باب صدقة مال اليتيم وما فيها من السنة والاختلاف


تفسير

رقم الحديث : 939

يُحَدِّثُونَهُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالا مِنَ الذَّهَبِ ، وَلا فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ " , فَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِيهِمَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْحُلِيِّ ، ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْتَمْتَعُ بِهِ وَيَكُونُ جَمَالا ، وَأَنَّ الْعَيْنَ , وَالْوَرِقَ لا يَصْلُحَانِ لِشَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ ، إِلا أَنْ يَكُونَا ثَمَنًا لَهَا ، وَلا يُنْتَفَعُ مِنْهُمَا بِأَكْثَرَ مِنَ الإِنْفَاقِ لَهُمَا ، فَبِهَذَا بَانَ حُكْمُهُمَا مِنْ حُكْمِ الْحُلِيِّ الَّذِي يَكُونُ زِينَةً وَمَتَاعًا ، فَصَارَ هَاهُنَا كَسَائِرِ الأَثَاثِ وَالأَمْتِعَةِ , فَلِهَذَا أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنْهُ مَنْ أَسْقَطَهَا , وَلِهَذَا الْمَعْنَى , قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ : لا صَدَقَةَ فِي الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ الْعَوَامِلِ , لأَنَّهَا شُبِّهَتْ بِالْمَمَالِيكِ وَالأَمْتِعَةِ ، ثُمَّ أَوْجَبُوا الصَّدَقَةَ فِي الْحُلِيِّ ، وَأَوْجَبَ أَهْلُ الْحِجَازِ فِي الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ الْعَوَامِلِ ، وَأَسْقَطُوهَا مِنَ الْحُلِيِّ ، وَكِلا الْفَرِيقَيْنِ قَدْ كَانَ يَلْزَمُهُ فِي مَذْهَبِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا وَاحِدًا ، إِمَّا إِسْقَاطَ الصَّدَقَةِ عَنْهُمَا جَمِيعًا ، وَإِمَّا إِيجَابَهَا فِيهِمَا جَمِيعًا ، وَكَذَلِكَ هُمَا عِنْدَنَا سَبِيلُهُمَا وَاحِدٌ ، لا تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمَا , لِمَا قَصَصْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا ، فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ ، حِينَ قَالَ لِلْيَمَانِيَّةِ ذَاتِ الْمَسَكَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ : أَتُعْطِينَ زَكَاتَهُ ؟ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ , بِإِسْنَادٍ قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، فَإِنْ يَكُنِ الأَمْرُ عَلَى مَا رُوِيَ ، وَكَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْفُوظًا ، فَقَدْ يَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ : أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالزَّكَاةِ الْعَارِيَةَ ، كَمَا فَسَّرَتْهُ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ : سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالْحَسَنُ ، وَقَتَادَةُ ، فِي قَوْلِهِمْ : زَكَاتُهُ عَارِيَتُهُ , وَلَوْ كَانَتِ الزَّكَاةُ فِي الْحُلِيِّ فَرْضًا كَفَرْضِ الرِّقَةِ ، مَا اقْتَصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ , عَلَى أَنْ يَقُولَهُ لامْرَأَةٍ يَخُصُّهَا بِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الْحُلِيَّ عَلَيْهَا دُونَ النَّاسِ ، وَلَكَانَ هَذَا كَسَائِرِ الصَّدَقَاتِ الشَّائِعَةِ الْمُنْتَشِرَةِ عَنْهُ فِي الْعَالَمِ مِنْ كُتُبِهِ , وَسُنَّتِهِ ، وَلَفَعَلَتْهُ الأَئِمَّةُ بَعْدَهُ ، وَقَدْ كَانَ الْحُلِيُّ مِنْ فِعْلِ النَّاسِ فِي آبَادِ الدَّهْرِ ، فَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ ذِكْرًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ صَدَقَاتِهِمْ , وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهَا : لا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحُلِيِّ إِذَا أُعْطِيَتْ زَكَاتُهُ , لا وَجْهَ لَهُ عِنْدِي سِوَى الْعَارِيَةِ , لأَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ : كَانَ يُنْكِرُ عَنْهَا أَنْ تَكُونَ أَمَرَتْ بِذَلِكَ أَحَدًا مِنْ نِسَائِهَا , أَوْ بَنَاتِ أَخِيهَا ، وَلَمْ تَصِحَّ زَكَاةُ الْحُلِيِّ عِنْدَنَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، إِلا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , فَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي تَزْكِيَتِهِ حُلِيَّ بَنَاتِهِ ، فَفِي إِسْنَادِهِ نَحْوٌ مِمَّا فِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ , وَالْقَوْلُ الآخَرُ هُوَ , عَنْ عَائِشَةَ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَجَابِرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، ثُمَّ مَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ بَعْدُ , وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ مَا تَأَوَّلْنَا فِيهِ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُصَدِّقَةِ لِمَذْهَبِهِمْ عِنْدَ التَّدَبُّرِ , وَالنَّظَرِ , وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ سورة التوبة آية 34 , قَالَ : وَالْحُلِيُّ مِنَ الْكُنُوزِ ، وَفِيهِ الزَّكَاةُ لِذَلِكَ , فَيُقَالَ لَهُ : فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَدْ قَالَ حِينَ ذَكَرَ الإِبِلَ : " فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ " ، حَتَّى عَدَّ صَدَقَةَ الْمَوَاشِي ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ سَائِمَةً وَلا غَيْرَهَا ، فَإِنْ وَجَبَتِ الصَّدَقَةُ فِي الْحُلِيِّ , لأَنَّ تِلْكَ الآيَةَ عَامَّةٌ ، فَأَوْجِبِ الصَّدَقَةَ فِي الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ الْعَوَامِلِ , لأَنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامٌّ فِيهِمَا , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَأَمَّا النُّقَرُ , وَالتِّبْرُ , فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيهِمَا وَاجِبَةٌ , وَذَلِكَ أَنَّهُمَا كَالْوَرِقِ , وَالتِّبْرِ الَّذِي لا يُنْتَفَعُ مِنْهُمَا بِأَكْثَرَ مِنَ الإِنْفَاقِ ، وَهُمَا مُفَارِقَانِ لِلْحُلِيِّ فِي مَعْنَاهُ مِنَ اللُّبْسِ , وَالاسْتِمْتَاعِ بِهِ ، فَلِهَذَا وَجَبَتْ فِيهِمَا الزَّكَاةُ , وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ .

الرواه :

الأسم الرتبة
جَدِّهِ

صحابي

أَبِيهِ

صدوق حسن الحديث

عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ

ثقة

عَبْدِ الْكَرِيمِ

ثقة متقن

ابْنِ أَبِي لَيْلَى

ضعيف الحديث