باب الشهادات وما جاء فيها


تفسير

رقم الحديث : 238

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ " يَرَى شَهَادَتَهُ جَائِزَةً إِذَا تَابَ " . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : " وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ جَمِيعًا ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ ، فَيَرَوْنَ شَهَادَتَهُ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ ، وَكِلا الْفَرِيقَيْنِ إِنَّمَا تَأَوَّلَ فِيمَا نَرَى الآيَةَ ، فَالَّذِي لا يَقْبَلُهَا يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْكَلامَ انْقَطَعَ مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ : وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ ، فَقَالَ : وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلا الَّذِينَ تَابُوا ، فَأَوْقَعَ التَّوْبَةَ عَلَى الْفِسْقِ خَاصَّةً دُونَ الشَّهَادَةِ ، وَأَمَّا الآخَرُونَ ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْكَلامَ بَعْضُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بَعْضٍ ، فَقَالَ : وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ سورة النور آية 4 ، ثُمَّ أَوْقَعُوا الاسْتِثْنَاءَ فِي التَّوْبَةِ عَلَى كُلِّ الْكَلامِ وَرَأَوْا أَنَّهُ مُنْتَظِمٌ لَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَالَّذِي يُخْتَارُ هَذَا الْقَوْلُ ؛ لأَنَّ مَنْ قَالَ بِهِ أَكْثَرُ وَأَعْلَى ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَمَنْ وَرَاءَهُ ، مَعَ أَنَّهُ فِي النَّظَرِ عَلَى هَذَا أَصَحُّ ، وَلا يَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْفَاحِشَةِ أَعْظَمَ جُرْمًا مِنْ رَاكِبِهَا ، أَلا تَرَى أَنَّهُمْ لا يَخْتَلِفُونَ فِي الْعَاهِرِ أَنَّهُ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ إِذَا تَابَ ، فَرَامِيهِ بِهَا أَيْسَرُ جُرْمًا إِذَا نَزَعَ عَمَّا قَالَ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ ؛ لأَنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ ، وَإِذَا قَبِلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التَّوْبَةَ مِنْ عَبْدِهِ كَانَ الْعِبَادُ بِالْقَبُولِ أَوْلَى ، مَعَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الاسْتِثْنَاءِ مَوْجُودٌ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ سورة المائدة آية 33 ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : إِلا الَّذِينَ تَابُوا سورة المائدة آية 34 ، فَلَيْسَ يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ هَذَا الاسْتِثْنَاءَ نَاسِخٌ لِلآيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا وَأَنَّ التَّوْبَةَ لِهَؤُلاءِ جَمِيعًا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الطُّهُورِ حِينَ قَالَ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا سورة النساء آية 43 ، ثُمَّ قَالَ : وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا سورة النساء آية 43 ، فَصَارَ التَّيَمُّمُ لاحِقًا بِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الاغْتِسَالُ ، كَمَا لَحِقَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَ عَمَّارًا وَأَبَا ذَرٍّ بِذَلِكَ ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَأَوَّلَ مَنْ رَأَى شَهَادَةَ الْقَاذِفِ جَائِزَةً ؛ لأَنَّهُ كَلامٌ وَاحِدٌ بَعْضُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بَعْضٍ وَبَعْضُهُ تَابَعَ بَعْضًا ، ثُمَّ انْتَظَمَهُ الاسْتِثْنَاءُ وَأَحَاطَ بِهِ .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.