العسل والزيتون والخضر


تفسير

رقم الحديث : 1043

حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ ، يَقُولُ : " لا تُبَاعُ الثَّمَرَةُ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالأَوسُقِ الْمُوَسَّقَةِ ، إِلا الثَّلاثَةَ ، وَالأَرْبَعَةَ ، وَالْخَمْسَةَ ، تُؤْكَلُ رُطَبًا ، وَهِيَ الْمُزَابَنَةُ " , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ ، أَوْ بَعْضِهِمْ , وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ , فَقَوْلُهُمْ فِي الْعَرَايَا غَيْرُ ذَلِكَ , قَالُوا : إِنَّ هَذَا الْبَيْعَ , أَوْ مَنْ قَالَهُ مِنْهُمْ لا يَجُوزُ , مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ تَمْرٌ بِرُطَبٍ مُجَازَفَةً ، فَلا يَحِلُّ لأَنَّهُ مُزَابَنَةٌ , وَقَالوا : وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ , وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ : إِنَّمَا جَاءَتِ الرُّخْصَةُ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا لأَنَّهَا هِبَةٌ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ ، فَهِيَ فِي مِلْكِ الْوَاهِبِ عَلَى حَالِهَا , قَالُوا : وَلَوْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبَةُ لَهُ مَا حَلَّ بَيْعُهَا , إِلا كَيْلا مِثْلا بِمِثْلٍ , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَهَذَا التَّأْوِيلُ عِنْدِي لا مَعْنَى لَهُ , لأَنَّ الثَّمَرَةَ إِنْ كَانَتْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ , وَإِنَّمَا هِيَ مَالُهُ عَلَى حَالِهَا الأُولَى فَأَيُّ بَيْعٍ يَقَعُ هَاهُنَا ؟ وَلأَيِّ مَعْنًى جَاءَتِ الرُّخْصَةُ فِيهِ ؟ وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّمَا أَرْخَصَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَالَ نَفْسِهِ " ، فَكَيْفَ يَشْتَرِي مَا هُوَ مِلْكُ يَمِينِهِ ؟ فَهَذَا مِمَّا لا يَنْبَغِي لِذِي عِلْمٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ ، وَلَيْسَ الأَمْرُ عِنْدِي إِلا عَلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا ، خُصُوصِيَّةً خَصَّهَا بِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْمُزَابَنَةِ . كَمَا أَرْخَصَ لِلرَّجُلِ الَّذِي ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ يَوْمَ الْعِيدِ , أَنْ يُضَحِّيَ بِجَذَعَةٍ مِنَ الْمَعْزِ , وَكَمَا أَرْخَصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ , لِحَاجَةٍ كَانَتْ إِلَيْهِ , وَكَمَا جَعَلَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ , وَكَمَا أَرْخَصَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمُضْطَرِّ فِي الْمَيْتَةِ ، وَالدَّمِ ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ ، فِي أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا كَثِيرَةٍ ، وَكَذَلِكَ الْعَرَايَا " , وَأَنْكَرَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَيْضًا مَعَ هَذَا خَرْصَ الثِّمَارِ لِلصَّدَقَةِ ، وَرَدُّوهُ بِوُجُودِ تَأَوُّلِهَا , وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ ، فَقَالَ : إِنَّ الْخَرْصَ مِنَ الْمُزَابَنَةِ فِي الْبَيْعِ , وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ , قَالَ : وَهُوَ أَيْضًا كَالْقِمَارِ , وَالْمُخَاطَرَةِ الَّتِي لا يُدْرَى فِيهَا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ يَذْهَبُ بِمَالِ صَاحِبِهِ , قَالَ : وَإِنَّمَا كَانَ الْخَرْصُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً , لأَنَّهُ كَانَ يُوَفَّقُ مِنَ الصَّوَابِ لِمَا لا يُوَفَّقُ لَهُ غَيْرُهُ , قَالَ : وَكَذَا الْقُرْعَةُ لا تَجُوزُ لأَحَدٍ بَعْدَهُ , فَهَذِهِ حُجَجُ مَنِ احْتَجَّ لَهُمْ , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِلالِ جَوَابٌ وَحُجَّةٌ تَدْخُلُ عَلَيْهِ , فَأَمَّا تَشْبِيهُهُ الْخَرْصَ بِالْمُزَابَنَةِ فِي الْبَيْعِ ، وَإِبْطَالُهُ إِيَّاهُ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ أَجْلِ الْبَيْعِ ، فَلَيْسَتْ لَهُ هَاهُنَا حُجَّةٌ أَقْرَبَ إِلَى الْوَهْنِ وَالْغَيِّ مِنْ هَذِهِ ، إِذْ جُعِلَتِ الصَّدَقَةُ قِيَاسًا عَلَى الْبُيُوعِ ، وَشَرَائِعُ الإِسْلامِ أُمَّهَاتٌ لا يُقَاسُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ , لأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِ الأُخْرَى ، وَلَوِ احْتُجَّ عَلَى قَائِلِ هَذَا ، فَقَالَ : إِنْ جَازَ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْبَيْعَ أَصْلا تَقِيسُ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ ، فَإِنِّي أَجْعَلُ الصَّدَقَةَ أَصْلا أَقِيسُ الْبَيْعَ عَلَيْهِ ، مَا كَانَ فِي الدَّعْوَى إِلا وَاحِدًا ، وَكِلاهُمَا أَخَذَ فِي غَيْرِ الصَّوَابِ ، وَلَكِنْ تَمْضِي كُلُّ فَرِيضَةٍ عَلَى وَجْهِهَا وَسُنَّتِهَا , وَمَعَ هَذَا ، لَوْ جَازَ لِلَّذِي شَبَّهَ الْبَيْعَ بِالصَّدَقَةِ قَوْلُهُ ، مَا كَانَتْ هَذِهِ الْحُجَّةُ إِلا عَلَيْهِ ، لا لَهُ لأَنَّ الْمُبَايَعَةَ فِي التَّمْرِ بِالتَّمْرِ رِبًا ، إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ ، وَهُوَ يَأْخُذُ مِنَ الثِّمَارِ فِي الصَّدَقَةِ عُشْرَهَا ، وَيَكِيلُ لأَرْبَابِهَا تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا ، فَهَلْ هَذَا مِنْ سُنَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يُبَاعَ الصَّاعُ مِنَ التَّمْرِ بِتِسْعَةِ أَمْثَالِهِ ، إِنْ كَانَ مِثْلَ الْبَيْعِ عَلَى مَا زَعَمَ ؟ فَأَيْنَ ذَهَبَ بِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ ؟ وَهَلْ غَلَطَ غَلَطَهُ أَحَدٌ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِسُنَّةٍ أَوْ نَظَرٍ ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ : إِنَّ الْخَرْصَ كَالْقِمَارِ ، فَكَيْفَ يَتَسَاوَى هَذَانِ الْقَوْلانِ ؟ إِنَّمَا قَصَدَ بِالْخَرْصِ قَصْدَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَوَضْعَ الْحُقُوقِ فِي مَوَاضِعِهَا ، وَالْقِمَارُ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْفُجُورُ ، وَالزَّيْغُ عَنِ الْحَقِّ ، وَاجْتِيَاحُ الأَمْوَالِ بِغَيْرِ حِلِّهَا ، فَكَمْ بَيْنَ هَذَيْنِ ؟ وَمَتَى سُوِّيَ الْغَيُّ بِالرَّشَادِ ؟ مَعَ أَنَّ الَّذِيَ جَاءَ بِتَحْرِيمِ الْقِمَارِ هُوَ الَّذِي سَنَّ الْخَرْصَ وَأَبَاحَهُ ، وَأْذِنَ فِيهِ ، فَمَا جَعَلَ قَوْلَهُ هَاهُنَا مَقْبُولا ، وَهَاهُنَا مَرْدُودًا ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَفَّقُ مِنَ الْخَرْصِ , وَالْقُرْعَةِ لِمَا لا يُوَفَّقُ لَهُ غَيْرُهُ ، فَإِنَّهُ يُقَالَ لَهُ : هَلْ شَيْءٌ مِنَ الأُمُورِ سِوَى هَذَيْنِ يُوَفَّقُ النَّاسُ لَهُ , كَتَوْفِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا خَصَصْتَ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ لَهُ بِالتَّوْفِيقِ دُونَ الأَشْيَاءِ ؟ وَلَوْ كَانَ النَّاسُ لا يَجِبُ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعُ الأَنْبِيَاءِ إِلا مَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يُسَدَّدُونَ لِصَوَابِهِ كَتَسْدِيدِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ، وَإِلا اجْتَنَبُوهُ ، لَوَجَبَ عَلَى النَّاسِ إِذًا تَرْكُ الاسْتِنَانِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَزِمَهُمُ اجْتِنَابُ أُمُورِهِ وَأَحْكَامِهِ , لأَنَّ الْعِلْمَ مُحِيطٌ بِأَنَّ مَنْ يَأْتِيهِ وَحْيُ السَّمَاءِ وَأَخْبَارُهَا ، بَعِيدُ الشَّبَهِ مِمَّنْ يَعْمَلُ عَلَى عِلْمٍ مُغَيَّبٍ , فَلَيْسَ الأَمْرُ عِنْدِي مَا قَالَ هَذَا ، وَلَيْسَتِ الطَّرِيقُ بِالَّتِي سَلَكَ ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ إِحْيَاءُ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالاقْتِفَاءُ لأَمْرِهِ ، وَالاهْتِدَاءُ بِهَدْيِهِ فِي تَسْهِيلِ مَا سَهَّلَ ، وَتَغْلِيظِ مَا غَلَّظَ ، وَعَلَى اللَّهِ التَّوْفِيقُ وَالْقَبُولُ , فَالْخَرْصُ وَالْقُرْعَةُ عِنْدَنَا سُنَّتَانِ مَاضِيَتَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ عَمِلَتْ بِهِمَا الأَئِمَّةُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ , وَإِنَّمَا تُخْرَصُ الثِّمَارُ فِي أَوَّلِ بُلُوغِهَا ، إِلا أَنَّهَا تُحْسَبُ عَلَى مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ كَيْلُهَا إِذَا يَبِسَتْ وَصَارَتْ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا ، وَهُمَا اللَّذَانِ يُؤْخَذَانِ فِي الصَّدَقَةِ , وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ , عَنِ الزُّهْرِيِّ يَرْفَعُهُ .

الرواه :

الأسم الرتبة
سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ

صحابي صغير