أَخْبَرَنَا أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ السَّوَّاقُ ، وَالْبُنْدَارُ ابْنُ أَخِي شَيْخِنَا أَبِي مَنْصُورِ بْنِ السَّوَّاقِ ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانَ الْغَزَّالُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ السَّمَّاكِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ مُلَاعِبِ بْنِ جَنَانٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ غِيَاثٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَسَدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ ، عَنْ عَمَّارٍ الذُّهْنِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، حَدِّثْنِي بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، حَتَّى كَأَنِّي حَضَرْتُهُ ، قَالَ : " مَاتَ مُعَاوِيَةُ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لِيَأْخُذَ بَيْعَتَهُ ، فَقَالَ لَهُ : أَخِّرْنِي وَارْفُقْ بِي ، فَأَخَّرَهُ ، فَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ ، فَأَتَاهُ رُسُلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّا قَدْ حَبَسْنَا أَنْفُسَنَا عَلَيْكَ ، وَلَسْنَا نَحْضُرُ الْجُمُعَةَ مَعَ الْوَالِي فَأَقْدِمْ عَلَيْنَا ، وَكَانَ نُعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى الْكُوفَةِ ، قَالَ : فَبَعَثَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إِلَى مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلِ ابْنِ عَمِّهِ ، فَقَالَ : سِرْ إِلَى الْكُوفَةِ فَانْظُرْ مَا كَتَبُوا بِهِ إِلَيَّ ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا خَرَجْتُ إِلَيْهِمْ . فَخَرَجَ مُسْلِمٌ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةِ ، فَأَخَذَ مِنْهَا دَلِيلَيْنِ فَمَرَّا بِهِ فِي الْبَرِيَّةِ فَأَصَابَهُمْ عَطَشٌ ، فَمَاتَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ فَكَتَبَ مُسْلِمٌ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ يَسْتَعْفِيهِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحُسَيْنُ : أَنِ امْضِ إِلَى الْكُوفَةِ فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَهَا فَنَزَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهَا يُقَالَ لَهُ : عَوْسَجَةُ . فَلَمَّا تَحَدَّثَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِمَقْدَمِهِ دَنَوْا إِلَيْهِ فَبَايَعَهُ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا ، فَقَامَ رَجُلٌ مِمَّنْ يَهْوَى يَزِيدَ إِلَي النُّعْمَانِ فَقَالَ لَهُ : إِنَّكَ لَضَعِيفٌ ، أَوْ مُسْتَضْعَفٌ قَدْ فَسَدَ الْبِلَادُ ، فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ : لَأَنْ أَكُونَ ضَعِيفًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا أَكُونُ قَوِيًّا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَمَا كُنْتُ لِأَهْتِكَ سِتْرًا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَكَتَبَ بِقَوْلِهِ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، فَدَعَا يَزِيدُ مَوْلًى لَهُ يُقَالَ لَهُ : سَرْحُونُ ، قَدْ كَانَ يَسْتَشِيرُهُ ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، فَقَالَ لَهُ : أَكُنْتَ قَابِلًا مِنْ مُعَاوِيَةَ لَوْ كَانَ حَيًّا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَاقْبَلْ مِنِّي ، إِنَّهُ لَيْسَ لِلْكُوفَةِ إِلَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ فَوَلِّهَا إِيَّاهُ ، وَكُنْ يَزِيدُ سَاخِطًا ، وَكَانَ قَدْ هَمَّ بَعَزْلِهِ وَكَانَ عَلَى الْبَصْرَةِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَرْضَاهُ وَأَنَّهُ قَدْ وَلَّاهُ الْكُوفَةَ مَعَ الْبَصْرَةِ ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ فَيَقْتُلَهُ إِنْ وَجَدَهُ ، فَأَقْبَلَ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي وُجُوهِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ حَتَّى قَدِمَ الْكُوفَةَ مُتَلَثِّمًا ، فَلَا يَمُرُّ عَلَى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِهِمْ فَيُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا : وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، حَتَّى نَزَلَ بِالْقَصْرِ ، فَدَعَا مَوْلًى لَهُ فَأَعْطَاهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ لَهُ : اذْهَبْ حَتَّى تَسْأَلَ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي يُبَايِعُ أَهْلُ الْكُوفَةِ ، فَأَعْلِمْهُ أَنَّكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ جِئْتَ لِهَذَا الْأَمْرِ ، وَهَذَا مَالٌ فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ لِيَقْوَى ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَتَطَلَّفُ وَيَرْفُقُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى شَيْخٍ يَلِي الْبَيْعَةَ ، فَلَقِيَهُ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، فَقَالَ لَهُ : لَقَدْ سَرَّنِي لِقَاؤُكَ إِيَّايَ ، وَلَقَدْ سَاءَنِي فَأَمَّا مَا سَرَّنِي مِنْ ذَلِكَ فَمَا هَدَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَمَّا مَا سَاءَنِي فَإِنَّ أَمْرَنَا لَمْ يَسْتَحْكِمْ بَعْدُ ، فَأَدْخَلَهُ عَلَى مُسْلِمٍ فَأَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ وَبَايَعَهُ ، وَرَجَعَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَخْبَرَهُ ، وتَجَوَّلَ مُسْلِمٌ حِينَ قَدِمَ عُبَيْدُ اللَّهِ مِنَ الدَّارِ الَّتِي كَانَ فِيهَا إِلَى مَنْزِلِ هَانِئ بْنِ عُرْوَةَ الْمُرَادِيِّ ، وَكَتَبَ مُسْلِمٌ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، يُخْبِرُهُ بِبَيْعَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَيَأْمُرُهُ بِالْقُدُومِ ، قَالَ : وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ لِوُجُوهِ أَهْلِ الْكُوفَةِ : مَا بَالُ هَانِئ بْنِ عُرْوَةَ لَمْ يَأْتِنِي فِيمَن أَتَانِي ، قَالَ : فَخَرَجَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ فِي أُنَاسٍ مِنْهُمْ ، فَأَتَوْهُ وَهُوَ عَلَى بَابِ دَارِهِ ، فَقَالُوا لَهُ : إِنَّ الْأَمِيرَ قَدْ ذَكَرَ اسْتِبْطَاءَكَ فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى رَكِبَ مَعَهُمْ ، فَدَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ وَعِنْدَهُ شُرَيْحٍ الْقَاضِي ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ لِشُرَيْحٍ : أَتَتْكَ بِخَائِنٍ رِجْلَاهُ ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ يَا هَانِئُ : أَيْنَ مُسْلِمٌ ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي ، فَأَمَرَ عُبَيْدَ اللَّهِ صَاحِبَ الدَّرَاهِمِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا رَآهُ قَطَعَ بِهِ ، قَالَ : أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ ، وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُهُ إِلَى مَنْزِلِي وَلَكِنَّهُ جَاءَ فَطَرَحَ نَفْسَهُ عَلَيَّ ، قَالَ : ائْتِنِي بِهِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمِي مَا رَفَعْتُهُمَا عَنْهُ ، قَالَ : ادْنُوهُ إِلَيَّ ، فَأُدْنِيَ فَضَرَبَهُ بِالْقَضِيبِ فَشَجَّهُ عَلَى حَاجِبَيْهِ ، وَأَهْوَى هَانِئٌ إِلَى سَيْفِ شُرَطِيٍّ لِيَسُلَّهُ فَدُفِعَ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَالَ لَهُ : قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ دَمَكَ ، فَأُمِرَ بِهِ فَحُبِسَ فِي جَانِبِ الْقَصْرِ ، وَخَرَجَ الْخَبَرُ إِلَى مَذْحِجٍ فَإِذَا عَلَى بَابِ الْقَصْرِ جَلَبَةٌ سَمِعَهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا : مَذْحِجٌ ، فَقَالَ لِشُرَيْحٍ : اخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَأَعْلِمْهُمْ أَنِّي إِنَّمَا حَبَسْتُهُ لِأُسَائِلَهُ ، وَبَعَثَ عَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَوَالِيهِ يَسْمَعُ مَا يَقُولُ ، فَمَرَّ شُرَيْحٌ بِهَانِئٍ ، فَقَالَ هَانِئٌ : يَا شُرَيْحُ ، اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّهُ قَاتِلِي ، فَخَرَجَ شُرَيْحٌ حَتَّى قَامَ عَلَى بَابِ الْقَصْرِ ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ عَلَيْهِ إِنَّمَا حَبَسَهُ الْأَمِيرُ لِيَسْأَلَهُ ، فَقَالُوا : صَدَقَ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِكُمْ بَأْسٌ ، فَتَفَرَّقُوا ، وَأَتَى مُسْلِمًا الْخَبَرُ ، فَنَادَى بِشِعَارِهِ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَفٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، فَقَدِمَ مَقْدِمَةً وَهِيَ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَسَارَ فِي الْقَلْبِ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ ، وَبَعَثَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى وُجُوهِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَجَمَعَهُمْ عِنْدَهُ فِي الْقَصْرِ ، فَلَمَّا سَارَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَانْتَهَى إِلَى بَابِ الْقَصْرِ أَشْرَفُوا عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِهِ عَلَى عَشَائِرِهِمْ ، فَجَعَلُوا يُكَلِّمُونَهُمْ وَيَرُدُّونَهُمْ ، فَجَعَلُوا أَصْحَابَ مُسْلِمٍ يَتَسَلَّلُونَ حَتَّى أَمْسَى فِي خَمْسِ مِائَةٍ ، فَلَمَّا اخْتَلَطَ الظَّلَامُ ذَهَبَ أُولَئِكَ أَيْضًا ، فَلَمَّا رَأَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ وَحْدَهُ تَرَدَّدَ فِي الطُّرُقِ ، فَأَتَى بَابًا فَنَزَلَ عَلَيْهِ فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ ، فَقَالَ لَهَا : اسْقِينِي مَاءً فَسَقَتْهُ ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ خَرَجَتْ فَإِذَا هُوَ عَلَى الْبَابِ ، قَالَتْ : يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ مَجْلِسَكَ مَجْلِسُ رِيبَةٍ فَقُمْ ، فَقَالَ لَهَا : أَنَا مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ فَهَلْ عِنْدَكِ مَأْوَى ؟ قَالَتْ نَعَمْ ، ادْخُلْ ، وَكَانَ ابْنُهَا مَوْلًى لِمُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ ، فَلَّمَا عَلِمَ بِهِ الْغُلَامُ انْطَلَقَ إِلَى مُحَمَّدٍ فَأَخْبَرَهُ ، فَانْطَلَقَ مُحَمَّدٌ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَخْبَرَهُ ، فَبَعَثَ عُبَيْدُ اللَّهُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيَّ صَاحِبَ شُرْطَةٍ إِلَيْهِ وَمَعَهُ مُحَمَّدٌ فَلَمْ يَعْلَمْ مُسْلِمٌ حَتَّى أُحِيطَ بِالدَّارِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مُسْلِمٌ خَرَجَ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَهُمْ ، فَأَعْطَاهُ مُحَمَّدٌ الْأَمَانَ فَأَمْكَنَ مِنْ يَدِهِ ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُصْعِدَ إِلَى أَعْلَى الْقَصْرِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ ، وَأَلْقَى جُثَّتَهُ إِلَى النَّاسِ وَأَمَرَ بِهَانِئٍ فَسُحِبَ إِلَى الْكُنَاسَةِ فَصُلِبَ هُنَاكَ ، وَقَالَ شَاعِرُهُمْ : فَإِنْ كُنْتِ لَا تَدْرِينَ مَا الْمَوْتُ فَانْظُرِي إِلَى هَانِئٍ بِالسُّوقِ وَابْنِ عَقِيلِ أَصَابَهُمَا أَمْرُ الْإِمَامِ فَأَصْبَحَا أَحَادِيثَ مَنْ يَسْعَى بِكُلِّ سَبِيلِ أَيَرْكَبُ أَسْمَاءُ الْهَمَالِيجَ آمِنًا وَقَدْ طَلَبَتْهُ مَذْحِجٌ بِقَتِيلِ وَأَقْبَلَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِكِتَابِ مُسْلِمٍ كَانَ إِلَيْهِ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَادِسِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ لَقِيَهُ الْحُرُّ بْنُ يَزِيدَ التَّمِيمِيُّ ، فَقَالَ لَهُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : أُرِيدُ هَذَا الْمِصْرَ ، قَالَ : ارْجِعْ فَإِنِّي لَمْ أَدَعْ لَكَ خَلْفِي خَيْرًا أَرْجُوهُ ، فَهَمَّ أَنْ يَرْجِعَ ، وَكَانَ مَعَهُ إِخْوَةُ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ ، قَالَ : وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى يُصِيبَ بِثَأْرِنَا ، أَوْ يُقْتَلَ ، فَقَالَ : لَا خَيْرَ فِي الْحَيَّاةِ بَعْدَكُمْ ، فَسَارَ فَلَقِيَهُ أَوَّلُ خَيْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَدَلَ إِلَى كَرْبَلَاءَ فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى قَصَبٍ ، أَوْ خِلَافٍ لَا يُقَاتِلُ إِلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ ، فَنَزَلَ وَضَرَبَ أَبْنِيَتَهُ ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ فَارِسًا وَنَحْوًا مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ . وَكَانَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَدْ وَلَّاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الرَّيَّ وَعَهِدَ إِلَيْهِ عَهْدًا ، فَقَالَ : اكْفِنِي هَذَا الرَّجُلَ ، فَقَالَ : اعْفِنِي ، فَأَبَى أَنْ يُعْفِيَهُ ، قَالَ : فَانْظِرْنِي اللَّيْلَةَ فَأَخَّرَهُ ، فَنَظَرَ فِي أَمْرِهِ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَيْهِ رَاضِيًا بِمَا أُمِرَ بِهِ ، فَتَوَجَّهَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، فَلَمَّا أَتَاهُ ، قَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ : اخْتَرْ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تَدَعُونِي فَأَلْحِقَ بِالثُّغُورِ ، وَإِمَّا أَنْ تَدَعُونِي فَأَذْهَبَ إِلَى يَزِيدَ ، وَإِمَّا أَنْ تَدَعُونِي فَأَنْصَرِفَ مِنْ حَيْثُ جِئْتُ ، فَقَبِلَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ ، فَكَتَبَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ بِذَلِكَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ ، لَا وَلَا كَرَامَةَ حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ : لَا وَاللَّهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَدًا ، فَقَاتَلَهُ فَقُتِلَ أَصْحَابُهُ كُلُّهُمْ وَفِيهِمْ بِضْعَةَ عَشَرَ شَابًّا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَنَحَى سَهْمٌ ، فَيَقَعُ بِابْنٍ لَهُ صَغِيرٌ فِي حِجْرِهِ ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا ، دَعَوْنَا لِيَنْصُرُونَا ثُمَّ يَقْتُلُونَا ، ثُمَّ دَعَا بِسَرَاوِيلِ حِبَرِهِ فَشَقَّهُ ثُمَّ لَبِسَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ مَذْحِجٍ ، وَحَزَّ رَأْسَهُ وَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَالَ : أَوْقِرْ رِكَابِي فِضَّةً وَذَهَبًا فَقَدْ قَتَلْتُ الْمَلِكَ الْمُحَجَّبَا قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمًّا وَأَبًا وَخَيْرَهُمْ إِنْ يُنْسَبُونَ نَسَبَا فَوَفَدَ هُوَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَعَهُ الرَّأْسُ ، فَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعِنْدَهُ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ ، فَجَعَلَ يَزِيدُ يَنْكُثُ بِالْقَضِيبِ عَلَى فِيهِ وَيَقُولُ : نَفْلِقُ هَامًا مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةٍ عَلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا فقَالَ لَهُ أَبُو بَرْزَةَ : ارْفَعْ قَضِيبَكَ فَوَاللَّهِ لَرُبَّمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِيهِ يَلْثَمُهُ ، وَسَرَحَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ بِحَرَمِهِ وَعِيَالِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا غُلَامٌ كَانَ مَرِيضًا مَعَ النِّسَاءِ ، فَأَمَرَ بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ لِيُقْتَلَ فَطَرَحَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ ، وَقَالَتْ : لَا يُقْتَلُ حَتَّى تَقْتُلُونِي فَرَقَّ لَهُ فَتَرَكَهُ وَكَفَّ عَنْهُ ثُمَّ جَهَّزَهُمْ وَحَمَلَهُمْ إِلَى يَزِيدَ ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ جَمَعَ مَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ثُمَّ أُدْخِلُوا عَلَيْهِ ، فَهَنَّئُوهُ بِالْفَتْحِ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَزْرَقُ أَحْمَرُ ، فَنَظَرَ إِلَى وَصِيفَةٍ مِنْ بَنَاتِهِمْ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هَبْ لِي هَذِهِ ، فَقَالَتْ : زَيْنَبُ لَا وَاللَّهِ وَلَا كَرَامَةَ لَكَ وَلَا لَهُ ، إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَأَعَادَهَا الْأَزْرَقُ ، فَقَالَ لَهُ : يَزِيدُ : كُفَّ ، ثُمَّ أَدْخَلَهُمْ إِلَى عِيَالِهِ ثُمَّ جَهَّزَهُمْ وَحَمَلَهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا دَخَلُوهَا خَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ نَاشِرَةً شَعْرَهَا ، وَاضِعَةً كُمَّهَا عَلَى رَأْسِهَا تَلَقَّتْهُمْ وَهِيَ تَقُولُ : مَاذَا تَقُولُونَ لَوْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ مَاذَا فَعَلْتُمْ وَأَنْتُمْ خِيرَةُ الْأُمَمِ بِعِتْرَتِي وَبِأَهْلِي بَعْدَ مُفْتَقَدِي مِنْهُمْ أُسَارَى وَقَتْلَي ضُرِّجُوا بِدَمِ قَالَ أَبُو الْوَليِدِ هَذَا الْبَيْتُ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ خَالِدٍ : مَا كَانَ هَذَا جَزَائِي إِذْ نَصَحْتُ لَكُمْ أَنْ تَخْلُفُونِي بِسُوءٍ فِي ذَوِي رَحِمِي " .