِيطَيْنِ بَيْنَهُمَا مِائَةُ شَاةٍ ، لأَحَدِهِمَا سِتُّونَ ، وَلِلآخَرِ أَرْبَعُونَ ، فَفِيهَا عَلَى قَوْلِهِمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ ، يَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الأَرْبَعِينَ خُمْسَاهَا ، وَعَلَى رَبِّ السِّتِّينَ ثَلاثَةُ أَخْمَاسِهَا , وَقَالَ سُفْيَانُ , وَأَهْلُ الْعِرَاقِ : سِوَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا ، قَالُوا : فِي الأَرْبَعِينَ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ لا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا , فَخَالَفُوا اللَّيْثَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَقَالُوا فِي الْمِائَةِ بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ : فِيهَا شَاتَانِ ، عَلَى صَاحِبِ الأَرْبَعِينَ وَاحِدَةٌ ، وَعَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ أُخْرَى , وَتَرَكُوا التَّرَاجُعَ بَيْنَهُمَا ، فَخَالَفُوا الأَوْزَاعِيَّ وَمَالِكًا هَاهُنَا , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَأَنَا مُبَيِّنٌ مَذْهَبَ كُلٍّ مِنْهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ , أَمَّا قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَمَالِكٍ : فَإِنَّهُمَا نَظَرَا فِي الأَرْبَعِينِ فَمَا دُونَهَا إِلَى الْمِلْكِ ، لَمْ يَعْتَدَّا بِالْمُخَالَطَةِ ، وَنَظَرَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الأَرْبَعِينَ إِلَى الْمُخَالَطَةِ ، وَلَمْ يَعْتَدَّا بِالْمِلْكِ ، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ مَا فِيهِ , وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ , فَقَوْلُهُمْ : يُشْبِهُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ فِي نَظَرَهِمْ إِلَى الْمِلْكِ ، وَتَرْكِهِمُ الاعْتِدَادَ بِالْمُخَالَطَةِ ، إِلا أَنَّ فِي ذَلِكَ إِسْقَاطَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي التَّرَاجُعِ بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ ، وَلَيْسَ لأَحَدٍ تَرْكٌ السُّنَّةِ , وَأَمَّا قَوْلُ اللَّيْثِ : فَإِنَّهُ عِنْدِي مُتَّبِعٌ لِلْحَدِيثِ فِي مُرَاجَعَةِ الْخَلِيطَيْنِ ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يُوَافِقُ قَوْلُهُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، وَلا يَتَنَاقَضُ بِتَرْكِهِ النَّظَرَ إِلَى الْمِلْكِ فِي قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ ، وَاعْتِمَادِهِ عَلَى الْمُخَالَطَةِ , وَالاجْتِمَاعِ فِي الأَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا , وَمِمَّا يُحَسِّنُ قَوْلَهُ : مَا ذَكَرْنَا عَنْ عُمَرَ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ ، حِينَ أَمَرَ أَنْ يُعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالْبَهْمَةِ , لِمَا يَدَعُ لَهُمْ مِنَ الْمَاخِضِ وَالرُّبَى , وَالْفَحْلِ , وَشَاةَ اللَّحْمِ ، فَرَأَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُمُ التَّغْلِيظُ ، كَمَا كَانَتْ لَهُمُ الرُّخْصَةُ , يَقُولُ اللَّيْثُ , أَوْ مَنِ احْتَجَّ لَهُ : فَكَذَلِكَ الْخَلِيطَانِ ، إِذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ لَزِمَهَا التَّغْلِيظُ ، فَكَانَتْ عَلَيْهِمَا الصَّدَقَةُ كَمَا تَكُونُ لَهُمَا الرُّخْصَةُ ، فِي ثَمَانِينَ شَاةً بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ لا يَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا إِلا وَاحِدَةٌ ، وَكَذَلِكَ عِشْرُونَ وَمِائَةٌ بَيْنَ ثَلاثَةٍ ، لا يَكُونُ عَلَيْهِمْ فِيهَا إِلا شَاةٌ ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهَا ، فَيَكُونُ هَذَا بِذَلِكَ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
جَدِّهِ | معاوية بن حيدة القشيري | صحابي |
أَبِيهِ | حكيم بن معاوية البهزي | صدوق حسن الحديث |
بَهْزِ بْنُ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ | بهز بن حكيم القشيري | ثقة |
ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ | يحيى بن زكريا الهمداني / ولد في :120 / توفي في :183 | ثقة متقن |