باب صدقة مال العبد والمكاتب وما يجب عليهما منها وما لا يجب


تفسير

رقم الحديث : 964

قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، عَنِ اللَّيْثِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنَّهُ " سُئِلَ عَنْ مَالِ الْمَجْنُونِ ، هَلْ فِيهِ زَكَاةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ " , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَأَمَّا سُفْيَانُ فَكَانَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ : أَحْصِ مَا فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنَ الزَّكَاةِ ، فَإِذَا كَبِرَ فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ ، وَأَخْبِرْهُ بِمَا عَلَيْهِ , وَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ الْعِرَاقِ سِوَى سُفْيَانَ , وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ ، فَلا يَرَوْنَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ زَكَاةً ، وَلا يَرَوْنَ عَلَى وَصِيِّهِ إحصاء ذَلِكَ أَيْضًا ، وَلا إِعْلامَهُ ، وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ عِنْدَهُمْ ، وَإِنَّمَا قَاسُوا ذَلِكَ بِالصَّلاةِ ، وَقَالُوا : إِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَرْضُ الصَّلاةِ , وَالَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ شَرَائِعَ الإِسْلامِ , لا يُقَاسُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ , لأَنَّهَا أُمَّهَاتٌ ، تَمْضِي كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى فَرْضَهَا وَسُنَّتِهَا ، وَقَدْ وَجَدْنَاهَا مُخْتَلِفَةً فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ ، مِنْهَا : أَنَّ الزَّكَاةَ تُخْرَجُ قَبْلَ حِلِّهَا وَوُجُوبِهَا ، فَتُجْزِئُ عَنْ صَاحِبِهَا فِي قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، وَأَنَّ الصَّلاةَ لا تُجْزِئُ إِلا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ , وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي أَرْضِ الصَّغِيرِ , إِذَا كَانَتْ أَرْضَ عُشْرٍ فِي قَوْلِ النَّاسِ جَمِيعًا ، وَهُوَ لا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ , وَمِنْهَا : أَنَّ الْمُكَاتَبَ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ ، وَلا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ، فَالصَّلاةُ سَاقِطَةٌ عَنِ الصَّبِيِّ ، وَالصَّدَقَةُ فِي أَرْضِهِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ ، وَالزَّكَاةُ سَاقِطَةٌ عَنِ الْمُكَاتَبِ ، وَالصَّلاةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ ، فَهَذَا اخْتِلافٌ مُتَفَاوِتٌ , وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ أَيْضًا ، أَلا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ ، وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ ، وَأَنَّ الآكِلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا لا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ ، وَأَنَّ النَّاسِيَ لِلصَّلاةِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِذَا ذَكَرَهَا ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ يَسَعُهُ الإِفْطَارُ إِلَى أَنْ يَصِحَّ ، وَهُوَ لا يُجْزِيهِ تَأْخِيرُ الصَّلاةِ , إِلا أَنْ يَقْضِيَهَا فِي وَقْتِهَا عَلَى مَا بَلَغَتْهُ طَاقَتُهُ مِنَ الْجُلُوسِ ، أَوِ الإِيمَاءِ , وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا كَثِيرَةٍ يَطُولُ بِهَا الْكِتَابُ ، فَأَيْنَ يَذْهَبُ الَّذِي يَقِيسُ الْفَرَائِضَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ عَمَّا ذَكَرْنَا ؟ وَمِمَّا يُبَاعِدُ حُكْمَ الصَّلاةِ مِنَ الزَّكَاةِ أَيْضًا , أَنَّ الصَّلاةَ إِنَّمَا هِيَ حَقٌّ يَجِبُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ الْفُقَرَاءِ فِي أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ ، وَإِنَّمَا مِثْلُهَا كَالصَّبِيِّ يَكُونُ لَهُ الْمَمْلُوكُ ، أَفَلَسْتَ تَرَى أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ ، إِنْ كَانَ ذَا مَالٍ ، كَمَا تَجِبُ عَلَى الْكَبِيرِ ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ لِهَذَا الصَّبِيِّ زَوْجَةٌ , زَوَّجَهُ إِيَّاهَا أَبُوهُ , وَهِيَ كَبِيرَةٌ ، فَأَخَذَتْهُ بِالصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ضَيَّعَ لإِنْسَانٍ مَالا ، أَوْ خَرَقَ لَهُ ثَوْبًا ، كَانَ عَلَيْهِ دَيْنًا فِي مَالِهِ ؟ وَأَشْبَاهٌ لِهَذَا كَثِيرَةٌ , فَهَذَا أَشْبَهُ بِالزَّكَاةِ مِنَ الصَّلاةِ , لأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ ، وَلَيْسَتِ الصَّلاةُ كَذَلِكَ ، أَفَلا يُسْقِطُونَ عَنْهُ هَذِهِ الدُّيُونَ إِذْ كَانَتِ الصَّلاةُ لا تَجِبُ عَلَيْهِ ؟ وَفِيهِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا : لَوْ أَنَّ رَجُلا زَوَّجَ ابْنَةً لَهُ صَغِيرَةً ، فَمَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا ، أَوْ طَلَّقَهَا ، كَانَتِ الْعِدَّةُ لازِمَةً لَهَا بِالطَّلاقِ , وَالْوَفَاةِ جَمِيعًا ، لا اخْتِلافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ أَعْلَمُهُ ، وَلَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَ نِكَاحُهَا بَاطِلا ، كَبُطُولِ نِكَاحِ الْكَبِيرَةِ فِي الْعِدَّةِ ، فَلا يُسْقِطُ الْحَرَجُ عَنْهَا فِي هَذَا ، أَوْ عَنْ مَنْ زَوَّجَهَا , أَنْ كَانَتِ الصَّلاةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا , فَالأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى الآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَصْحَابِهِ الْبَدْرِيِّينَ , وَغَيْرِهِمْ ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ , أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ ، مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْوُجُوهِ ، وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ هُوَ عِنْدِي مِثْلُ الصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ , فِي قَوْلِهِ : " أَحْصِ مَا فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنَ الزَّكَاةِ " ، ثُمَّ أَخْبِرْهُ بِذَلِكَ ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ يَثْبُتُ عَنْهُ عِنْدَنَا , وَذَلِكَ أَنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يُفْتِي بِخِلافِهِ , مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْهُ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " أَدِّ زَكَاةَ مَالِ الْيَتِيمِ " , وَحَدِيثُ خُصَيْفٍ عَنْهُ , أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : " كُلُّ مَالٍ لِلْيَتِيمِ يُنْمَى , أَوْ يُضَارَبُ بِهِ فَزَكِّهِ " , وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ , فَلَوْ صَحَّ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ , عِنْدَ مُجَاهِدٍ , مَا أَفْتَى بِخِلافِهِ ، وَهُوَ مَعَ هَذَا كُلِّهِ , لَوْ ثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، لَكَانَ إِلَى قَوْلِ مَنْ يُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ أَقْرَبَ ، أَلا تَرَى أَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُحْصِيَ مَالَهَ , وَيُعْلِمَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ ؟ وَلَوْلا الْوُجُوبُ عِنْدَهُ مَا كَانَ لِلإِحْصَاءِ , وَالإِعْلامِ مَعْنًى , فَالزَّكَاةُ عِنْدَنَا وَاجِبَةٌ عَلَى مَالِ الصَّغِيرِ ، يَقُومُ لَهُ بِهَا الْوَلِيُّ ، كَمَا يَقُومُ لَهُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَا دَامَ صَغِيرًا سَفِيهًا ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَيُؤْنِسَ مِنْهُ رُشْدًا ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ ، فَلْيُعْلِمْهُ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ , إِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ , حَتَّى يُزَكِّيَهُ الْيَتِيمُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ ، وَإِلا لَمْ آمَنْ عَلَيْهِ الإِثْمِ , كَمَا قَالَ طَاوُسٌ : " إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ، فَالإِثْمُ فِي عُنُقِكَ " , وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ يُشَبِّهُ الزَّكَاةَ بِالصَّلاةِ , بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عُثْمَانَ ، وَقَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْحَدِيثَ ، وَلَيْسَ مِثْلُهُ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَعْرِفُ أَهْلَ الْعِلْمِ ، وَلا يُدَانُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الإِسْنَادِ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.