العسل والزيتون والخضر


تفسير

رقم الحديث : 887

وَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، فَإِنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ : فِي الْمَالِ الَّذِي يُدَارُ لِلتِّجَارَةِ ، وَلا يَنِضُّ لِصَاحِبِهِ مِنْهُ شَيْءٌ , تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ , قَالَ : " وَأَمَّا الْعُرُوضُ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ صَاحِبِهَا سِنِينَ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى يَبِيعَهَا ، ثُمَّ لا يَكُونُ فِي ثَمَنِهَا إِلا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ عَلَى الْمَالِ زَكَاةً مِنْ مَالٍ سِوَاهُ " , حَدَّثَنِي بِذَلِكَ كُلِّهِ عَنْهُ , يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَالَّذِي عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ مَا يَقُولُ : سُفْيَانُ , وَأَهْلُ الْعِرَاقِ , أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ مَا يَنِضُّ , وَمَا لا يَنِضُّ فَرْقٌ , عَلَى ذَلِكَ تَوَاتَرَتِ الأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَإِنَّمَا أَجْمَعُوا عَنْ ضَمِّ مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ إِلَى سَائِرِ مَالِهِ النَّقْدِ ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ زَكَاةٌ زَكَّاهُ ، وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا فَرَّقَ مَا بَيْنَ النَّاضِّ , وَغَيْرِهِ فِي الزَّكَاةِ قَبْلَ مَالِكٍ , قَالَ : وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْفِقْهِ : إِنَّهُ لا زَكَاةَ فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ , وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِيهَا مَنْ أَوْجَبَهَا بِالتَّقْوِيمِ ، ثُمَّ قَالَ : وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَالٍ الزَّكَاةُ فِي نَفْسِهِ وَالْغَنِيمَةُ سِوَى الْمَتَاعِ ، فَأُسْقِطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ لِهَذَا الْمَعْنَى , وَهَذَا عِنْدَنَا غَلَطٌ فِي التَّأْوِيلِ , لأَنَّا قَدْ وَجَدْنَا السُّنَّةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ , وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ قَدْ يَجِبُ الْحَقُّ فِي الْمَالِ ، ثُمَّ يَحُولُ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّا يَكُونُ إِعْطَاؤُهُ أَيْسَرَ عَلَى مُعْطِيهِ مِنَ الأَصْلِ , وَمِنْ ذَلِكَ كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِلَى مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ فِي الْجِزْيَةِ : " أَنَّ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا ، أَوْ عَدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ " , فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَرْضَ مَكَانَ الْعَيْنِ , ثُمَّ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ : " إِنَّ عَلَيْهِمْ أَلْفَيْ حُلَّةٍ فِي كُلِّ عَامٍ , أَوْ عَدْلَهَا مِنَ الأَوَاقِيِّ " , فَأَخَذَ الْعَيْنَ مَكَانَ الْعرَضِ , وَكَانَ عُمَرُ يَأْخُذُ الإِبِلَ مِنَ الْجِزْيَةِ ، وَإِنَّمَا أَصْلُهَا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ , وَأَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الإِبَرَ وَالْحِبَالَ وَالْمَسَالَّ مِنَ الْجِزْيَةِ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ فِي الصَّدَقَةِ نَفْسِهَا , أَنَّهُ أَخَذَ مَكَانَهَا الْعُرُوضَ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ : " ايتُونِي بِخَمِيسٍ , أَوْ لَبِيسٍ آخُذْهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الصَّدَقَةِ ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ ، وَأَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ " , وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , أَنَّ امْرَأَتَهَ قَالَتْ لَهُ : إِنَّ لِي طَوْقًا فِيهِ عِشْرُونَ مِثْقَالا , فَقَالَ : أَدِّي عَنْهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ , قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَكُلُّ هَذِهِ الأَشْيَاءِ قَدْ أُخِذَتْ فِيهَا حُقُوقٌ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ تِلْكَ الْحُقُوقُ ، فَلَمْ يَدْعُهُمْ ذَلِكَ إِلَى إِسْقَاطِ الزَّكَاةِ , لأَنَّهَا حَقٌّ لازِمٌ لا يُزِيلُهُ شَيْءٌ ، وَلَكِنَّهُمْ فَدَوْا ذَلِكَ الْمَالَ بِغَيْرِهِ , إِذْ كَانَ أَيْسَرَ عَلَى مَنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ ، فَكَذَلِكَ أَمْوَالُ التِّجَارَةِ ، إِنَّمَا كَانَ الأَصْلُ فِيهَا أَنْ تُؤْخَذَ الزَّكَاةُ مِنْهَا أَنْفُسِهَا ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ضَرَرٌ مِنَ الْقَطْعِ وَالتَّبْعِيضِ ، فَلِذَلِكَ تَرَاخَصُوا فِي الْقِيمَةِ , وَلَوْ أَنَّ رَجُلا وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي تِجَارَةٍ ، فَقُوِّمَ مَتَاعُهُ ، فَبَلَغَتْ زَكَاتُهُ قِيمَةَ ثَوْرٍ تَامٍّ ، أَوْ دَابَّةٍ أَوْ مَمْلُوكٍ ، فَأَخْرَجَهُ بِعَيْنِهِ ، فَجَعَلَهُ زَكَاةَ مَالِهِ ، كَانَ عِنْدَنَا مُحْسِنًا مُؤْدِيًا لِلزَّكَاةِ ، وَإِنْ كَانَ أَخَفَّ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ قِيمَةً مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، كَانَ ذَلِكَ لَهُ , فَعَلَى هَذَا أَمْوَالُ التُّجَّارِ عِنْدَنَا ، وَعَلَيْهِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الزَّكَاةَ فَرْضٌ وَاجِبٌ فِيهَا , وَأَمَّا الْقَوْلُ الآخَرُ فَلَيْسَ مِنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا , وَإِنَّمَا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي الْعُرُوضِ , وَالرَّقِيقِ وَغَيْرِهَا إِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ ، وَسَقَطَتْ عَنْهَا إِذَا كَانَتْ لِغَيْرِهَا , لأَنَّ الرَّقِيقَ وَالْعُرُوضَ إِنَّمَا عُفِيَ عَنْهَا فِي السُّنَّةِ , إِذَا كَانَتْ لِلاسْتِمْتَاعِ وَالانْتِفَاعِ بِهَا ، وَلِهَذَا أَسْقَطَ الْمُسْلِمُونَ الزَّكَاةَ مِنَ الإِبِلِ , وَالْبَقَرِ الْعَوَامِلِ ، وَأَمَّا أَمْوَالُ التُّجَّارِ , فَإِنَّمَا هِيَ لِلنَّمَاءِ وَطَلَبِ الْفَضْلِ ، فَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالِ تُشْبِهُ سَائِمَةَ الْمَوَاشِي الَّتِي يُطْلَبُ نَسْلُهَا وَزِيَادَتُهَا ، فَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ لِذَلِكَ ، إِلا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُزَكَّى عَلَى سُنَّتِهَا ، فَزَكَاةُ التِّجَارَاتِ عَلَى الْقِيَمِ ، وَزَكَاةُ الْمَوَاشِي عَلَى الْفَرَائِضِ ، فَاجْتَمَعَتَا فِي الأَصْلِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ ، ثُمَّ رَجَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي الْفَرَعِ إِلَى سُنَّتِهَا , فَهَذَا مَا فِي زَكَاةِ التِّجَارَاتِ إِذَا كَانَتْ أَعْيَانُهَا حَاضِرَةً عِنْدَ أَهْلِهَا , فَإِذَا كَانَ مَعَ هَذَا دُيُونٌ ، فَإِنَّ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ إِنْ كَانَ مِنْ تِجَارَةٍ , أَوْ مِنْ غَيْرِ تِجَارَةٍ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْفُتْيَا تَكَلَّمَ بِهَا السَّلَفُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا , فَأَحَدُهَا : أَنْ تُعَجَّلَ زَكَاةُ الدَّيْنِ مَعَ الْمَالِ الْحَاضِرِ إِذَا كَانَ عَلَى الأَمْلِيَاءِ , وَالثَّانِي : أَنْ تُؤَخَّرَ زَكَاتُهُ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَرْجُوٍّ حَتَّى يُقْبَضَ ، ثُمَّ يُزَكَّى بَعْدَ الْقَبْضِ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ , وَالثَّالِثُ : أَنْ لا يُزَكَّى إِذَا قُبِضَ وَإِنْ أَتَتْ عَلَيْهِ سِنُونَ إِلا زَكَاةً وَاحِدَةً , وَالرَّابِعُ : أَنْ تَجِبَ زَكَاتُهُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنِ ، وَتَسْقُطُ عَنْ رَبِّهِ الْمَالِكِ لَهُ , وَالْخَامِسُ : إِسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَنْهُ الْبَتَّةَ ، فَلا تَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِنْ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ مَلِيءٍ , وَفِي كُلِّ هَذَا أَحَادِيثُ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.