قَالَ : قَالَ : وَسَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ ، فَقَالَ : " يَحْسِبُ الأَقَلَّ عَلَى الأَكْثَرِ ، فَإِذَا بَلَغَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ زَكَّاهَا " , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : يَعْنِي أَنْ يَحْسِبَ الأَقَلَّ بِقِيمَتِهِ وَسِعْرِهِ يَوْمَئِذٍ ، فَهَذَانِ قَوْلانِ , وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ : فَأَنْ يَجْعَلَ قِيمَةَ الدَّنَانِيرِ عَشَرَةً عَشَرَةً إِذَا ضَمَّهَا إِلَى الدَّرَاهِمِ ، وَإِنْ كَانَ السِّعْرُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ , وَأَمَّا الْقَوْلُ الرَّابِعُ : فَأَنْ تَكُونَ الدَّنَانِيرُ هِيَ الْمَضْمُومَةُ إِلَى الدَّرَاهِمِ بِقِيمَتِهَا أَبَدًا ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوْ أَكْثَرَ , وَأَمَّا الْقَوْلُ الْخَامِسُ : فَإِسْقَاطُ الزَّكَاةِ مِنَ الْمَالَيْنِ جَمِيعًا ، فَلا يَكُونُ فِيهِمَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ الدَّرَاهِمُ مِائَتَيْنِ ، وَالدَّنَانِيرُ عِشْرِينَ , وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ ، فَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْحِصَصِ ، فَيَقُولُ : إِنَّمَا تَجِبُ فِي الْمَالِ الزَّكَاةُ فِي ذَاتِهِ ، وَلا يَتَحَوَّلُ حَقٌّ لَزِمَهُ إِلَى غَيْرِهِ , وَلِذَلِكَ لا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الآخَرِ , وَهَذِهِ حُجَّةٌ لإِبْرَاهِيمَ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ إِلَى ضَمِّ الأَقَلِّ إِلَى الأَكْثَرِ ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُهُمَا مَالا وَاحِدًا , يَقُولُ : رَأَيْتُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ ثَمَنًا لِلأَشْيَاءِ ، وَلا تَكُونُ الأَشْيَاءُ ثَمَنًا لَهُمَا ، وَرَأَيْتُهُمَا مَعَ هَذَا لا يَحِلُّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالآخَرِ نَسْئًا ، فَدَلَّنِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا نَوْعٌ وَاحِدٌ ، فَأَضُمُّ الأَقَلَّ إِلَى الأَكْثَرِ بِسِعْرِهِ , فَهَذِهِ حُجَّةُ الشَّعْبِيِّ فِي مَا نَرَى ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ الأَوْزَاعِيُّ , حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ , وَبِهِ كَانَ يَقُولُ سُفْيَانُ , وَأَهْلُ الْعِرَاقِ ، وَأَمَّا الَّذِي جَعَلَ الدَّنَانِيرَ مَضْمُومَةً إِلَى الدَّرَاهِمِ أَبَدًا إِذَا جَامَعَتْهَا ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنَ الدَّرَاهِمِ ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ السُّنَّةَ إِنَّمَا جَاءَتْ فِي زَكَاةِ الدَّرَاهِمِ ، وَهِيَ الَّتِي ثَبَتَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : وَإِنَّمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ الزَّكَاةَ فِي الذَّهَبِ تَشْبِيهًا بِالدَّرَاهِمِ ، فَأَنَا أَجْعَلُهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَرْضِ فِي أَمْوَالِ التُّجَّارِ ، وَأَضُمُّهَا إِلَى الدَّرَاهِمِ بِقِيمَتِهَا , وَهَذَا مَذْهَبٌ يَذْهَبُ إِلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ بِالْحَدِيثِ وَالأَثَرِ , وَقَدْ رُوِيَ شَيْءٌ يُشْبِهُهَ عَنْ عَطَاءٍ , وَالزُّهْرِيِّ : أَنَّهُمَا كَانَا يَجْعَلانِ الدَّنَانِيرَ بِمَنْزِلَةِ الْعَرْضِ , وَأَمَّا الَّذِي يَجْعَلُ الدَّنَانِيرَ بِعَشَرَةٍ عَشَرَةٍ ، وَلا يَلْتَفِتُ إِلَى قِيمَتِهَا ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهَا كَذَا عُدِلَتْ فِي الأَصْلِ بِهَا ، يَقُولُ : أَلا تَرَى أَنَّهَا لا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ ، كَمَا لا تَجِبُ فِي الدَّرَاهِمِ زَكَاةٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ ؟ فَلَمَّا تَسَاوَيَا وَجَبَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رُبْعُ عُشْرِهَا , وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُهُ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّ ذَلِكَ رَأْيُهُ ، وَخَالَفَ فِيهِ أَصْحَابَهُ ، وَأَمَّا الَّذِي يُسْقِطُ الزَّكَاةَ مِنَ الْمَالَيْنِ جَمِيعًا ، حَتَّى تَبْلُغَ الدَّرَاهِمُ مِائَتَيْنِ ، وَالدَّنَانِيرُ عِشْرِينَ ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى السُّنَّةِ نَفْسِهَا , قَالَ : رَأَيْتُهَا قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا ، وَجَعَلَتْهُمَا نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ , " وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ رِبًا ، إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ ، فَسَوَّى بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَتَا نَوْعًا وَاحِدًا ، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، ثُمَّ أَحَلَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذَّهَبَ بِأَضْعَافِ الْفِضَّةِ ، إِذْ كَانَا نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ " , يَقُولُ : فَكَيْفَ أَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، وَأَجْعَلُهُمَا جِنْسًا وَاحِدًا ، وَقَدْ جَعَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنْسَيْنِ ؟ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَشَرِيكٍ ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ ، وَهَذَا عِنْدِي هُوَ أَلْزَمُ الأَقْوَالِ لِتَأْوِيلِ الآثَارِ ، وَأَصَحُّهَا فِي النَّظَرِ ، مَعَ الاتِّبَاعِ لِهَذِهِ الْحُجَّةِ الَّتِي فِي الصَّرْفِ ، وَلِحُجَّةٍ أُخْرَى فِي الزَّكَاةِ نَفْسِهَا أَيْضًا ، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلا لَوْ مَلَكَ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنْ غَيْرِ دَرَاهِمَ ، وَسِعْرُ الدَّنَانِيرِ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ ، أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ ، كَانَتِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ ، وَهُوَ غَيْرُ مَالِكٍ لِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَقِيمَةُ الدَّنَانِيرِ يَوْمَئِذٍ عِشْرُونَ دِرْهَمًا , أَوْ أَكْثَرُ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ ، وَهُوَ مَالِكٌ لِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا ، أَفَلَسْتَ تَرَى أَنَّ مَعْنَى الدَّرَاهِمِ قَدْ زَالَ هَاهُنَا عَنْ مَعْنَى الدَّنَانِيرِ وَبَانَ مِنْهُ ؟ فَمَا بَالُ الدَّنَانِيرِ تُضَمُّ إِلَى الدَّنَانِيرِ ، ثُمَّ تَكُونُ مَرَّةً عُرُوضًا , إِذَا نَقَصَتْ مِنَ الْعِشْرِينَ ، وَتَكُونُ عَيْنًا إِذَا تَمَّتْ عِشْرِينَ ؟ ! وَلَيْسَ الأَمْرُ عِنْدِي إِلا عَلَى مَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَشَرِيكٌ , وَالْحَسَنُ أَنَّهُمَا مَالانِ مُخْتَلِفَانِ ، كَالإِبِلِ مَعَ الْغَنَمِ ، وَكَالْبُرِّ مَعَ التَّمْرِ ، لا يُضَمُّ وَاحِدٌ مِنْ هَذَا إِلَى صَاحِبِهِ , فَهَذَا مَا فِي الدَّرَاهِمِ إِذَا نَقَصَتْ مِنَ الْمِائَتَيْنِ ، وَفِي الدَّنَانِيرِ إِذَا نَقَصَتْ مِنَ الْعِشْرِينَ , فَإِذَا بَلَغَتْ هَذِهِ مِائَتَيْنِ ، وَهَذِهِ عِشْرِينَ ، اسْتَوَتِ الأَقْوَالُ فِيهِمَا ، وَزَالَ الاخْتِلافُ ، فَإِنْ زَادَتَا عَلَى ذَلِكَ , كَانَ فِيهِمَا ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |