حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ قَالَ : " هُوَ الرَّجُلُ يُوَكِّلُ الرَّجُلَ بِضَيْعَتِهِ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ وَالتَّمْرِ وَيَشْرَبَ اللَّبَنَ " . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : " وَقَدْ كَانَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى الإِبَاحَةِ لِطَعَامِ الأَقَارِبِ خَاصَّةً وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ أَرْبَابُهُ ، وَيَحْتَجُّونَ بِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ الإِذْنُ كَانَ وَاسِعًا لَلأَبَاعِدِ أَيْضًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَهَذَا مَذْهَبٌ فِيهِ مَقَالٌ لِقَائِلِهِ لَوْلا خَصْلَتَانِ تُفْسِدَانِهِ : إِحْدَاهُمَا أَنَّا وَجَدْنَا هَذِهِ الأَخْبَارَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا تَصِفُ غَيْرَ ذَلِكَ ، وَالأُخْرَى : أَنَّ الآيَةَ إِنَّمَا افْتُتِحَتْ بِإِسْقَاطِ الْحَرَجِ عَنِ الأَعْمَى وَالأَعْرَجِ وَالْمَرِيضِ ، ثُمَّ جُعِلَ الأَقْرَبُونَ تَبَعًا لَهُمْ ، فَمَا سَقَطَ فِيهِ الْحَرَجُ عَنْ هَؤُلاءِ كَانَ أُولَئِكَ بِهِ أَوْلَى ؛ لأَنَّهُمْ فِي صَدْرِ الآيَةِ ، فَهَلْ يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ مُبَاحَةً لِلأَعْمَى وَالأَعْرَجِ وَالْمَرِيضِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ أَصْحَابِهِ ؟ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَأَمَّا أَنَا فَإِنَّ الَّذِي عِنْدِي فِيهِ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا نَهَى عَنْ أَكْلِ الأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ تَحَامَى الْمُسْلِمُونَ نَيْلَ كُلِّ مَالٍ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ رَبِّهِ إِشْفَاقًا أَنْ يُوَاقِعُوا الْمَعْصِيَةَ وَلا يَشْعُرُوا ، كَخِيفَتِهِمْ كَانَتْ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى حِينَ أَوْعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا النَّارَ ، فَاجْتَنَبُوا مِنْ أَجْلِهَا مُخَالَطَتَهُمْ حَذَرًا أَنْ يُخْرِجَهُمْ ذَلِكَ إِلَى مَا نُهُوا عَنْهُ فَنَسَخَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ : وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ثُمَّ أَذِنَ فِيهَا بِمَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْهُ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَأُحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا بِالاقْتِصَادِ عِنْدَ الْفَاقَةِ ، فَكَانَتْ هَذِهِ أَكْثَرَ مِنَ الأُولَى ، فَكَذَلِكَ عِنْدِي أَمْرُ الطَّعَامِ أَنَّهُمْ أَمْسَكُوا عَنِ النَّيْلِ مِنْ طَعَامِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ تَوَرُّعًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الأَكْلِ بِالْبَاطِلِ إِذْ لَمْ يَسْتَحِقُّوهُ بِعَمَلٍ يَعْمَلُوهُ لَهُمْ وَلا دَيْنٍ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَخْبَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا حَرَّمَ وَلا مِمَّا خَافُوا ، وَأَنَّهُ لا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِيهِ ، ثُمَّ زَادَ أَهْلُ هَذِهِ الآيَةِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الزَّمْنَى وَالْفُقَرَاءُ وَالأَقَارِبُ أَكْثَرَ مِنْ إِبَاحَةِ الطَّعَامِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ، فَجَعَلَ لَهُمْ حُقُوقًا فِي أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ وَاجِبَةً حِينَ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَاتِ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ الآيَةَ ، وَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الأَقْرَبِينَ ، فَقَالَ : وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ فِي آيٍ كَثِيرٍ يَطُولُ بِهَا الْكِتَابُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَهَذَا عِنْدِي وَجْهُ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الطَّعَامِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ ، وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ فِي الأَعْمَى ، وَالأَعْرَجِ ، وَالْمَرِيضِ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنْ مُؤَاكَلَتِهِمْ يَقُولُونَ : إِنَّ الأَعْمَى لا يُبْصِرُ أَطَايِبَ الطَّعَامِ ، وَإِنَّ الأَعْرَجَ لا يُمْكِنُهُ مَدُّ يَدِهِ إِلَى مَا يُرِيدُ ، وَإِنَّ الْمَرِيضَ لا يَسْتَطِيعُ الطُّعْمَ فَأُبِيحَ لِلنَّاسِ أَنْ يُؤَاكِلُوهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَالتَّأْوِيلُ الأَوَّلُ أَحَبُّ إِلَيَّ ؛ لأَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ إِلَيْهِ يَذْهَبُ ، وَهُوَ مَعَ هَذَا أَصَحُّ فِي الْكَلامِ وَأَعْرَبُ ؛ لأَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى وَلَمْ يَقُلْ : لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي الأَعْمَى حَرَجٌ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : عَلَى قَدْ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى فِي لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مُمْتَنِعًا فِي الْعَرَبِيَّةِ إِلا أَنَّ وَجْهَ الْكَلامِ الْمُقَدَّمِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ الْقُرْآنُ عَلَى أَعْرَبِ الْوُجُوهِ وَأَصَحِّهَا فِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |