حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، عَنِ اللَّيْثِ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي هَذِهِ الآيَةِ قَالَ : " هِيَ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ فِي السَّفَرِ فَيَحْضُرُهُ بَعْضُ وَرَثَتِهِ وَيَغِيبُ بَعْضُهُمْ فَيَتَّهِمُ الْغَائِبُ مِنْهُمُ الْحَاضِرَ " ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : " وَهَذَا هُوَ الأَصْلُ فِي الْحُكْمِ أَلا يَكُونَ أَهْلُ الشِّرْكِ عُدُولا عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ ، وَلَوْلا خِلافُ مَنْ سَمَّيْنَا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ ، وَأُولَئِكَ أَكْثَرُ عَدَدًا ، وَفِيهِمْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مَعَ خَلَلٍ فِي هَذَا الْقَوْلِ لَيْسَ فِي ذَاكَ ، أَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى هَذَا فَلا نَرَاهُ حُفِظَ ؛ لأَنَّ الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ عَنْهُ بِخِلافِهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الثَّبْتِ وَالصِّحَّةِ ، وَأَمَّا تَأَوُّلُ الْحَسَنِ : مِنْ قَبِيلَتِكُمْ أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ غَيْرِكُمْ ، فَكَيْفَ يَصِيرُ أَهْلُ الْمُخَاطَبَةِ بِالآيَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ بِهَا أَهْلَ التَّوْحِيدِ كَافَّةً ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ سورة المائدة آية 106 ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلا قَدْ خُوطِبَ بِهَا ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : مِنْ غَيْرِكُمْ ، إِلا مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ : إِنَّهَا فِي أَهْلِ الْمِيرَاثِ يَتَّهِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَأَنَّى يَكُونُ هَذَا ؟ وَإِنَّمَا سَمَّاهَا اللَّهُ لَنَا شَهَادَةً ، ثُمَّ أَعَادَ ذِكْرَهَا فِي الآيَةِ وَأَبْدَاهُ مِرَارًا ، فَقَالَ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ سورة المائدة آية 106 ، وَقَالَ : لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا ، وَقَالَ : ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا . وَهَذَا يَتَأَوَّلُهَا فِي الادِّعَاءِ مِنْ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضٍ ، فَإِنَّمَا هُمْ مُدَّعُونَ وَمُدَّعًى عَلَيْهِمْ ، فَأَيْنَ الشَّهَادَةُ مِنَ الدَّعْوَى ؟ وَكَيْفَ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي شَاهِدٌ ؟ فَهَذَانِ نَوْعَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ لا أَعْرِفُ لَهُمَا وَجْهًا ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلا وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إِلا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِي مَذْهَبِهِمَا مَعَ مَا ذَكَرْنَا أَمْرَانِ لا يَجُوزَانِ فِي أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ ، فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا . فَهَلْ يُعْرَفُ فِي حُكْمِ الإِسْلامِ أَنْ يَحْلِفَ الشَّاهِدَانِ ، أَوْ يَجِبَ عَلَيْهِمَا يَمِينٌ ، أَمْ هَلْ يُعْرَفُ فِي حُكْمِ الإِسْلامِ أَنْ لا يَقْبَلَ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُمَا وَلا يُنْفِذَهَا إِلا بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : " هَذَا مَا لا يَجِبُ عَلَى شُهُودِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَيْسَ الأَمْرُ عِنْدَنَا إِلا الْقَوْلُ الأَوَّلُ عَمَّنْ سَمَّيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، ثُمَّ أَخَذَ سُفْيَانُ بِهِ ، وَمَعَ هَذَا إِنَّا قَدْ وَجَدْنَا لِمِثْلِ هَذَا نَظَائِرَ خَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِرُخْصَتِهَا السَّفَرَ ، وَحَظَرَهَا عَلَى أَهْلِ الْحَضَرِ ، مِنْهَا قَصْرُ الصَّلاةِ وَالتَّيَمُّمُ مَكَانَ الطَّهُورِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ وَالإِفْطَارُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَكُلُّ هَذِهِ الْخِلالِ جَعَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ ، ثُمَّ أَحَلَّ جَلَّ جَلالُهُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ عِنْدَ الاضْطِرَارِ إِلَى ذَلِكَ ، فَهَكَذَا هَذِهِ الشَّهَادَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَأَيُّ ضَرُورَةٍ أَشَدُّ مِنْ رَجُلٍ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ فِي السَّفَرِ ؟ وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ حُقُوقٌ مِنْ زَكَاةٍ وَحَجٍّ وَكَفَّارَاتٍ ، وَلِلنَّاسِ عَلَيْهِ حُقُوقٌ مِنْ دُيُونٍ وَوَدَائِعَ وَغَيْرِهَا لا يَجِدُ إِلَى تَثْبِيتِهِمَا وَأَدَائِهَا سَبِيلا إِلا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ ، فَإِنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ كُلُّهَا ، وَقَدْ جَوَّزَ الْمُسْلِمُونَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ بِلا رَجُلٍ عَلَى الْوِلادَةِ وَالاسْتِهْلالِ وَالْحَيْضِ وَالْحَبَلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِلاضْطِرَارِ إِلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَوْجُودٍ فِي كِتَابٍ وَلا سُنَّةٍ ، فَالَّذِي يَحْتَمِلُهُ تَأْوِيلُ الْكِتَابِ أَوْلَى بِالاتِّبَاعِ وَأَوْجَبَ عَلَى النَّاسِ ، وَإِنَّمَا نَرَاهُمْ تَأَوَّلُوا بِقَوْلِهِ : تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ أَنَّهَا صَلاةُ الْعَصْرِ ؛ لأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانُوا لا يُصَلُّونَ لِلشَّمْسِ كَالْمَجُوسِ ، فَإِنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَغُرُوبَهَا وَقْتٌ لِصَلَوَاتِهِمْ ، عَرَفْنَا ذَلِكَ بِمَا رَأَيْنَا مِنْ بَعْضِهِمْ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ ذَلِك .
الأسم | الشهرة | الرتبة |